القرار في شبه دولة السيسي.. هذيان وعاصفة من التضارب والفوضى

تعددت أوصاف المحللين والمراقبين عن صانعي القرار في نظام الانقلاب، فبعضهم يصفه بـ”اضطراب وعدم وضوح رؤية”، وآخرون يرون أن “مصر فوق رمال متحركة”، غير أن مثل تلك الأوصاف تدهش فريقًا ثالثًا عن وضع أوصاف جدية لحكومة “كده وكده”، تطالب بدهانات واجهات المنازل في حين لا يجد المواطن ما يقتات به، في ظل “برلمان” اختير على أعين الأمن الوطني والمخابرات، وهو منزوع الصلاحيات لا يملك المحاسبة والمراقبة والتشريع، ويستغربون من النقاش حول شبه دولة لا تنتمي برأيهم للعالم الحقيقي.

وفي ظل هذه الرؤى المتوافقة أو المتباعدة، قد ترى قرارات وتصريحات في الاقتصاد أو السياسية تضع ركامًا فوق قرارات صحيحة سابقة أو تتضارب مع غيرها.

وكنموذج تقريبي لتلك القرارات من بين مئات القرارات التي اتخذتها سلطة الانقلاب، إلغاء السيسي القرار الجمهورى الذي أصدره الدكتور محمد مرسي في يناير 2013، بشأن الاتفاق مع البنك الإسلامى للتنمية لشراء معدات لصالح مشروع إنشاء المستشفى التعليمي لجامعة الأزهر.

أزمة عميقة

يرى محللون أن عملية صناعة القرار السياسي في مصر منذ انقلاب 3 يوليه لم تلغ فقط هذه البدائل والأطراف المستقلة القادرة على اتخاذ قرار للصالح العام، ولكنها جاءت بأعوان للنظام يمجدونه ويرونه الفيلسوف والحكيم الذي لا يخطئ، ومن ثم دعم كل ما يقوله واعتباره “حكمه” حتى ولو عدل عن قراره للعكس يبررونه أيضا بحكمة القائد، فيرى المحللون أن ما جعل النتيجة حتمية هي صدور قرارات غير مدروسة ومشوهة، مثل تعامل وزير التعامل مع نظام الثانوية العامة الجديد والمدارس اليابانية، وقرارات البورصة ومحافظ البنك المركزي.

المصيبة الأكبر هي أن السيسي يدري، فيعترف أنه يتخذ قراراته دون دراسة جدوى، وهي أبسط القواعد التي يجري على أساسها المفاضلة بين القرارات المختلفة، قائلا: “إحنا في مصر.. لو دراسات الجدوى مشينا بينها وخليتها العامل الحاسم في حل المسائل.. كنا حققنا ما بين 20 إلى 25% مما تحقق!.

شهادة مجرب

في أبريل 2014، استقال الدكتور عمرو الشوبكي من الهيئة الاستشارية لحملة عبد الفتاح السيسي الانتخابية، والتي كانت معنية ببلورة رؤية لبرنامجه السياسي، وهي هيئة “تطوعية” كان يقودها عمرو موسى، الأمين السابق للجامعة العربية، وأخطر ما قاله الدكتور عمرو: إنه لا توجد رؤية سياسية أو مشروع يرسم ملامح المستقبل للدولة المصرية حتى الآن، ملمحا إلى أن “الدولة” تدار بالهتافات والأناشيد، تدار يوما بيوم.

وبعدما انقلب حازم عبد العظيم على “السيسي”، واعتقله السيسي مؤخرا، قال في حوارات على صحف الانقلاب: إن السيسى يبذل مجهودا كبيرا فى مواجهة المشكلات اليومية سياسيا بنفسه، وبالتأكيد هذا الأمر غير منطقى فهناك شخصيات أخرى منوط بها المساهمة فى اتخاذ القرار، فضلا عن أن السلطة التنفيذية عبارة عن بلدوزر- كما قال السيسى- وإبراهيم محلب هو مدير مشروعات بدرجة رئيس وزراء، ولم يمتلك السلطة والصلاحيات الكافية لاتخاذ القرار السياسى، في إشارة إلى التعسف العسكري بقيادة السيسي.

عجب العجاب

الطريف أن السيسي يعترف أنه “الفرد” وفق المصطلح السياسي، المعبر عن الفرعون والديكتاتور، فقال عبد الفتاح السيسي في احتفال بالمولد النبوي: إنه رأى “العجب” من الناس أثناء إدارة شئون الدولة، وذكر أن هناك سمعة سيئة عن المسلمين حول العالم، مطالبا بالتصدي لهذا الأمر من جانب علماء الدين خاصة في مصر، ومؤكدا أن المشكلة الحقيقية تكمن في القراءة الخاطئة لأصول الدين.

وبالتركيز على التصريح يجد فيه تلك النزعة الاستئثارية والمتحولة، فتجده يكذب ويحذر من الكذب، يقتل ويتحدث عن الإساءة للإسلام، يتحدث عن أصول الدين والممارسات الحقيقية ويطالب “بمراجعة النصوص التي نكررها”.

يقول السيسي في ثياب الواعظين: “سلوكياتنا بعيدة خالص عن صحيح الدين في الكذب والأمانة والرحمة بالناس، والإنسان دائمًا معرفته بتأثر على فكره.. كلنا في يوم من الأيام هنتقابل قدام ربنا سبحانه وتعالى”!.

تغييب الدراسات

ويتعمد نظام الانقلاب- بحسب التقارير- تغييب الدراسات وأصحاب الآراء المستقلة أو الخبراء المحايدين الذين يرون في عملية اتخاذ القرار هي سبب الكوارث التي تعاني منها البلاد، بل بإنفاق أموال البلاد وحصيلتها الدولارية على مشروعات وهمية غير مدروسة أو بلا عائد على الشعب، بداية من حفر تفريعة قناة السويس التي تكلفت 7 مليارات دولار، والعاصمة الإدارية التي تبلغ تكلفة المرحلة الأولى منها فقط 300 مليار جنيه، بخلاف كنيسة العاصمة (400 مليون جنية) ومسجد السيسي

ومن آخر القرارات الوهمية قرار حظر سفر الكبار، الذي قالت دراسة إنه يكمن خلفه مخاوف من تحركات من داخل دوائر النظام، جراء حالة عدم الرضا عن صناعة القرار في نظام السيسي، وقد تكون وراءه اتصالات بين أطراف خارجية وبعض قيادات منظومة السيسي، وهو ما قد يفاقم برأي الدراسة إجراءات تعسفية داخل دوائر النظام من قبل الدائرة الضيقة التي تصنع قرار الانقلاب.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...