حاجة العالمين إلى الصادق الأمين

في عالم يموج بالكذب والخيانة ويعج بالحقد والضغينة ، ويتطلع الي الصراعات القاتلة

والحروب الدائمة  …!!

 في عالم اصبح مثل الغابة ، القوي ياكل فيه الضغيف ، والحقير  يلتهم فيه الفقير ، والعميل يتهم فيه الشريف ..!!

في عالم يقدم المصالح الشخصية علي المصالح العامة ، ويتطلع الي الماديات البحتة فيما ينسف الاخلاقيات نسفا  ، حتي ابيدت قري باكملها علي قاطنيها  …!!

في عالم يأكل الحقوق ، ويزكي العقوق ، ويعمق الفروق …!!

في عالم يقهر العباد ويخرب البلاد ويمرر الفساد ويؤسس للاستبداد …!!

في عالم يرخص الدماء وينشر الاشلاء ويشجع الغلاء ويعارض وحي السماء …!!

في عالم فقد الانسانية وروج للعلمانية ونزع التعاليم السماوية واقر الشرائع الارضية …!! 

يأتي شهر ربيع الاول الذي يبشر بميلاد الحبيب صلي الله عليه وسلم  ، فكان موله مولد امة ، ، ومجيئه مجئ رحمة ، ومقدمه مقدم رسالة ،  ربطت الارض بالسماء ، واعادت المخلوق الي الخالق ، وقربت المرزوق من الرازق ،  وكشفت الغمة عن الخلق ، وازاحت الغبار عن البشرية …!!

جاء رسول الله صلي الله عليه وسلم  ” رحمة للعالمين ”  فدعا الي مكارم الاخلاق قائلا  : انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق  رواه احمد وحسنه الالباني  وامتدحه الله تعالي في قرآنه الكريم بالخلق العظيم   ” وانك لعلي خلق عظيم ”  ولقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن. ( احمد ومسلم ومالك )

 فلقد كان – بأبي هو وأمي –  قرآنا يمشي علي الارض. ،  اي انه تخلق باخلاق القران ، وتأدب باداب القرأن ، نزل عليه فامتثله وطبقه علي نفسه اولا ثم دعا الناس اليه … 

جاء للقلوب يطمئنها ، وللضمائر يطهرها ، وللنفوس يزكيها  ” لقد من الله علي المؤمنين اذ بعث فيعم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ” ال عمران

 بين النبي صلي الله عليه وسلم العلاقات المختلفة ووضحها حيث قال : اتق الله حيثما كنت واتبع الحسنة السيىة تمحها وخالق الناس بخلق حسن *

اي مع الله تتقيه ، ومع نفسك تتبع السيىة الحسنة فتمحها  ، ومع الناس تخالقهم بالخلق الحسن  …

هذه نصائحه للناس اذا ضاقت الارزاق وساءت الاخلاق وانتكس الناس في سفاسف الامور وبحثوا عن اراذلها وخاضوا في اسوأها  …!!

كان صلي الله عليه وسلم مع ربه العبد الطائع ، وكان مع غيره الامين الرائع ، وكان مع حاله الزاهد الجائع ، وكان مع جيرانه اهلا للكرم والجود ،  وكان مع اهله المحب الودود  ، قال : خيركم خيركم لاهله وانا خيركم لاهلي .. ،

وقال ان الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم “

ونهي عن الفحش من القول  فقال : ما من شئ اثقل في ميزان المؤمن بوم القيامة من حسن الخلق ، وان الله ليكره الفاحش البذئ. رواه الترمزي وكان يدعو فيقول : ” واهدني لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا انت  ، واصرف عني سيئها لايصرف عني سيئها الا انت “

كان صلي الله عليه وسلم اول من امتثل هذه الاخلاق الحميدة والاداب الرفيعة والقيم العالية ، وامرنا الله تعالي ان نتمثلها  بالاقتداء به   ” لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة …  ”  الاحزاب 

