تفجير الشيخ زويد.. تمرير صفقة القرن أم تمرير التعديلات؟

حينما ترى قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي وهو في زيارة لواشنطن من أجل مقابلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للمقايضة على تمرير صفقة القرن مقابل تعديل الدستور، وحالة الهوس الأمني في مصر لإجبار الغلابة على تسليم بطاقاتهم الشخصية ومقايضتهم للمشاركة في التعديلات الدستورية مقابل تسيير مصالحهم، ثم حالة الهوس الإعلامي في الحديث عن أهمية هذه التعديلات، رغم أنها لا تنص إلا على بقاء السيسي في الحكم حتى عام 2034 وتوسيع صلاحياته، تعرف أن نظام الانقلاب على استعداد لفعل أي شيء من أجل البقاء في الحكم، وتكتشف مدى رعبه من ثورة تقتلعه أو انقلاب يطيح به من السلطة.

منذ ست سنوات كاملة أكدت “الحرية والعدالة”، في تقارير عديدة، أن السيسي لن يترك الحكم؛ لأن القاعدة تقول إن من يغتصب الحكم بالسلاح وظهور الدبابات لا يتركه إلا مقتولًا، إما بثورة شعبية عارمة أو انقلاب من أقرب الموالين له.

ومنذ ثلاث سنوات، نشرت “الحرية والعدالة” أيضًا تقريرًا حول حوار افتراضي بين قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وذراعه عباس كامل، يتحدثان عن مرور فترة رئاسته الأولى بشكل سريع، وكيف يقنع “عباس” السيسي ويتلاعب على شبقه في السلطة، بأن الفترة القادمة لن تكفي لكي يقدم السيسي إنجازاته وأحلامه للشعب المصري، ومن ثم يجب تعديل الدستور من أجل الحصول على الوقت الكافي لإتمام إنجازاته التي خرّب بها اقتصاد البلاد والعباد.

وفي الحوار الافتراضي تخيلت “الحرية والعدالة” نص الحديث بين الجانبين، حينما اقترح عباس على السيسي في رده على سؤاله حول كيفية إقناع الشعب بتعديل الدستور من أجل البقاء في الحكم، بأن الحاجة هي فن الإقناع، بما يعني أن إفقار الناس والحديث عن مشروعات وهمية يجب استكمالها ونشر الفوضى، يجبر الناس على ثقافة الحاجة في استمرار هذه الفاشية المخادعة من أجل استعادة الأمن.

واعتمد السيسي منذ أول يوم على التفجيرات التي يتم إلصاقها بالمعارضة تارة، ويقوم بها بعض المتطرفين تارة أخرى، لترويج الإرهاب المزعوم، واستغلاله دائما في نشر ثقافة الرعب من انتشار الفوضى، ومقايضة الناس على أمنهم وحياتهم مقابل دعم نظام الانقلاب.

سياق ملتهب

ولعلّ ما أكدته التجارب، يتسق مع التقرير الذي نشرته صحيفة “العربي الجديد”، اليوم الأربعاء، في التعليق على حادث أمس الثلاثاء، في تفجير انتحاري تبناه تنظيم “داعش” في سوق مركزية، وسط مدينة الشيخ زويد في محافظة شمال سيناء، موديًا بحياة العديد من الأشخاص، في الوقت الذي يتصاعد فيه الحديث عن تهجير ما تبقّى من سكان في مدينتي رفح والشيخ زويد، في سياق تطبيق “صفقة القرن”.

التفجير الانتحاري أدى إلى مقتل وإصابة 15 شخصا، بينهم عسكريون، فيما سادت حالة من الهلع والخوف في صفوف المواطنين وسكان المدينة، خصوصًا أن التفجير جاء بعد فترة هدوء عاشتها المدينة خلال الأشهر الماضية، بعدم وقوع أي تفجير أو استهداف داخل مركز المدينة، بل كانت الهجمات تتركز على أطرافها والقرى البعيدة عنها.

كما يأتي التفجير بعد أيام من الإعلان عن فتح باب التنسيق أمام المواطنين للعودة إلى المدينة مع أثاثهم الذي اضطروا لنقله معهم خلال مغادرتهم في الأشهر الماضية، بسبب تواصل المواجهات والعمليات العسكرية، فيما بدأ بعض المواطنين في العودة إلى منازلهم أو أراضيهم التي قرروا بناء مأوى فيها، بدلا من البقاء خارجها”، ما يعني أن الهدف هو منع عودة المواطنين إلى بيوتهم، وهو هدف يحقق المصالح الإسرائيلية بامتياز.

