خفايا الدور الأمريكي في الانقلاب.. تفاصيل “الاتصالات السرية” بين السيسي وتشاك هيجل

لا تزال الأسرار والخفايا تظهر شيئًا فشيئًا حول تفاصيل المؤامرة الكبرى على مصر وثورة 25 يناير 2011م، وكيف تكاملت خيوط المؤامرة برعاية أمريكية وتحريض إسرائيلي وتمويل خليجي وتنفيذ عسكري عبر استعمال القوى العلمانية كواجهة مدنية لأبشع انقلاب عسكري شهدته مصر في تاريخها الحديث والمعاصر.

وكان آخر هذه الخفايا ما كشفت عنه السفيرة الأمريكية السابقة “آن باترسون” الخميس الماضي حول علم الإدارة الأمريكية بتحركات الجيش ودول الخلج للانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر.

وفي ظل إصرار النظام على تمرير ترقيعات الدستور قالت باترسون: إن الجيش هو من أطاح بالرئيس محمد مرسي، وإنه يمكن أن ينقلب مستقبلاً على زعيم الجنرال عبدالفتاح السيسي، وهو ما اعتبره البعض تحذيرًا للسيسي، وقلل البعض من هذه التصريحات باعتبارها صادرة من مسئولة سابقة وليس حالية بالإدارة الأمريكية.

ومن المفارقات أن السيسي (الذي قاد انقلابا دمويا على المسار الديمقراطي في مصر) عاش في الولايات المتحدة سابقا؛ حيث تلقى السيسي تدريبا في معسكر فورت بينيت في ولاية جورجيا الأمريكية عام 1981 كما قضى عاما دراسيا في 2006 في كلية الحرب في بنسيلفينيا، ولغته الإنجليزية جيدة تمكنه من الحديث مع المسئولين الأمريكيين بدون مترجم.

ويمكن اعتبار الغداء الذي جمع بين عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع وقته والجنرال تشاك هيغل وزير الدفاع الأمريكي في 24 أبريل 2013م خلال زيارة الأخير لمصر هي بداية تولي البنتاجون الأمريكي تنفيذ مؤامرة الانقلاب على الأرض، بعد أن فشل وزير الخارجية جون كيري خلال زيارته للقاهرة في مارس 2013 في تطويع الرئيس مرسي وتجاوله مع الوصاية الأمريكية على الحكم في مصر.

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قد وثقت بعض تفاصيل وخفايا هذا الغداء والاتصالات السرية التي جرت بين السيسي وهيغل في تقرير لها في 11 يوليو 2013م في أعقاب الانقلاب مباشرة.

التقرير سلط الضوء على أن العلاقة بين السيسي وهيغل أصبحت أساس الاتصالات بين الولايات المتحدة ومصر في الفترة التي سبقت وأعقبت انقلاب 03 يوليو.

وحول تقرير “وول ستريت جورنال” والتحليل الذي نشره الباحث “شادي حميد” في مجلة “بوليتيكو” الأمريكية في يناير 2014م يمكن رصد الحقائق الآتية حول خفايا الدور الأمريكي في الانقلاب العسكري على الديمقراطية في مصر:

أولا: نقلت “وول ستريت جورنال” عن مسئول أمريكي بارز أن “صناع السياسات الأمريكيين يعتبرون أن (السيسي) بمثابة (نقطة الارتكاز) في مصر، ما يجعل قناة الاتصال بينه وبين (هيغل) الأكثر أهمية”، وأن «علاقة (السيسي) و(هيجل) تعود لأكثر من 30 عامًا، حينما كانا يشتركان في دورة تدريبية في المشاة الأمريكية، في جورجيا، عام 1981، وعلاقتهما بدت (واعدة) في 24 أبريل الماضي(2013)، حينما تناولا الغداء سويًا لمدة ساعتين في القاهرة، أثناء زيارة هاجل الأخيرة”.

وقالت الصحيفة إن “وزير الدفاع الأمريكي أكد لمساعديه، بعد عودته للولايات المتحدة، أنه يجب على واشنطن العمل مع (السيسي) بشكل وثيق”، وقال مسئول أمريكي آخر: إن “السيسي، مثل هاجل، مباشر جدًا، وهو أمر مألوف بالنسبة للأمريكيين، ويسهل من التعامل معه».

ثانيا: ووفقًا لأحد المسؤولين الأمريكيين، فإن «المكالمات التى تمت بين الجنرالين، في الأيام التي سبقت الانقلاب على مرسي، أظهرت حدود نفوذ الولايات المتحدة على الجيش المصري، ورغم أن إدارة أوباما قامت بنشر 15 مكالمة بين السيسي وهيغل تتضمن اعتراضا مخففا من جانب واشنطن على الانقلاب إلا أنها أخفت 15 مكالمة أخرى بكل تأكيد تتضمن معلومات على الأرجح تكشف خفايا الدور الأمريكي في الانقلاب.

