بعد 8 سنوات على الثورة.. الانقلاب دمر مصر.. والبركان يستعد للانفجار

بعد مرور ثماني سنوات على ثورة 25 يناير، لم يتغير الحال بعد اختطافها حيث انتشار الفساد والفقر، بل ازداد الوضع سوءا في ظل اختطافها من قبل سلطات الانقلاب العسكري، ورغم أن الثورة كانت احتجاجا على تدهور الحالة الاقتصادية، وزيادة الفقر والبطالة إلى جانب عدم التكافؤ في توزيع الدخل، والذي ساهم فى ارتفاع معدل البطالة بين الشباب وتفشى الفقر في البلاد، عمل قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي على نشر الفقر والفساد بصورة أكثر تدميرا لحياة المصريين، حتى أصبح المجتمع المصري في حالة فقر مدقع، وانهارت الطبقة المتوسطة بجانب ضياع الطبقة الفقيرة، في الوقت الذي استحوذ الأغنياء ومحاسيب نظام الانقلاب بجانب ضباط الجيش والشرطة على نصيب الأسد من ثروات المصريين.
الوضع الاجتماعي
في مقارنة بين حال المصريين قبل ثورة يناير وبعد الانقلاب العسكري، نشرت صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” في 23 أبريل 2018 تقريرا بعنوان: “كيف يهدد الفقر المتفاقم في مصر قبضة السيسي القوية”.
أشارت مونيتور إلى أن السيسي أجبر المصريين على ربط الأحزمة لتنفيذ إجراء إصلاحاته الاقتصادية المؤلمة والمزعومة التي فرضها صندوق النقد الدولي. لكن دون حدوث أي تغير ملموس في الوضع الاقتصادي المتدهور، فإن صبرهم قد ينفد قريباً. وهناك بالفعل مؤشرات على ذلك منها اللامبالاة التي أظهرها المصريون حيال الانتخابات.
وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من استمرار السيسي لفترة ثانية ونيته في التعديلات الدستورية لجعله (مغتصبا للسلطة) مدى الحياة، فإن القبضة القوية لعبد الفتاح السيسي على السلطة أبعد ما تكون عن أن تكون مطلقة مع بقائه في الفترة الحالية، خاصة مع تحذيرات المحللين من أن الجنرال السابق في وضع أكثر غموضاً عما كان عليه عندما وصل إلى السلطة في انقلاب عام 2013، أصبحت مصر مع حكمه تواجه العديد من التحديات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية التي تعتبر اختبارا لقيادة السيسي ودعم الجيش له.
اقتصاد متدهور
وقال محللون إن أكثر المخاطر المباشرة التي يتعرض لها السيسي هو الاقتصاد المصري المتدهور وأمراضه المزمنة، وما يترتب على ذلك من خطر عدم الاستقرار، وحتى الآن، أعطت غالبية المصريين الوقت الكافي للسيسي لتنفيذ إصلاحاته الاقتصادية المؤلمة التي فرضها صندوق النقد الدولي، ووافقت على “ربط الأحزمة” من أجل مصلحة البلاد. فلم تحدث هناك احتجاجات في البلاد التي تخضع لسيطرة أمنية شديدة، ولكن إذا لم يكن هناك تحول دراماتيكي في الاقتصاد وخلق فرص العمل خلال العامين المقبلين، فإن هذا الصبر سينفد، كما يحذر المحللون.
ونقل “المعهد المصري للدراسات” عن عبد الله هنداوي، كبير المحللين في المؤسسة العربية بواشنطن: “الغالبية في مصر هم الفقراء، ومعظمهم يعانون من التضخم ويتأثرون أكثر بهذه التدابير التي اتخذها السيسي – وهم الأكثر تقبلا لأي تحشيد متوقع لأنهم حرفيا ليس لديهم ما يخسرونه”. وأضاف: “الانتفاضة الشعبية المقبلة لن تكون حول المظالم السياسية والعدالة الاجتماعية كما كانت في عام 2011 ، ولكنها ستندلع لأن الناس سيكونون متعبين ومرهقين ويائسين. وهذا أكثر خطورة بكثير من ذي قبل.”