ويأتي التفجير ثالثا، بعد يوم من شن طائرات حربية مجهولة غارات مكثفة على مناطق جنوب مدينة الشيخ زويد. فقد قامت “طائرات حربية يُعتقد أنها إسرائيلية، بشن غارات على قرى ومناطق زراعية عدة في جنوب مدينة الشيخ زويد، من دون الإبلاغ عن وقوع إصابات”، و”القصف الجوي تركز في مناطق ينوي الجيش شنّ حملات عسكرية عليها خلال الساعات المقبلة، ضمن مخطط السيطرة على المناطق التي يوجد فيها تنظيم ولاية سيناء”. ولا تزال مصادر إسرائيلية تسرب معلومات عن التوجه لتوسيع قطاع غزة على حساب أراضٍ مصرية في سيناء، وإقامة دولة فلسطينية في تلك المنطقة.

فشل العملية الشاملة

وتأتي هذه التطورات الميدانية مع بدء العام الثاني للعملية العسكرية الشاملة التي بدأها الجيش المصري، في 9 فبراير من العام الماضي، وخسر منذ بدايتها عشرات العسكريين، بينهم ضباط برتب رفيعة، بالإضافة إلى مقتل عشرات المدنيين، وتجريف منازل وأراض زراعية في كافة مناطق سيناء.

التفجير لقي إدانة واسعة من جميع الأطياف السيناوية في إطار تحريم الدم المصري، سواء كان من المدنيين أو العسكريين، وإدانة القاتل واجبة سواء كان عسكريًّا أو شرطيًّا أو مسلحًا أيًّا كان انتماؤه، ذلك أن القتل جريمة تؤبّد صاحبها في النار وفق نصوص القرآن.

لكنّ الحادث الذي وقع أمس يفتح أبواب التساؤلات حول جدوى العملية العسكرية الشاملة التي يشنها الجيش منذ أكثر من عام، فالإرهاب المحتمل الذي طالب السيسي بتفويضه لمواجهته لتبرير جريمة انقلابه على المسار الديمقراطي والرئيس المنتخب، بات عصيًّا على الكسر أمام الجيش المصري بكل ما يملك من قدرات وسلاح وإمكانات، وهو أمر يثير كثيرًا من الشكوك والألغاز حول هذا الوضع الشائك، أو الذي يراد له الاستمرار لتحقيق أهداف سياسية من بقائه.

في كل الأحوال، فإن هذه المواجهات المسلحة والتفجيرات بين المسلحين من أنصار السيسي والمسلحين من أنصار داعش لا يدفع ثمنها سوى أهالي سيناء، الذين تحولت حياتهم إلى جحيم، كأن النظام يريد أن يدفعهم دفعًا نحو الهجرة والترحيل القسري بحجة ضمان أمنهم وسلامتهم، وهو بالطبع هدف إسرائيلي لا تخفى دلالته.

من جانبه، ينقل التقرير عن إبراهيم المنيعي، أحد شيوخ سيناء، أن “حادثة تفجير السوق تعيدنا بالذاكرة إلى مجزرة مسجد الروضة التي وقعت في نوفمبر/ 2017، مع فارق الخسائر البشرية والمادية في كلا الحادثتين، إلا أن المتسبب في وقوعهما ما زال حرا طليقا حتى هذه اللحظة”.

ودعا المنيعي إلى “العمل نحو حل الأزمة الراهنة في سيناء من جذورها، من خلال إنهاء تداعيات المواجهات العسكرية، بإعادة المواطنين المهجرين إلى أماكن سكنهم كخطوة أولى، والإفراج عن المئات من أبناء سيناء الذين زجوا في السجون من دون توجيه أي تهمة واضحة أو محاكمة، عدا عن عشرات المختفين قسريًّا منذ سنوات.

بالإضافة إلى إشراك كل شرائح المجتمع السيناوي في الحلّ بما يضمن الخروج بمبادرة ذات قيمة، تسمح بالتغلب على كل الأزمات التي أوجدتها المواجهات المستمرة مع (ولاية سيناء) منذ عام 2013، من دون وجود أي بوادر لانتهائها، على الرغم من كل الحشد العسكري الذي أوجد في سيناء من أجل القضاء على تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...