حادثة نيوزلندا التى ارتقى فيها خمسون مسلمًا وأصيب مثلهم على يد صليبى حاقد -لن تكون الأخيرة فى سجل الإجرام الغربى ضد المسلمين؛ هذا إن لم يأت الله بحكومات وأنظمة عربية وإسلامية غيورة على دينها؛ ترعى المسلمين، وتحفظ دماءهم، وتقف بالمرصاد لمن يتعرض لهم بالأذى. أقول هذا لأن الإرهاب الغربى ضد المسلمين قديم متجذر، وهو إرهاب دينى طفحت به كتبهم المحرفة وليس كما يدعى البعض أن الإرهاب ليس دين له.
لقد قُدِّر للعبد لله أن ينشر كتابًا عام 2008 بعنوان «أقوال وتصريحات قادة الغرب ضد الإسلام». فهالنى هذا الكم من الحقد الغربى على الإسلام والمسلمين، وأدركت لماذا يخططون لإبادة الإسلام، بشتى الطرق، ويقفون بالمرصاد لمن ينادى بوحدة المسلمين أو الحكم بشريعة الله، كما أدركت أن قادة الدول الغربية ورؤساء كنائسها هم الذين يقومون بهذا الدور القذر، وهو دور -فى الحقيقة- ليس موجهًا ضد الإسلام وحده، بقدر ما يحرم شعوبهم من التعرف على الدين الخاتم، والخروج من التيه الذى تعيشه هذه الشعوب.
إن قراءة سريعة لمشاهد الحادثة تلخص فكرة العداء المستحكم من الصليبيين الجدد ضد المسلمين، فالمجرم اختار دار عبادة لينفذ فيها جريمته، ما يؤكد التصاق فكرة الإرهاب بالدين الذى يعتنقه ويأمره بقتل العبَّاد المسالمين بمن فيهم الشيوخ والأطفال والنساء، وهى فكرة لم يقل بها أى دين سماوى صحيح. ويتباهى بما فعل فينشر «الفيديوهات» على صفحته ولم تُحذف كما يحدث مع ملايين المسلمين الذين يشيرون -مجرد إشارة- إلى ما يفعله الصهاينة مع المسلمين على أرض فلسطين. والرشاش الذى استخدمه فى الحادث عليه أرشيف بانتصارات الصليبيين على المسلمين. ولم يخف القاتل سبب القتل؛ إذ يرى أن المسلمين يتكاثرون أضعاف الغربيين وهو ما يمثل خطرًا على وجودهم وحقهم فى الحياة-حسب زعمه.
لا يمكن للغرب أن يعيش من دون عدو، هذه هى جبلَّتهم، التى لا يستحيون من إعلانها؛ كالمفترسات يجرى فى دمائها سلوك الفتك وخنق الفريسة. صرحت بهذا تاتشر، قالت: «لا تستطيع فكرة أن تعيش بدون عدو يواجهها، ونحن -دول الغرب- من أجل ديمومة بقائنا لا بد لنا من عدو. الاتحاد السوفييتى سقط ولم يعد عدونا، لا بد من البحث عن عدو جديد.. هذا هو الإسلام).
لم يأت المجرم بجديد إذًا، فمنذ متى كفوا أذاهم عنا؟ وصدق الله: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ..) [البقرة: 120]. إنهم -جيلاً من بعد جيل- يتواصون بقتل المسلمين، لا يفرقون بين رجل وامرأة، وشيخ وشاب، وما خلا أحدهم بمسلم إلا همَّ بقتله، والفضل فى ذلك كما قلت يرجع لقادتهم الذين لم يترددوا فى إعلان هذه العداوة، وما تخفى صدورهم أكبر، قديمًا وحديثًا؛ فلويس التاسع -قائد الحروب الصليبية الأولى الذى سُجن فى أحد سجون المنصورة ثم أُطلق سراحه، يقول: «إن التغلب على المسلمين بقوة السلاح وحده أمر غير ممكن، وإن على أوروبا إذا أرادت التغلب على المسلمين أن تحاربهم من داخل أنفسهم، وأن تقتلع العقيدة الإسلامية من قلوبهم؛ فهذا هو الطريق..»، وبوش (الابن) يصرح فى 20 أكتوبر 2006: «إنهم يسعون –أى: المسلمون- إلى إقامة دولتهم الفاضلة، دول الخلافة الإسلامية؛ حيث يُحكَم الجميع من خلال هذه الأيدلوجية البغيضة، ويشتمل نظام الخلافة على جميع الأراضى الإسلامية الحالية.. هؤلاء الأصوليون يريدون إقامة دولة الخلافة كدولة حكم، ويريدون نشر عقيدتهم من إندونيسيا إلى إسبانيا».
وإن ردود الفعل الغربية، تؤكد ضلوعهم جميعًا فى هذه الجريمة؛ بالمساندة أو التحريض؛ إذ حتى الآن لم نسمع عن تظاهرة رسمية ضد العنف مثلما جرى بعد مقتل اثنى عشر أوروبيًا فى حادثة (شارلى إبدو) مع العلم أن القاتل أزهق هؤلاء الضحايا لأنهم سخروا من نبيه ونشروا ذلك على الملايين -وإن كنا لا نبرر ما فعل- أما مجرم (نيوزلندا) فقد أجهز على أبرياء لم يبادروه بعداوة، بل العكس فقد ورد أن أحدهم -وهو شيخ طاعن- استقبله بالترحاب مرددًا (أهلا أخى) ولم يكن يدرى أن رصاصات الغدر سوف تخرج من مسدس هذا (الأخ!!) لتنهى حياته ردًّا على تحيته بالسلام. كما لم نسمع أن كنيسة واحدة -محلية أو دولية- استنكرت ما جرى كما تفعل حال وقوع ضحية واحدة غربية فيما يعرف بحوادث الإرهاب، بل التزم الجميع الصمت، وألزموا حكامنا «الأوشاس» بأن يحذوا حذوهم، وقد فعلوا.
وإذا كنا نلتمس بعض العذر لشعوب الغرب، المغرر بها إعلاميًا وسياسيًّا، المغيبة عن الواقع، المنشغلة بمتع الدنيا وهمومها -فإنا لا نشك لحظة فى أن القاتل الحقيقى هم من ذكرتهم: زعماء أوروبا، ومن قبلهم قادة كنائسها الذين يتمسحون بالمسيح وهو منهم براء.
وهكذا ليس أمام المسلمين، عامتهم وخاصتهم، سوى إعادة قراءة التاريخ؛ لأخذ العبرة، وأن يربوا أبناءهم على الإسلام، وإحياء معانى الأخوة فى نفوس المسلمين، والتوعية بقضاياهم، واغتنام السبل والوسائل المتنوعة لفتح حوار مع قطاعات الشعوب الغربية المغيبة، وتوصيل رسالة الإسلام الصحيح إليها، والدفاع عن الإسلام ونبيه وشريعته بكل ما نملك أمام حملات الإعلام الغربى المدعوم صهيونيًّا لبث سمومه ضد الإسلام والمسلمين، ولا نترك الدعاء والقنوت على من بغوا علينا، وانتهكوا حرماتنا وجاوزوا فى بغيهم حدود الإنسانية.