واهم ما يقيم المجتمع ويرفع الافراد عند الله ، خلق الصدق ، فهو من الاخلاق الرفيعة ، الصدق في النيات ، والصدق في الاقوال  ، والصدق في الاعمال ، وهو ما اتصف به صلي الله عليه وسلم قبل البعثة ، حيث وصفه اعداؤه بالصادق الامين ، لما لمسوه من عفته وامانته ، من صدقه وطهارته ، وهو القائل صلي الله عليه وسلم : عليكم بالصدق فان الصدق يهدي الي البر  ، وان البر يهدي الي الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحري الصدق حتي يكتب عند الله صديقا ، واياكم والكذب ، فن الكذب يهدي الي الفجور ، وان الفجور يهدي الي النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحري الكذب حتي يكتب عند الله كذابا ”  رواه مسلم والترمزي وابو داوود ).

ولقد ابتليت الامة بمجموعة من الكذابين الذين انحدروا الي النفاق ، فساعدوا في التخريب وادمنوا الفساد واذلوا العباد ”  اية المنافق ثلاث : اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا اؤتمن خان ” رواه البخاري ومسلم

ومن مواقف النبي صلي الله عليه وسلم في الصدق والامانة :

موقف التحكيم حينما اضطرت قريش لإعادة بناء الكعبة من جديد بعدما صدعت جدرانها…فلما وصل البناء إلى موضع الحجر الأسود أراد كل رئيس أن يتشرف بوضعه في مكانه، فوقع بينهم التنازع والخصام الذي كاد أن يتحول إلى حرب دامية في الحرم، إلا أن أبا المغيرة المخزومي تداركها بحِكمة، فاقترح عليهم أن يحكموا أول رجل يدخل عليهم من باب المسجد، فقبلوا ذلك، واتفقوا عليه، وكان من قدر الله أن من دخل بعد هذا القرار هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأوه هتفوا، وقالوا: هذا الأمين رضيناه، هذا محمد.

وقد كان من الناس الذين أعجبوا بعظم أمانته أمنا خديجة رضي الله عنها التي بعثت إليه، وعرضت عليه أن يخرج في مالها إلى الشام تاجرا مع غلام لها اسمه ميسرة، فقبل صلى الله عليه وسلم، واستطاع بأمانته  ومقدرته أن يتجر بأموالها تجارة أوفر ربحا مما فعل غيره من قبل.

صلى الله عليه وسلم.. كان هذا الأمين قبل البعثة

ولقد ابقي علي بن ابي طالب مكانه  – في قمة التضحية والفداء – ليلة الهجرة ليرد الوداىع الي اصحابها ، ومن اصحابها ، اولئك الذين اذوه وطردوه …!!  فكان امينا  حتي مع قومه الذين ناصبوه العداء …

 وهو القائل : أد الامانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك ..!!

لذلك العالم الان في حاجة الي الصادق الامين حاجة الظمآن الماء والجوعان الي الطعام والحيران الي الدليل والعميان الي البصر والبصيرة ..!!

واذا كان الصادق الامين قد رحل الي الرفيق الاعلي فقد بقيت سنته ، وظلت رسالته  واستمرت دعوته ، من اخذ بها اخذ بحظ وافر   ” لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله كثيرا ” الاحزاب

عاش صلي الله عليه وسلم صادقا مع ربه وصادقا مع قومه وصادقا مع نفسه ، عاش صادقا في قوله  ، وصادقا في عمله ، وصادقا في نيته ، وصادقا في مبدأه  ، فلم يبدل ولم يغير ، ولم يصل الي ما وصل اليه هو واصحابه بالمكر او الخداع او الحيلة او الكذب ، كانت حياته كلها صدق ووضوح ، مع اعدائه قبل اقربائه ، ومع قومه قبل اهله ، ومع نفسه قبل غيره …!!

فلا عجب ان يلقبه اعدائه قبل اصدقائه

بالصادق الامين …!!

اللهم فرحنا بلقاىه واسقنا من حوضه واحشرنا مع اوليائه …

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...