تناول تقرير صحفي انتشار وتنامي ظاهرة الرقص في أي زفة انتخابية ينظمها نظام الانقلاب العسكري في مصر، مضيفًا أنه في الوقت الذي نفى “محمد علي باشا” الراقصات وأبعدهن عن القاهرة، حيث أصدر أمرًا عام 1834 بالقبض على الراقصات وترحيلهن إلى الصعيد، وفرض خمسين جلدة عقوبة على كل امرأة ترقص في الطريق، يعمل نظام السيسي على تحويل سيدات مصر الفضليات إلى راقصات على جثمان مصر المنكوبة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا.
وأشار التقرير المنشور على “الجزيرة”، اليوم الإثنين، إلى تاريخ انتشار ظاهرة الراقصات في مصر، منذ الاحتلال الإنجليزي حتى تم تسكين الراقصات في شارع باسم محمد علي في قلب القاهرة نكايةً فيه، كما تدرجت وظيفة الرقص لاحقا، وانتقلت من صالات الأفراح والأندية الليلية وشاشات السينما لتجد لها مكانًا ووظيفة في السياسة، مضمونة “الحصانة” من الملاحقة القضائية، رغم أن القانون يجرم من يقول لشخص “يا ابن الراقصة”، ويعتبرها سبًا يستجوب العقاب.
وأوضح التقرير أنه تم استجلاب الراقصات من الخارج مع وصول عبد الفتاح السيسي للحكم، مثل الروسيات، إلى “استرقاص” الشعب في المشاهد الانتخابية منذ الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال عام 2013، ضد أول رئيس مدني منتخب.
وكشف التقرير كيف وجد السيسي ومن حوله في الرقص وظيفة لجذب واستقطاب المزيد من الملأ، تماما كما يفعل صانعو سينما الشباك بحشر مشاهد الرقص الخليع في أفلامهم؛ لضمان جذب الجمهور وزيادة الإيرادات، ومن ثم كان الرقص و”الاسترقاص” القاسم المشترك المرتبط بالحاكم في أكثر من مناسبة، خصوصًا فيما أطلق عليه انتخابات رئاسية، والتي جرت بشكل مسرحي هزيل، وصولا إلى الاستفتاء على “التعديات” الدستورية الأخيرة، التي يطلق عليها تعديلات، بحسب التقرير.
ورصد التقرير مشهد الانتخابات الرئاسية الأولى التي جرت عام 2014، وبينما كانت اللجان الانتخابية خاوية في الداخل إلا من الموظفين، بدا المشهد خارجها مزدحما بمشاهد الرقص والراقصات اللاتي ارتدت بعضهن علم مصر، ولم يبخلن على من يمر بتوزيع القبلات لاستمالة الناخبين للتصويت، الأمر الذي تكرر بالانتخابات الرئاسية العام الماضي، والتي لم تناسب الضجة الراقصة التي صاحبتها- كسابقتها- المنافس “الكومبارس المغمور” الذي اختير مرشحًا منافسًا في مواجهة السيسي لتكتمل الصورة.
وأوضح التقرير كيف اعتمد النظام على الرقص ركنا رئيسا “في زفات السيسي السياسية”، ما شجع إحدى فضائيات النظام قبل نحو ثلاثة أعوام لتنظيم مسابقة رقص تتنافس فيها المشاركات على اللقب.
ونقل عن عدد من المصريين أن مثل هذه المشاهد يعتبرونها عارًا وسبة ونيلًا من سمعة مصر والمصريين، مؤكدين أن الفضيلة هي الأصل، وأن هذا النوع من الرقص مشوه لصورتهم وسمعتهم، حتى لو استطاب الحاكم ومن حوله الاستعانة به دائما وفي غير مناسبة فسيبقى عرضًا عارضًا لن يدوم.
فضائيات ترقص بشكل آخر
وعلى الجانب الآخر، سلط تقرير مختلف الضوء على الرقص من جانب آخر، وهي الفضائيات التي تهلل ليل نهار للمشاركة في الاستفتاء، عن طريق الأغاني والتطبيل الذي يقوم به إعلاميو الانقلاب.
ونقل التقرير المنشور على موقع “عربي 21″، اجتماع عدد من القنوات الفضائية (الحياة – أو ن تي في– سي بي سي– دي إم سي) التابعة لشركة “إعلام المصريين”، المملوكة للمخابرات العامة، لوضع خطة إعلامية تعتمد على “الزحمة” لتغطية عملية الاستفتاء على تعديلات دستور السيسي.
وقال التقرير، إن إدارة القنوات اعتمدت ما بين 35 إلى 45 لجنة من بين آلاف اللجان على مستوى الجمهورية في عدد من المحافظات، لتغطية عملية الاستفتاء من خلال شبكة مراسليها، وتقرر اختيار اللجان بعناية؛ لإظهار حجم الإقبال والازدحام على شاشات القنوات الفضائية، وعلى صفحات المواقع الإلكترونية، والصحف اليومية، وبناء على الخطة تم توزيع الكاميرات والمراسلين على لجان بعينها في محافظات بعينها في مدن بعينها، تحظى بنسبة كثافة تصويتية عالية ومؤيدة للسيسي.
ونقل التقرير عن مدير عام قناة “مكملين”، أحمد الشناف، قوله “اعتاد النظام المصري على حشد الآلة الإعلامية بتنسيق مع الآلة الأمنية لتحديد لجان معينة يتم إجبار عمال المصانع أو موظفي الدولة أو المستفيدين من الجمعيات الخيرية فيها؛ حتى يبدو المشهد أمام الكاميرات والإعلاميين مزدحمًا، ومقنعًا للصحفيين، خاصة الصحفيين الأجانب ثم المشاهد بالتبعية”.
وأضاف “في المقابل، لا يسمح للصحفيين الأجانب أو المصريين بوسائل الإعلام المختلفة بالتحرك منفردين في أي لجان”، لافتا إلى أن “تحركاتهم مرصودة من الشرطة وموجهة إلى لجان بعينها؛ لتحقيق المشهد المزعوم للعرس الانتخابي، القائم على “اللقطة”.
وانتقد رئيس المرصد العربي لحرية الإعلام، الكاتب الصحفي قطب العربي، تغطية الإعلام من زاوية بعينها، قائلا: “كل شيء كان معدًا سلفًا بما في ذلك النتيجة التي ستعلن، الاستهتار بالعقول واضح من بداية العملية حتى نهايتها، ومحاولة تصوير لحظات التصويت وإبراز حضور وهمي كانت مرتبة في لجان بعينها”.
وأضاف: “في المقابل تم حرمان الإعلام الحر والمستقل من التغطية الحرة والأمينة، ويحرم من إبراز خواء غالبية اللجان التي تؤكد نجاح المقاطعة الشعبية الواسعة”، مشيرا إلى أن الموافقة على الصحفيين والمصورين المقبولين للتغطية كانت انتقائية من الهيئة الوطنية للصحافة، بدليل منعها لعدد كبير ممن طلبوا تصاريح مثل مندوبي جريدة المشهد، وهي صحيفة مصرية تصدر بشكل قانوني داخل مصر”.