بقلم: عامر شماخ
هذا واقع، أقره الانقلابى التعيس.. مصر صارت شبه دولة، ما يعنى: غياب القانون، ذهاب العدالة، انهيار المؤسسات، ضياع الأمن القومى، خراب الاقتصاد.. إلخ.
إننا -بالفعل- لم نر ولم نقرأ فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر أن بلدنا العريق وصل إلى هذه الدرجة من التدنى والضياع مثل هذه الأيام التى أعقبت انقلاب يوليو 2013، فالمواطنون يستيقظون كل يوم على أخبار كارثية وحوادث مروعة، وينامون على غلاء فى الأسعار وبلاءات فى شتى مجالات حياتهم، كأن مصائب الدهر وقعت على هذا الشعب، الذى كان فى مأمن منها حتى صمت وخرس عما وقع للأطهار من مذابح لم تستثن منهم أحدًا.
ولم لا تكون مصر شبه دولة والحاكم وبطانته يبيعون الأرض، وينتهكون العرض ويقتلون المؤمنين الصادقين، ويسجنون الشرفاء ويولون اللصوص؟!، ولم لا تكون المحروسة شبه دولة وقضاؤها يحكم بالإعدام على الموتى، ويشدد على الحرائر ويضرب بالدستور والقانون عرض الحائط؟!، ولم لا تكون شبه دولة وفيها يعلو الوضيع ويُكبت الرصين، وتقدم النفايات وتؤخر الكفايات، ويولى الذليل ويعزل الشريف؟!
إننا بلد منزوع الأمن القومى؛ إذ لا سلم اجتماعيًا، بعدما قسمونا شعبين، وجعلوا لنا إلهين اثنين وزرعوا الشحناء والبغضاء فى العائلة الواحدة، واستعدوا الابن على أبيه، والأخ على أخيه، والبنت على أمها والشقيقة على شقيقتها.. ولا أمن حدوديًا للبلاد، بعدما انتهكنا من كل ناحية، فسيناء فى قبضة المسلحين، والجنوب مهدد بانتزاع أطرافه، والغرب ثغرة لمن أراد الدخول أو العدوان، وربما سمعنا -قريبًا- عن أنباء بتسليم جُزر ومساحات استراتيجية لدول الجوار العربية، أو لدولة اليهود الصهيونية.
وحدث ولا حرج فى باقى مجالات الأمن القومى، فأين الأمن الاقتصادى والانهيار مريع والكوارث قادمة لا محالة، ورأينا الدولار يغرق الجنيه، وما حدث من تراجع لعملتنا أمام العملات الأخرى على مدى عقود وقع مثله فى السنة الأخيرة من حكم المتعوس، وقس على هذا المثال ما جرى فى الإنتاج الصناعى والزراعى، وعلى مستوى الاستيراد والتصدير، وانظر أيضًا إلى تلك المشاريع الوهمية (الفناكيش) بدءًا من المؤتمر الاقتصادى، والعاصمة الجديدة، والمليون وحدة، والمليون ونصف المليون فدان، و(الترعة) الجديدة..إلخ، وكلها أوهام للتغييب عن الوعى وللإيحاء بأننا بخير، والواقع أننا نغرق ونسير سيرًا نحو الهاوية.
وحدث أيضًا عن النيل الذى أحيا مصر منذ أن عرفها العالم وبزغت إلى الوجود، والذى لم يجف يومًا فكانت المحروسة هبته وثمرته، ها هو اليوم مهدد بالتوقف، ومتوقع جفافه، من ثم جفاف أرضنا وهلاك زرعنا وضرعنا، وما وقع ذلك إلا بـ«بركة العسكر» وبتوقيع منهم.
هل فعلوا ذلك لحماية وتقوية الأمن القومى المصرى؟!.. بل فعلوه بأوامر أسيادهم، ولصالح غيرهم، وسوف تثبت الأيام أنهم كانوا وكلاء للصهاينة فى بلدنا، يحمون مقدراتهم، ويرعون مصالحهم.
إن الدماء التى سالت فى ميادين وشوارع مصر لن تسمح بأن تكون مصر دولة مستقرة ذات سيادة، ولسوف نسرع الخطى حتى نقع فى حفرة عميقة ما لها من قرار، فما من ظلم يقع إلا وله ثمرة مرة المذاق كريهة الرائحة، تشل الدول وتقوض أركانها، وتنتزع البركة من إنتاجها ومحاصيلها، ولا أظن حكامًا فسقة ارتكبوا جرائم فى حق أوطانهم ومواطنيهم مثل ما فعل العسكر عندنا منذ ما يزيد على سنتين وحتى الآن، ما يجعلنا نؤكد أن القادم أسوأ، وأشد ظلامًا وحلاكًا -إلا أن يتغمدنا الله برحمته.
أما الدول الحقيقية، فهى العادلة، التى تحترم الحقوق والحريات، وترعى كرامة مواطنيها، حكامها عادلون، شرفاء، لا يقبلون التبعية، ولا يتسولون، ولا يستعبدون الناس، ولا يكذبون، ولا يدلسون، ولا يرضون الدنية فى دينهم أو أوطانهم، يجاهدون فى سبيل الله لا يخافون لومة لائم. وأنت إذا جمعت هذه الصفات -وهى جزء من صفات كثيرة فى حكام الدول المحترمة- فلن تجد لها أثرًا فى حكام المحروسة الآن، فحق أن تكون أشلاء دولة.. وصدق الانقلابى وهو كذوب.