“الساعات الأخيرة”.. 4 ملاحظات تفضح غدر العسكر بدعوى “الخداع الإستراتيجي”

الفيلم الاستقصائي”الساعات الأخيرة” الذي بثته قناة الجزيرة مساء أمس الأحد 24 فبراير 2019م، لم يأت بجديد على مستوى المعلومات لكنه سلط الضوء على حجم الغدر والخسة والخيانة التي تمتع بها جنرالات المجلس العسكري، فقد سلط الضوء على تدخل الجيش في الأزمة السياسية التي دبرها جنرالاته وأشعلوها عبر تأسيس حركة “تمرد” التي صنعت في دهاليز الغرف المغلقة بالمخابرات الحربية، وبتحريض القوى العلمانية على التمرد والتعالي على الحوار مع الرئيس المنتخب طمعا في الإطاحة بالرئيس وتياره وظنا منهم أن ذلك كفيل بسيطرتهم على الحكم بعد انقلاب الجيش، وكذلك باستخدام أحط الصفات من غدر وخسة وندالة وخيانة تحت لافتة “الخداع الإستراتيجي”.

ويتوجب القول أن فهم حقيقة ما جرى بصورة كاملة من مختلف الزوايا والأبعاد لا يزال يحتاج إلى شهادات الفاعلين في الأحداث، وعلى رأسهم شهادة الرئيس مرسي نفسه والتي لم توثق لاعتبارات تتعلق باختطافه مباشرة وإيداعه السجون بتهم مفبركة ومنع التواصل معه منذ الانقلاب؛ إضاف إلى ذلك فإن القارئ لا يستطيع أن يكِّون صورة شبه مكتملة للأحداث إلا بضم شهادة الكاتب الصحفي الأمريكي “ديفيد كير كيباتريك” مدير مكتب نيويورك تايمز بالقاهرة خلال هذه الفترة، إلى باقي الشهادات ممن عاينوا كواليس الانقلاب؛ “كيباتريك” وثق شهادته في كتابه “بين أيدي العسكر.. كيف فشلت الديمقراطية في مصر” (INTO THE HANDS OF THE SOLDIERS) والذي صدر في أغسطس 2018م.

والذي وثق فيه تفاصيل مثيرة للغاية عن الانقلاب وسلط الضوء على الدور الأمريكي القذر الذي رعى الانقلاب عبر تكاتف مؤسسات أمريكية (الخارجية، البنتاجون، سي آي إي) للإطاحة بالرئيس المنتخب والمسار الديمقراطي من أجل ضمان المصالح الأمريكية والإسرائيلية وبتحريض واسع من عواصم خليجية مثل الرياض وأبو ظبي. وأسهم في نجاح الانقلاب كراهية هذه المؤسسات للإسلاميين ومخاوفهم من تهديد المصالح الأمريكية الإسرائلية إذا استمر الإسلاميون في الحكم.

غدر العسكر

وبالعودة إلى فيلم “الساعات الأخيرة” فإن الملاحظة الأكثر بروزا هي غدر قيادات الجيش وخيانتهم للرئيس تحت لافتة “الخداع الإستراتيجي”؛ وهي السمة البارزة في الفيلم والتي تجلت بوضوح من خلال تصريحات خالد القزاز مستشار الرئيس مرسي وكذلك من خلال الوقائع التي جرت وعاينها الجميع. فمواقف قيادة الجيش في الأيام العشرة الأخيرة من حكم مرسي كانت تتعمد أن تكون “حمالة لكل الأوجه”، وعندما يستفسر الرئيس عن موقف ما يستشكله تقوم هذه القيادة ممثلة في وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي بالمراوغة وتقديم التبريرات. في الوقت الذي كانت تتواصل فيه مع الأمريكان والخليج وتلقت مليارات لتنفيذ الجريمة ولذلك صنعت حركة تمرد وحرضت القوى العلمانية على التعالي على الرئيس حيث كان هؤلاء بحسب كتاب كيباتريك يدركون أن مؤسسات الدولة تدعمم الانقلاب على الرئيس والمسار.