وفي مقال بمجلة “بوليتيكو” الأمريكية في يناير 2014 ينتقد الباحث شادي حميد سلوك الإدارة الأمريكية تجاه الوضع في مصر، ويصف الباحث السياسة الأمريكية تجاه مصر بـ”الانفصال التام عن الواقع على الأرض”، حيث يتساءل عن مدى تأثير هذه المكالمات الهاتفية على سلوك النظام المصري بعد الانقلاب، فقد وقعت أربع مجازر وتم اعتقال ما يقرب من عشرة آلاف مواطن، وتم تجريم المظاهرات المناهضة للنظام. وقد امتد التصعيد ليشمل النشطاء العلمانيين أيضاـ حيث تم الحكم على ثلاثة منهم بالسجن لمدة ثلاثة أعوام. ويضيف الكاتب”فما الفائدة إذا من تلك المكالمات؟”مؤكدا أن التعاون الأمنى بين مصر والولايات المتحدة له أهمية كبيرة، ولكن ذلك لا يستوجب 30 مكالمة هاتفية؛ منها 10 تمت في الأسبوع الذي أعقب الانقلاب. “فماذا يحدث بالضبط؟!” يتساءل الباحث.

ثالثا: ووفقًا لأحد المسئولين الأمريكيين البارزين، فإن «المكالمات الهاتفية الثلاث الأولى، في أعقاب الانقلاب بين الوزيرين، كانت مكالمتين، دامت إحداهما لأكثر من ساعتين، ركزت على الحكومة الانتقالية، وعلى ضرورة الإفراج عن بعض قادة الإخوان المسلمين الذين تم اعتقالهم، حيث كانت الرسالة التي وجهها لـ(السيسي): (عليك أن تكون شاملاً سياسياً)»، بحسب الصحيفة. وأضافت الصحيفة أن «السيسي استخدم مكالماته لجس نبض الأمريكيين حول اختيارات حكومته»، مشيرة إلى أن «الأخير حثه على اختيار مدنيين، لكنه لم يدفعه لتحديد اسم بعينه».

وباتت الاتصالات في أعقاب الانقلاب طويلة ومفصلة، كما تجاوزت قضايا العلاقة العسكرية بين البلدين، وقبل كل مكالمة، تنسق مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، ومساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي، ديريك شوليت، ومستشارين آخرين، جولات في الإدارة، ومن ثم إطلاع هيجل، الذي يتحدث يومياً مع سفيرة الولايات المتحدة لدى مصر، آن باترسون، على ما تريده الولايات المتحدة». وأنه «خلال الأسابيع الأول بعد الإطاحة بحكم محمد مرسي، تولى (هاجل) مهمة حث الجيش المصري على استعادة النظام والديمقراطية بطرق ترضي معايير واشنطن، والرسائل الخاصة والمكالمات الهاتفية في الأيام الأخيرة بين (هاجل) و(السيسي)، تم وضع نقاطها من قبل صانعي السياسات من مختلف أرجاء الإدارة، بما في ذلك البيت الأبيض ووزارة الخارجية»، بحسب “و.س.جورنال”؛ وهو ما يعني أن اعتراض “هيغل” على الانقلاب كان شكليا وانتقل مباشرة إلى الحديث عن تشكيل الحكومة الجديدة وهو من نصح السيسي بوضع علمانيين كواجهة مدنية درءا لتوصيف ما جرى على أنه انقلاب.

رابعا: يفسر الباحث شادي حميد في مجلة “بوليتيكو” موقف هاجل قائلا أنه ينتمي إلى المدرسة الواقعية في السياسة التي تقلل من التأكيد على السياسات الداخلية للدول الحليفة، وهو ما يظهر في النبره الناعمة لنص محادثاته مع السيسي. فبالنسبة للمنتمين للمدرسة الواقعية؛ من الجيد أن تكون مصر دولة ديمقراطية، لكنه ليس أمرا ضروريا. فالأهم بالنسبة للواقعيين هو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتأثيره على المنطقة. وهاجل في النهاية يعمل لصالح مديره باراك أوباما. وخلافا لما يعتقده الكثيرون في معسكر الإخوان وحلفائهم، فالولايات المتحدة لم تؤيد الانقلاب وقت حدوثه. وكما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال فقد حذر هاجل السيسي يوم 1 يوليو من خطورة القيام بانقلاب عسكري، ولكن ما أثار الالتباس هو ما صرح به وزير الخارجية جون كيري بعد ذلك بأسابيع قليلة قائلا إن الجيش “يستعيد الديمقراطية” في مصر، فكيف يستجيب السيسي لطلب هاجل إذا كان كيري يلمح له بالموافقة الضمنية على سياساته؟!

كما يرى حميد أن رسائل هاجل متناقضة، ففي الوقت الذي يدعو فيه السيسي إلى احتواء المعارضة، قام بمعارضة وقف المساعدات العسكرية إلى مصر (1.3 مليار دولار سنويا)، مما يدل أن افعاله تناقض كلامه. وصحيح أن الادارة الأمريكية بالفعل قد قامت بقطع جزء من المساعدات في شهر أكتوبر، ولكن بالرغم من رمزية هذا القرار الا أن بعض الساسة الأمريكيين قللوا من أهميته من خلال تصريحاتهم؛ فعلى سبيل المثال صرح كيري أثناء زيارته لمصر في شهر نوفمبر 2013 أن “مسألة المعونة الأمريكية هي مسألة قليلة الأهمية”، وفي خضم القمع الحكومي للمعارضة في مصر وتجريم التظاهر قال كيري أن “خريطة الطريق تمضي قدما في الاتجاه الذي يسعى اليه الجميع”، وفي اليوم التالي لتلك التصريحات بدأت محاكمة الرئيس محمد مرسي وقادة من الاخوان بتهم ملفقة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...