مفترق طرق
وفي دراسة عن الآثار الاجتماعية للقرارات الاقتصادية الأخيرة في مصر، نشرها مركزالجزيرة للدراسات، يقول د. مصطفى العزب، إنه عقب تداعيات ثورة 25 يناير عام 2011، وتولي السيسي حكم البلاد دخلت مصر مفترق طرق خطير أدى إلى تخبط الحكومة وتدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة لحالة التخبط والانحلال والتسيب التي كانت مصر قد مرت بها خلال الفترة من 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2014. فلم يعد أمام الحكومة مزيد من الخيارات لتحسين حالة الاقتصاد والعودة بمصر إلى حالة الاستقرار والأمن وتوفير الحاجيات الأساسية للمواطنين، مما أدى بها إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي والالتزام بتطبيق توجيهاته والتي شملت القيام بحزمة من الإصلاحات النقدية والمالية أملًا في أن يتمكن الاقتصاد المصري من التعافي ومواجهة التحديات القائمة وتحقيق معدلات في النمو والتشغيل بما يتناسب مع الواقع الاجتماعي لمصر.
وكان من بين حزمة القرارات الاقتصادية قرار تحرير سعر الصرف أمام الدولار، والذي أدى لزيادة الحالة الاقتصادية في مصر تخبطًا وتدهورًا فزادت أسعار السلع بشكل جنوني مما أثَّر على الأسر المتوسطة والفقيرة وأدى إلى حدوث خلل في المنظومة الاجتماعية وفي أولويات الأسرة المصرية.
وقال العزب إنه لكي تتفادى الحكومة آثار هذا القرار المصيري، لجأت إلى حزمة من الإجراءات الاحترازية والإصلاحية في سبيل تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى البعيد. لكن كل هذه الجهود لم تسمن ولم تغنِ من جوع، بل زادت الطين بلَّة ودفعت بالشباب المصري إلى الهجرة والتخلي عن أهم متطلباته وأهدافه في الحياة.
وتلخصت السياسات الاقتصادية في فرض الرسوم الجمركية والقيود الإدارية والجبائية ورفع أسعار الكهرباء والمياه والوقود وخدمات الهاتف المحمول، وجاء إقرار هذه الإجراءات كما يلي:
المياه:
وافقت حكومة الانقلاب، خلال شهر يناير 2016، على زيادة ثمن المتر المكعب من المياه، وقد بلغت الزيادة في تعريفة المياه نحو 70% مقارنة بأسعار المحاسبة فيما قبل عام 2011.
الكهرباء:
تم رفع أسعار الكهرباء في إطار خطة الحكومة لرفع الدعم تدريجيًّا على مدار سنوات، والتي قفزت خلال السنوات السبع التي تلت الثورة إلى ثلاثة أضعاف.
الرسوم الحكومية:
اعتمد البرلمان في العام 2016 قرارات برفع أسعار بعض الرسوم والخدمات الحكومية، وكان أبرزها زيادة مصروفات إقامة الأجانب في مصر من 80 جنيهًا إلى 1000 جنيه عن كل سنة إقامة، وكذلك ارتفعت رسوم الحصول على الجنسية، فضلًا عن زيادة الحد الأقصى لرسوم إصدار صور قيود وقائع الزواج والطلاق، وزيادة الحد الأقصى لمقابل تكاليف إصدار البطاقة الشخصية أو تغيير بياناتها، أو إصدار بدل فاقد أو تالف، كما تمت زيادة الرسم على المصريين الراغبين في العمل خارج البلاد من 60 جنيهًا إلى 200 جنيه للمؤهلات العليا، و100 جنيه لغيرهم. كما رفعت الحكومة الرسوم الجمركية على حزمة من الواردات كالسلع الترفيهية والسيارات والسجائر والأجهزة الإلكترونية وغيرها من وسائل الترفيه.
الضريبة المضافة:
تم تعديل قانون الضريبة على القيمة المضافة كذلك لتكون بدلًا عن الضريبة العامة على المبيعات، وتصبح 13%، على أن تزيد إلى 14% بدءًا من العام المالي 2017-2018، مما أدى إلى زيادة أسعار بعض السلع الأساسية، وكذلك أسعار السجائر وبطاقات تعبئة الهاتف، بالرغم من تأكيد الحكومة أن السلع الأساسية لن ترتفع أسعارها؛ لأن أغلب السلع الغذائية مُعفاة من الضريبة، ومع ذلك فقد قفزت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.

