إخوتنا الذين فى السجون

ستون أو سبعون ألفًا من أكارم المصريين خلف القضبان، لا لشىء إلا أن يقولوا ربنا الله، وقد مُنعوا المحاكمات العادلة وحقوق الإنسان، وسُلِّط عليهم أراذل الخلق يسومونهم سوء العذاب، وقد مر على بعضهم ما يزيد على الخمس سنوات وهم فى زنازين انفرادية، ومنهم الوزراء والعلماء وذوو المكانة والشأن.

وهؤلاء الأفاضل وقعوا فى أسر من لا يرقب فى مؤمن إلاًّ ولا ذمة، غرضهم إفناؤهم والتخلص منهم لوقوفهم عقبة فى طريق فسادهم، فاستنوا لأعداد منهم الإعدام، ولآخرين المؤبد، ومنهم الزمنى والشيوخ، واستخدموا سجانيهم لقتل أعداد أخرى بالموت البطىء، بحرمانهم من العلاج أو بعدم إسعافهم عند الطوارئ، ظانين -خيبهم الله- أنهم يقضون عليهم وعلى دعوتهم الخالدة، ولا يدرون أن هؤلاء هم جذور الدعوة، ومصانع رجالها، الأشد وطئًا، الأقوم قيلًا، ولو نجح الأقزام فيما يصنعون لنجح فرعون الأمة فى التخلص من موسى ومن معه؛ فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

خمس سنوات وهم يحتملون شدائد السجان ورعونته وموت ضميره، وهم يحتملون ضغوط النفس والشيطان، ويعانون ظروف السجن، وطول الأمد ورغم ذلك فإنهم صامدون، ثابتون على الحق، ما ضرهم من ضل، أو اختل أو انزلق، يراهنون كما راهن يوسف ومحمد -عليهما السلام- على الخروج من ظلمات الجبارين إلى فضاء الخالق العظيم، ومن ضيق الزنازين إلى رحاب أرض الله الواسعة التى أورثها عباده الصالحين (إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف: 90]؛ فلهؤلاء وأمثالهم أوكل الله مهام الدعوات وما يواجهها من خطوب وعقبات؛ فهم فى رباط حتى يأتى الله بأمره، والله لا يهدى القوم الفاسقين.

إننا نكتب عنهم للتذكير بهم، والسعى لفك قيودهم، وكف أذى المجرمين عنهم، فى ظل واقع فُرض علينا، وقدر كتبه الله فلا مفر منه، فلنفعل كما فعل يوسف -عليه السلام-؛ فليس شرف الداعية فى مهادنة خصم الدعوة وإتاوته على حساب دينه وكرامته، بل القبول بالسجن حتى يعلنوا براءته، وحتى يردوا إليه شرفه، وهو فى كل أحواله داعية الله الذى لا يفتر عن الطاعة والذكر، والبلاغ، والتعرف إلى من يلقاه؛ سيان عنده أن يكون فى زنزانة لا يدخلها هواء، أو فى قصر يطل على الماء.

إننا لا نخاف على هؤلاء الأساتذة والشيوخ الأعزاء، إنما الخوف على من بالخارج؛ فالذين فى السجون يأخذون -إن شاء الله- أجر الدفاع عن الأمة؛ فهم فى طاعة حتى يأذن الله لهم بالخروج، وهم يتعلمون ويتفقهون، ويتدارسون ويضعون أيديهم على مواطن الداء فى الأمة المهيضة، ما لم يجدوا له وقتًا وهم خارج الزنزانة، وفى سجنهم دروس عملية بليغة فى العقيدة بفروعها العديدة، وهو ما يغيب عن الأحرار الذين جرفتهم الدنيا وشغلتهم أحداث مصر الحزينة وأخواتها العربيات. أقول هذا لأنى صاحبت أساتذة وشيوخًا قد عانوا ما يعانى إخوانهم الآن، لكنهم كانوا فتح الله المبين لما خرجوا فى بداية السبعينيات؛ إذ أشعلوا الصحوة فى ربوع المحروسة، بل فى ربوع العالمين: العربى والإسلامى، وكانوا ذخيرة الدعوة حتى الساعة، ولولاهم ما كانت الجماعات الإسلامية ولا كان الوعى الذى غطى نوره الحواضر والدساكر.

لا أشك أن هؤلاء الميامين سيخرجون يومًا –قريبًا إن شاء الله- وستسمع الدنيا لهم؛ فإن الذى فضّل السجن على الوزارة انحيازًا للحق وحرصًا على دعوته من أن تُتهم بتفريط أو طمع –هو ممن وعدهم الله بفضل منه، وألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ولا تدرى: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا؛ فإن الظالم الفاسد يريد شيئًا والله يريد شيئًا آخر. هم فقط يحتاجون -بالفعل- ثبات من بالخارج؛ بناء على توصية كنا نسمعها كثيرًا ممن قبعوا فى سجون مبارك؛ كانوا يقولون لذويهم: (لا تنشغلوا بنا كثيرًا، انشغلوا فقط بأنفسكم ودعوتكم)..
من أجل ذلك نود أن ينال هؤلاء الكرام الاهتمام؛ بدعوة بالتثبيت، والحفظ، وأن يكف الله أذى المجرمين عنهم، وأن يخلف على ذويهم خيرًا. على أن يكون الصبر ديننا وديدننا، وألا نعجل فإن الله لا يعجل بعجلة أحدنا، وقد عاتب ذا النون إذ ذهب مغاضبًا لتأخر قومه فى الاستجابة له، فعاقبه كما علمنا فحبسه خلف ظلمات ثلاث. نسأل الله العافية.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...