لا يحتاج البؤس في مصر إلى من يلتقط له صوره أو يتكلف ويرصده، وباتت قسمات وجوه المصريين العابثة الحزينة تدلك بكل بساطة على انهيار الحريات وحقوق الإنسان وعودة إلى عصور الظلام، وتعطيك بيانات صامتة عن القتل والقمع والتعذيب، وتكميم لأفواه المصريين كافة، وتضخم دولة العسكر التي ترفع شعار الخوف والرأي الواحد، فضلاً عن الوعود الكاذبة والمشاريع الوهمية، والحقبة السوداء في تاريخ منظومة العدالة والقضاء.
نفس الشيء وأسوأ قليلا يحدث في اليمن، ومن المفارقة أن الدولة التي تقف وراء ما يجري في مصر واليمن هي الإمارات؛ حيث فازت صحفيتان مصريتان بجائزة “بوليتزر” الصحفية، عن التقارير التي أجرتاها حول الحرب باليمن، ووثقتا خلالها التعذيب والكسب غير المشروع والمجاعة التي يعاني منها اليمنيون بسبب الحرب الدائرة هناك، وفازت ماجي ميشيل وناريمان أيمن المفتي، اللتان تعملان لدى وكالة “أسوشيتد برس” بالجائزة، بعد أن قضيا عامًا تغطيان الحرب اليمنية وآثارها.
ولفت ناشطون إلى أن ماجي ميشيل كانت أول ما كشف الحجاب عن السجون الإماراتية السرية في اليمن وما يحدث بها، والسؤال لماذا لم يفز بها مصورون مصريون أمثال “شوكان” الذي خرج توًّا من معتقلات العسكر، أو الشهيد “أحمد عاصم” مصور جريدة “الحرية والعدالة” الذي صور مقتله في مجزرة الحرس الجمهوري؟
دولة مهترئة
جهاز شرطة ووزارة داخلية صنعهما العسكر مليئان بالفساد، اقتصاد منهك ومؤسسات دولة مهترئة، وما بعد انقلاب 30 يونيو 2013 نسف كامل لمجال الحريات وحقوق الإنسان بالكامل، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة والجريمة والفقر، وتدني الخدمات الأساسية كهرباء ومياه ومستشفيات ومواصلات، وارتفاع معدلات الاختفاء القسري والمعتقلين، واستقطاب وانقسام مجتمعي غير مسبوق، وارتفاع معدلات البطالة، وإصدار قوانين من برلمان الدم تتيح إهدار المال العام، وغلاء جنوني في الأسعار، ورفع جزء كبير من الدعم.
بتلك الإخفاقات يقوم جنرال إسرائيل السفيه السيسي بتعديل الدستور، ليبقى على رأس السلطة إلى عام 2030، بعد الغدر بالرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، وذلك في أعقاب موجة 30 يونيو من نفس العام ليتولى المجلس العسكري مقاليد الحكم في مصر ويتم تعيين الطرطور عدلي منصور، على سُدة الحكم.
وبرغم إعلان السفيه السيسي عدم الترشح مُسبقًا، وأن الجيش في مصر لا يولي اهتمًامًا أو طمعًا في الحكم، ويأتي تسليم السلطة للمدنيين على رأس قائمة الالتزامات المعني بتنفيذها المجلس العسكري، ينقضي العام الخامس للسفيه السيسي على كُرسي السلطة يحكم الدولة بالنار والحديد.
ولا تزال تعتمد سلطات الانقلاب على سياسة المسكنات، ولا تملك أية حلول جذرية للمشكلات المستعصية، وسط غياب تام لخطة الدولة الإستراتيجية فى معالجة ملفات الفقر والتعليم والصحة؛ حيث يقابل خُرافة الاستقرار في مصر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في كافة المجالات، فلا تزال فزاعات الإرهاب والمؤامرات الخارجية ذريعة سلطات الانقلاب الأولى لتبرر منهجيتها في الفشل.
على خطى اليمن
وفي اليمن لا يختلف الأمر كثيرًا؛ حيث وثقت تقارير الصحفيتين ماجي ميشيل وناريمان أيمن المفتي، الخسائر في أرواح المدنيين اليمنيين من الغارات الجوية للتحالف بمساعدة طائرات أمريكية بدون طيار، ولفتت الانتباه إلى وجود جنود أطفال على الخطوط الأمامية، كما أظهرت أدلة على تعذيب الحوثيين للمدنيين.
وتعمل ميشيل في الوكالة منذ ما يزيد على 15 عامًا صحفية تغطي الحروب والنزاعات؛ إذ كانت تركزت تغطياتها خلال الفترة الماضية على تقارير عن التعذيب والمجاعة التي يعانيها اليمنيون بسبب الحرب، ويذكر أن تقارير أممية تحدثت أيضًا عن انتهاكات لحقوق الإنسان داخل السجون التي أنشأتها الإمارات في اليمن.
وفي تقرير أممي حول انتشار حالات التعذيب والاغتصاب في تلك السجون، نقل عن “كريستين بيكيرلي” مسئولة منظمة “هيومن رايتس ووتش”، توثيق عدد من تلك الجرائم، دون تلقي إجابات من أبوظبي بخصوصها، وكانت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، قد كشفت تقرير فى مايو من العام الماضي عن فضيحة جديدة ارتكبها ضباط إماراتيون ووكلائهم بحق مئات المعتقلين في سجن بمدينة عدن جنوبي اليمن.
ووصف التقرير الذي أوردته الوكالة أساليب الضباط الإماراتيين المختلفة في التعذيب والإذلال الجنسيين بما كان يحدث في سجن أبو غريب في العراق إبان فترة الاحتلال الأمريكي، وقالت الوكالة إنه ليس سجنا واحدا بل 5 سجون تشابه إن لم تفق سوءًا هذا المعتقل السيئ السمعة استنسختها الإمارات.
أما ناريمان أيمن المفتي – وهي مصورة كندية من أصل مصري – فتركز أعمالها على مناطق الصراع بالشرق الأوسط منذ عام 2016، وفازت وكالة “رويترز” باثنتين من جوائز بوليتزر؛ إحداهما عن تقرير استقصائي كشف النقاب عن مقتل عشرة من مسلمي الروهينغا على يد قرويين بوذيين وقوات الأمن في ميانمار، والأخرى عن صور لمهاجرين على حدود الولايات المتحدة.
ويقود السفيه السيسي نظاما تسبب بأسوأ أزمة حقوق إنسان في تاريخ مصر حسب منظمة “هيومان رايتس ووتش”، وقدرت هذه في عام 2016 أن عدد السجناء في سجون نظام السيسي أكثر من 100.000 شخصا، منذ انقلاب 2013، وقال حسين بيومي، الباحث المصري في منظمة “أمنستي إنترناشونال”، “في مصر إنها من أسوأ الفترات من ناحية القمع والإعتقالات التعسفية. ففي مصر يمكن اعتقال أي شخص بدون سبب على الإطلاق”.