البنزين والسولار:
قرَّرت حكومة الانقلاب رفع أسعار البنزين والسولار وغاز السيارات والمنازل وأسطوانات الغاز تنفيذًا لتوصيات صندوق النقد الدولي بعد تحرير سعر الصرف، ونلاحظ أن زيادات أسعار الطاقة في مصر قد تضاعفت بنحو ست مرات منذ 2011 وحتى 2018؛ حيث زاد سعر البنزين من 80 قرشًا إلى 550 قرشًا.
فضلا عن أن ارتفاع الوقود يتسبَّب في صعود أسعار الكثير من السلع، بالإضافة إلى استخدام السولار في بعض ماكينات الزراعة؛ الأمر الذي رفع من أسعار الخضروات، كما يتسبب في رفع أجرة المواصلات والنقل والشحن. ونتيجة لذلك وصلت نسبة الزيادة في أسعار الوقود وباقي الخدمات التي تقدمها الحكومة لأكثر من 15% من السعر الرسمي؛ حيث استهدفت الحكومة خفض الدعم عن المواد البترولية بنسبة 26% خلال عام 2018.
عقب تحرير سعر الصرف وانخفاض سعر العملة المحلية، سارع البنك المركزي المصري إلى رفع أسعار الفائدة بنسبة 7% لتصل إلى 18.75% و19.75% على الإيداعات والقروض لمواجهة التضخم الذي قفز بسرعة بعد قرار التعويم.
كل هذه الإجراءات لم تؤد إلى نتائج إيجابية على الاقتصاد المصري بل أدت إلى نتائج سلبية وخطيرة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
صدمة كبيرة
من الناحية الاقتصادية، فإن تحرير سعر الصرف والقفزة الهائلة للدولار أحدث صدمة كبيرة في الأسواق المصرية؛ حيث زاد سعر صرف الدولار بنسبة 40% عن سعره الرسمي قبل قرار التعويم، وهذه القفزة تلتها قفزات متتابعة في أسعار السلع والوقود وأسعار الأدوية والعلاج والنقل والمواصلات وأيضًا أسعار مواد البناء وغيرها من السلع الأساسية إلى جانب زيادة أسعار الخضر والفواكه. كل هذه الزيادات انعكست على الأوضاع المعيشية للمصريين بصورة سلبية خطيرة خاصة أن مصر تستورد كميات كبيرة من حاجياتها الأساسية من الخارج ناهيك عن وجود صعوبات في جذب الاستثمارات الأجنبية وتراجع مؤشر السياحة في مصر، حيث احتلت مصر خلال عام 2017 المرتبة 74 من إجمالي 136 دولة في مؤشر تنافسية السياحة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن حزمة الإجراءات التي أصدرتها حكومة الانقلاب إبان إصدار قرار التعويم لم تتناسب مع الطبيعة الديمغرافية والواقع الاجتماعي للمجتمع المصري؛ فلم تأخذ في الحسبان الزيادة المطردة في أعداد السكان والذي وصل عام 2014 إلى 85.8 مليون نسمة مقارنة بـ82.5 مليون نسمة عام 2012، وأيضًا معدلات البطالة وقلة فرص العمل حيث زادت نسبة معدلات البطالة بين الشباب من 26.3% إلى 38.3% عام (2010/2012) وفقًا لتقديرات منظمة العمل الدولية. كما تظهر بيانات المؤسسة الأوروبية لعام 2012 أن نسبة الشباب المحرومين من العمل والتعليم والتدريب في الفئة العمرية 15-24 عامًا تقترب من 30% في مصر.
وأسهمت هذه الإجراءات في تفاقم الأوضاع الاقتصادية أكثر من ذي قبل وتآكل الطبقة المتوسطة واختفائها إلى حد كبير، فلم تدفع طبقة ثمنًا لإجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها السلطات مثلما دفعت الطبقة الوسطى. فهي تتحمل الأثر الأكبر من ذلك التدني والتدهور سواء في الأحوال الاقتصادية أو الاجتماعية، ففي السنوات الأخيرة، سقطت الشريحة الأسفل من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة، وهبطت الشريحة المتوسطة إلى الأسفل، والأعلى إلى المتوسطة.