ولذلك فإن بطحة الغدر والخيانة كانت ولا تزال تلح على السيسي باستمرار ولذلك كثيرا ما كان ينفي سمات الغدر والخيانة والندالة عنه وعن باقي الجنرالات الخونة.

إنسان بين الثعالب

الملاحظة الثانية أن الرئيس مرسي بدا في الفيلم رئيسا إنسانا يحمل هموم وطنه بين ثعالب ماكرة هي وزير الدفاع السيسي وجنرالات المجلس العسكري الذي يشكلون رأس الدولة العميقة التي عملت على إفشال الرئيس وتأزيم الموقف، وبينما كان مرسي حريصا على وحدة بلاده والحيلولة دون وصول الأمر إلى مراحل الصدام كان هؤلاء ينسقون مع الأمريكان حسب اعترافات السيسي نفسه بأنه كان يتواصل مع وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل بالساعات وكذلك آن باترسون السفيرة الأمريكية بالقاهر وقت الأحداث.

الكاتب الصحفي ومدير قناة الجزيرة السابق ياسر أبو هلالة، وصف الفيلم بأنه “يكشف بعضا من أسوأ صفحات التاريخ العربي المعاصر. كم بدا مرسي طيبا ونظيفا وسط مستنقع آسن في قراره مجرم وضيع مخادع! وفي العمل عزاء أننا انتصرنا في الرواية والتأريخ والتوثيق وهم عاجزون عن تقديم رواية مثله”.

علمانيون ضد الديقمراطية

الملاحظة الثالثة، هي الدور القذر الذي مارسته القوى العلمانية بتحريض الجيش على الانقلاب على الرئيس المنتخب والمسار الديمقراطي، وقد سلط الفيلم على دور الدكتور محمد البرادعي في إقناع البعثات الأجنبية والسفارات الغربية بضرورة الانقلاب على مرسي، حيث كان منزل البرادعي مزارا للسفراء الأجانب، وقاد ما تسمى بجبهة الإنقاذ التي ضمت بحسب “كيباتريك” منذ بدايتها، بعض أبرز وجوه نظام حسني مبارك، وأنها هاجمت القصر الجمهوري، وهي تعلم أن الشرطة لا تحمي الرئيس، كما عرف بعض أعضائها بعلاقاتهم الوثيقة بالمخابرات، وأن دبلوماسيين غربيين اشتكوا للبرادعي دائما من أن مرسي رفض تقديم أي تنازلاتٍ كبرى. وهو ما يعني أن الانقلاب تم لأن الرئيس رفض تقديم تنازلات للغرب والقوى الإمبريالية.

لماذا انقلبوا على مرسي؟

الملاحظة الرابعة، أن الفيلم تجاهل أسباب الانقلاب على الرئيس مرسي؛ ربما لتركيزه على الأحداث وتوثيقها من بعض من عاينوها وكانوا شهودا عليها، لكن الإجابة على هذا السؤال تحل كثيرا من الألغاز التي تستعصى على الفهم والإدراك عند البعض ممن لا يزالون يكابرون ولا يذعنون للحق بعدما تبين.

يجيب السيسي بكل صراحة ووضوح على هذا السؤال، فقد اعترف في حوار مع “واشنطن بوست” في 3 أغسطس 2013 حيث قال: “لو كان الانقلاب علي مرسي بسبب فشله لصبرنا عليه لانتهاء مدته ولكنه أراد إحياء المشروع الإسلامي وإعادة الخلافة الإسلامية”. أيضا قال السيسي لوكالة “أسوشيتد برس” في 20 / 9 / 2014: “تحركت لأحمي المصريين من خطر الإسلام السياسي”.

وهو ما أكده نبيل فهمي، وزير الخارجية السابق، حين قال لمجلة “دير شبيجل” في 5 / 8 / 2013: “مرسي أراد تأسيس نظام إسلامي ولم نكن لنسمح له بذلك فاتفقنا مع الجيش”. وكان نتنياهو قال في تصريحات صحفية إن “إسرائيل” أسهمت بمليارات الدولارات في انقلاب مصر؛ لأن تحالف مرسي مع تركيا الإسلامية كان ينذر بزوال “إسرائيل”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...