جرائم وأمراض
وبالإضافة إلى هذه الكوارث الاقتصادية والاجتماعية، أسهمت سيطرة النخبوية على فرص العمل المتاحة في الأسواق وسوء توزيع الثروات والموارد المتاحة على أصحاب المشاريع الصغيرة وصغار الحرفيين والمنتجين، بالإضافة إلى الفساد الإداري والحكومي وانتشار المحسوبية والوساطة وضعف التخطيط والنظرة البراغماتية للقطاعات الاقتصادية خصوصًا أن السيسي ركز منذ توليه على مشاريع ضخمة تخدم وتصب في مصلحة الطبقات العليا وأصحاب رؤوس الأموال والشركات دون الالتفات للطبقات الدنيا في المجتمع، مما زاد الشرائح الغنية غنىً وزاد الطبقة الفقيرة فقرًا وتدهورًا، فضاعت نتيجة لذلك الطبقة المتوسطة وأدى ذلك إلى تآكلها إلى حد كبير.
وكشفت السنوات الماضية من حكم الانقلاب أن هذه العوامل مشتملة لعبت دورًا كبيرًا في تفشي الظواهر الاجتماعية وتدهور الأحوال المعيشية من صحة وتعليم ونقل ومواصلات وسكن وتسبب ذلك في زيادة الجرائم وانتشار الأمراض وزيادة نسبة التسرب من التعليم وظهور عدد كبير من حالات الانتحار والاكتئاب والعزلة الاجتماعية والتفكك الاجتماعي وزيادة معدلات الطلاق زيادة معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
وأشار تقرير التنمية البشرية لعام 2008 إلى أن نسبة الفقر في مصر وصلت إلى 20.7%، ثم ارتفعت إلى 25%، عام 2011، واستمرت في الارتفاع إلى أن وصلت إلى 26.3%، عام 2014، حسب ما أشار إليه رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء على البوابة نيوز في 9 أبريل 2014.
وترتب على تحرير سعر الصرف ورفع أسعار الفائدة وألغاء الدعم عن الخدمات التي تقدمها الحكومة وفرض ضريبة القيمة المضافة، العديد من الآثار والانعكاسات السلبية على مستوى التشغيل والتوظيف ومن ثم البطالة وارتفاع الأسعار ثم الواقع الاجتماعي لقطاعات عريضة من المجتمع المصري وتبدل المنظومة الاجتماعية وتغير الأولويات من صحة وتعليم وسكن وزواج وطلاق.
وكشفت السنوات الماضية طبقا للإحصاءات الرسمية أن الآثار الاجتماعية للقرارات الاقتصادية خلال هذه الفترة عملت على الأتي:
زيادة معدلات البطالة
بلغت نسب البطالة أقصى درجاتها خلال فترة وجيزة؛ فقد أشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار عام 2014 إلى أن معدل البطالة وصل في مصر إلى 13.4% مقارنة بنسبة 13.2% خلال عام 2013 ليبلغ عدد العاطلين حوالي 3.6 ملايين نسمة وهو الأعلى على الإطلاق منذ عشر سنوات (14). وتتركز البطالة بدرجة أكبر بين المتعلمين من الشباب لتصل بين الشباب في فئة (15 -29) الحاصلين على مؤهل عال إلى نحو 45%.
ارتفاع معدلات الفقر
أكَّد تقرير رسمي صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر أن 40% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر (16)، ونسبة الذين يعيشون في حالة الفقر 26.3% من إجمالي عدد السكان عام (2012/2013)، وهي نسب ترتفع على نحو كبير في محافظات الوجه القبلي وريف الوجه البحري. وتشير البيانات الإحصائية التي صدرت عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فيما يتعلق ببيانات بحث الإنفاق والاستهلاك والدخل (2012/2013) إلى تركز نسب الفقر في المناطق الريفية أكثر من المناطق الحضرية في مصر خلال هذه الفترة.
كما ارتفعت نسبة الفقر، عام 2015، إلى 5.3% مقارنة بنسبة 4.4% عام 2012. وتأتي هذه النسبة لتؤكد ارتفاع عدد الفقراء بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغلاء المعيشة في مصر (19). وذلك كنتيجة حتمية لزيادة معدل التضخم في مصر بعد رفع الدعم عن حزمة من السلع الأساسية التي يحتاجها الشارع المصري أهمها الوقود والكهرباء والغاز؛ حيث كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن زيادة معدل التضخم في ديسمبر/كانون الأول 2017 ليبلغ 22.3% مقارنة بشهر ديسمبر/كانون الأول 2016.
الانقسام الاجتماعي
ترافقت الإجراءات الاقتصادية مع تغيرات أكثر خطورة على مستوى ديمغرافية المجتمع المصري حيث بلغ تعداد السكان وفقًا لإحصائية 2017 حوالي 95 مليون نسمة يسكنون 7.8% من مساحة مصر الكلية التي تبلغ مليون كيلو متر مربع، ويتركز أغلبهم في المناطق الحضرية حول منطقة الدلتا خصوصًا في المدن الكبرى، القاهرة والجيزة والإسكندرية. وقد نتج عن هذه السياسات وانتهاج الحكومة نظرة براغماتية نفعية في قرارتها الاقتصادية زيادة نسبة الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر بحثًا عن فرص العمل التي تتركز في المدن الكبرى؛ وشكَّلت هذه الهجرات عاملًا خطيرًا في بنية المجتمع المصري وزادت من حالة الاحتقان الداخلي بين المواطنين ناهيك عن تدهور العلاقات الاجتماعية وتفكك الكثير من الأسر، إما لقلة ذات اليد وضعف الإمكانات المادية أو نتيجة لهجرة أعداد كبيرة من المصريين إلى الخارج وهذا زاد من الأعباء النفسية والأدوار الاجتماعية على الأمهات وربات البيوت وأثقل كاهل الأسرة المصرية بمزيد من الأعباء الوظيفية في ظل غياب الآباء.
وشكَّل هذا بيئة خصبة لتفاقم المشكلات الأسرية وزيادة حالات الطلاق وزيادة نسبة التسرب التعليمي وتفشي الجرائم والقتل والسرقة بالإكراه والاتجار بالمخدرات والتحرش والاغتصاب ووصل الأمر إلى انتشار الأمراض الاجتماعية والأخلاقية والجنسية إضافة لظهور عدد من حالات الانتحار في المجتمع المصري خلال السنوات العشر الأخيرة. فقد كشفت إحصائية رسمية لمنظمة الصحة العالمية أن هناك 88 حالة انتحار من بين كل 100 ألف مواطن مصري وتعود هذه الإحصائية إلى آخر البيانات المتوفرة التي تعود لعام 2014 حيث ربط قطاع من المصريين بين الانتحار والظروف المعيشية الضاغطة التي خلَّفها برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 2014. كما تشير أرقام غير رسمية إلى ارتفاع معدلات الانتحار في مصر خلال السنوات القليلة الماضية (21). وبحسب التقرير الصادر في اليوم العالمي لمكافحة الانتحار، 2015، فقد وقعت 157 حالة انتحار، منذ مطلع يناير 2015 وحتى أغسطس 2015، بخلاف الحالات التي تم إنقاذها. كما أكد تقرير الأمن العام الذي تصدره وزارة الداخلية المصرية سنويًّا أن عام 2011 شهد 253 حالة انتحار وشروع في الانتحار، وزاد هذا العدد ليصل إلى 310 حالات في 2012.

طرق مغلقة
أصبحت أغلب الطرق القانونية مغلقة أمام شرائح كبيرة من المواطنين باستثناء بعض فئات الطبقة المتوسطة التي تتمتع بعلاقات اجتماعية تربطها بأصحاب الأعمال والسلطة الحاكمة؛ حيث سيطرت النخبوية على قطاعات الدولة نتيجة لانخفاض الدخل عمومًا وسوء توزيع الفرص وخروج الغالبية العظمى من الشعب من حالة النشاط الاقتصادي.
وتسبب هذا في ضعف التنوع الاجتماعي في الوظائف المتاحة واستحواذ الشريحة العليا من المصريين بنسبة 10% من إجمالي السكان على نسبة 25% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالتالي، زادت الفوارق الاجتماعية فاتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء حيث أظهرت مؤشرات الدخل والإنفاق والاستهلاك في مصر تفاوتًا واضحًا في توزيع الدخل وحجم الإنفاق بين الفئة الدنيا والفئة العليا؛ حيث وصلت نسبة المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى حوالي 25% من إجمالي السكان(23)، في حين تآكلت الطبقة الوسطي وتركزت الثروات ومصادر الدخل في يد قلة قليلة من أنصار النظام الحاكم مما زاد من اتساع الفجوة بين الطبقتين وزيادة الأعداد الوافدة إلى سوق العمل، فنتج عنه معدلات عالية من البطالة لم تستثن المتعلمين من الشباب بل على العكس فاقت معدلات البطالة بين خريجي الجامعات نظيرتها بين الفئات الأخرى. وهذا أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر وزيادة التفاوت الطبقي في صورة الدخول والثروات أو بين الريف والحضر أو بين مناطق الوجه البحري ومناطق الوجه القبلي.
أيضًا زادت الهوة بين الريف والمدن سواء من ناحية الكثافة السكانية أو من ناحية معدلات الفقر حيث تتناسب العلاقة عكسيًّا بين الطرفين؛ فوفقًا لمؤشرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، عام 2014، زادت نسبة الفقر في الريف عن مثيلاتها في الحضر والأقاليم بدرجات كبيرة نتيجة لتركز فرص العمل المتاحة في الريف في قطاعات محددة على العكس من تنوع الفرص في الحضر والأقاليم، لذلك سجلت معدلات الفقر 49% في الريف مقارنة بـ27% في الحضر في محافظات الوجه القبلي، وهي نسبة تتوافق إلى حد كبير مع معدلات الفقر في الوجه البحري.
معدلات الطلاق
خلال السنوات الخمس الأخيرة، تفاقمت ظاهرة الطلاق في المجتمع المصري ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة عام 2015؛ حيث سُجِّل أكثر من 199 ألف حالة طلاق بزيادة قُدِّرت بـ 89 ألف حالة عن العام السابق، 2014. وتؤكد الإحصاءات الرسمية أن المحاكم المصرية في تلك الفترة شهدت تداول حوالي 14 مليون قضية طلاق؛ أي نحو ربع سكان المجتمع المصري.
وفي تقرير سابق لمنظمة الأمم المتحدة، تحدث عن ارتفاع نسبة الطلاق في مصر من 7% إلى 40% خلال الـ50 عامًا الأخيرة، وأيضًا أن هناك 250 حالة طلاق في اليوم الواحد، بمعدل حالة طلاق تحدث كل 4 دقائق .
ووفقًا للنشرات السنوية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حول إحصاءات الزواج والطلاق، بلغ معدل الطلاق، عام 2017، نسبة 2.1%؛ حيث وصل عدد حالات الطلاق إلى 198.269 ألف حالة على مستوى الجمهورية. وشهدت معدلات الطلاق خلال شهر ديسمبر 2017 ارتفاعًا بلغ 29.5% في حين تراجعت معدلات الزواج خلال ذات الشهر من نفس العام بنسبة 44.8%.
وبحسب الإحصاءات الرسمية للجهاز المركزي، سُجِّل خلال عام 2017 أكثر من 63 ألف عقد زواج مقابل 114 ألف عقد خلال عام 2016؛ أي انخفض معدل الزواج منذ عام 2016 بنسبة 44.8%، ويرجع ارتفاع معدلات الطلاق في مصر خلال عشرين السنة الماضية إلى عدد من التغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلا أن العامل المادي، وفقًا لرأي الخبراء، يعتبر أهم الأسباب التي تقف وراء كثرة حالات الانفصال في المجتمع المصري؛ حيث يتلخص السبب الأكبر في كثرة المشاكل المادية بين الزوجين وخاصة في الطبقة المتوسطة التي أصبحت تعاني منذ ثورة 2011 من تدهور في الأحوال المعيشية وزيادة أسعار السلع وتكاليف الحياة مما أفقد رب الأسرة القدرة على تحمل الأعباء في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي في مصر وقلة الوظائف المتاحة وضيق ذات اليد.
وفي هذا الجانب، ترى الدكتورة ريم عبد الحميد، الخبيرة الاقتصادية، أن التردي الاقتصادي الذي يعاني منه المصريون أثَّر بالتأكيد على نسب الزواج والطلاق؛ “حيث إن كثيرًا من الشباب فقدوا وظائفهم مع تزايد البطالة بسبب عدم خلق فرص عمل جديدة تتوافق مع نسب الخريجين كل عام”. كما أن التضخم السنوي في المدن قفز إلى 14.4%، في يونيو 2015، من 11.4 % في مايو من نفس العام. ويرى الدكتور عمار علي حسن أن بعض الشباب يقبل على الزواج ثم يكتشف أن كلفته الاقتصادية وأعباءه كبيرة ولا يستطيع النهوض بها فيرى الحل في الطلاق.



x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...