النبي القدوة

كيف نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم هو الذي يتلقى الوحي من السماء ليربط الأرض بالسماء بأعظم رباط وأشرف صلة، وهو رجل سياسة، يقيم للإسلام دولة من فتات متناثر، وسط صحراء تموج بالكفر موجاً، فإذا هي بناء شامخ لا يطاوله بناء في فترة لا تساوى في حساب الزمن شيئاً ، وهو رجل حرب يضع الخطط ويقود الجيوش بنفسه، بل إذا حمي الوَطِيْسُ واشتدت المعارك وفر الأبطال والشجعان، وقف على ظهر دابته لينادي على الجمع بأعلى صوته ويقول: ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ) ،وهو رب أسرة كبيرة تحتاج إلى كثير من النفقات من نفقات الوقت والفكر والتربية والشعور ، فضلاً عن النفقات المادية، فيقوم النبي- صلى الله عليه وسلم- بهذا الدور على أعلى وأثم وجه شهدته الأرض وعرفه التاريخ.
فهو – صلى الله عليه وسلم- رجل إنساني من طراز فريد كأنه ما خلق في الأرض إلا ليمسح دموع البائسين، وليضمد جراح المجروحين، وليذهب آلام البائسين المتألمين.
وهو رجل عبادة قام بين يدي الله حتى تورمت قدماه، فلما قيل له: أولم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال قولته الجميلة: ( أفلا أكون عبداً شكوراً ).
هو رجل دعوة أخذت عرقه ووقته وفكره وروحه، قال له ربه: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ } [المدثر:1-2]، فقام ولم يذق طعم الراحة حتى لقي ربه جل وعلا، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما تعلقت به قلوب أصحابه إلا لأنه قدوة، ما أمرهم بأمر إلا وكان أول المنفذين له، وما نهاهم عن نهي إلا وكان أول المنتهين عنه، وما حد لهم حداً إلا وكان أول الوقافين عند هذا الحد.
حاجة الناس إلى القدوة:
الناس بحاجة إلى قدوة وليسوا بحاجة إلى منظرين ينظرون تنظيراً بارداً، باهتاً لا علاقة له بالصدق ولا بالواقع.
لما رأى الناس رسول الله- صلى الله عليه وسلم -يحول هذا المنهج الرباني والنبوي في حياتهم إلى منهج عملي تعلقت به القلوب، فالقلوب تتعلق بالجمال كأمر فطري جبلي، فكيف بمن جمع الله له الجمال والكمال خَلقاً وخُلقاً؟
إن مشكلتنا الآن أن كثيراً من أبنائنا وإخواننا قد افتقدوا القدوة في كل ميادين الحياة في الجانب الدعوي وإن كنا نرى المنظرين ونسمع المتحدثين في البيوت فقد افتقدت كثير من البيوت القدوة في كثير من مناحي الحياة، فنحن نحتاج الآن إلى قدوة تشهد لهذا الإسلام بخلقها وسلوكها وقولها وعملها لا إلى منظر سلبي بارد لا يمت تنظيره إلى واقعه أو إلى قوله أو فعله وخلقه بأدنى صلة.
تعامل النبي القدوة مع الخلق:
إن رسول الله هو أسوتنا وقدوتنا، فلننظر أيها الأفاضل! كيف كان يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الخلق؟ وهذا ما أود أن أركز الحديث فيه مع أحبابنا وإخواننا جميعاً.
1-    تعامله صلى الله عليه وسلم مع القادة عظماء قومهم:
 مع ثمامة سيد اليمامة:فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة )، وربط الصحابة ثمامة في سارية من سواري المسجد النبوي  ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم – المسجد فوجد ثمامة بن أثال مربوطاً في السارية، فاقترب النبي -صلى الله عليه وسلم منه-وقال: ماذا عندك يا ثمامة ؟! فقال ثمامة : عندي خير يا محمد ! إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت ، وأمر النبي-صلى الله عليه وسلم- الصحابة أن يحسنوا إلى ثمامة ،ثم دخل عليه في اليوم الثاني واقترب منه وقال: ماذا عندك يا ثمامة ؟! فقال: عندي ما قلت لك يا محمد! إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فتركه النبي- صلى الله عليه وسلم-، ثم دخل عليه في اليوم الثالث، فقال: ماذا عندك يا ثمامة ؟! قال عندي ما قلت لك يا محمد ! إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم- : أطلقوا ثمامة  ، فانطلق ثمامة إلى حائط فاغتسل ثم عاد إلى المسجد النبوي ووقف بين يدي رسول الله وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله.
ثم قال ثمامة : يا رسول الله! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فأصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان على الأرض دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي، والله ما كان على الأرض بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك الآن أحب البلاد كلها إلي، ثم قال: يا رسول الله! لقد أخذتني خيلك وأنا أريد العمرة، فبماذا تأمرني؟ فبشره رسول الله – صلى الله عليه وسلم  – ثم أمره بإتمام العمرة  .
انطلق ثمامة إلى مكة شرفها الله فجهر بالتلبية وقال:
ومنا الذي لبى بمكة محرماً          برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم
 فلما رفع صوته بالتلبية قام المشركون إليه: من هذا الذي يرفع صوته بالتلبية بين أظهرنا؟ فقاموا إليه وضربوه ضرباً شديداً حتى أنقذه أبو سفيان من بين أيديهم وقال: إنه ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة وأنتم تحتاجون إلى الحنطة من هذه البلاد، فتركوه، فلما سمع ذلك جلس ثمامة ، وقال: والله لا تصل إليكم بعد اليوم حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله. رواه الشيخين وغيرهما
انظروا: كيف حول خلق النبي – صلى الله عليه وسلم – وأدبه ورحمته وتواضعه البغض في قلب ثمامة إلى حب مشرق وود؟
2- تعامله صلى الله عليه وسلم مع الشباب:
 شاب جاء يستأذنه في الزنا: عن أبي أمامة- رضى الله عنه- أن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله أتأذن لي في الزنا : فصاح القوم به و قالوا : مه مه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أقروه وادنه فدنا حتى كان قريبا من رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتحبه لأمك فقال : لا يا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أتحبه لأمك فقال : لا يا رسول الله جعلني فداك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : و لا الناس يحبونه لأمهاتهم قال : أفتحبه لا بنتك قال : لا و الله يا رسول الله جعلني الله فداك قال : و لا الناس يحبونه لبناتهم قال : فتحبه لأختك قال : لا و الله يا رسول الله جعلني الله فداك قال : و لا الناس يحبونه لأخواتهم ثم ذكر الحديث في العمة و الخالة كذلك قال : يا رسول الله ادع الله لي قال : فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده عليه ثم قال : اللهم اغفر ذنبه و طهر قلبه و حصن فرجه قال : فكان لا يلتفت إلى شيء بعد “.رواه البيهقى
 هذه دعوة النبى صلى الله عليه وسلم وطريقة تعامله مع الخلق؟ إننا لا نتعامل أيها الإخوة مع ملائكة بررة، ولا مع شياطين مردة، ولا مع أحجار صَلدةٍ، بل نتعامل مع نفوس بشرية فيها الإقبال والإحجام فيها الحلال والحرام فيها الخير والشر فيها الطاعة والمعصية فيها الفجور والتقوى فيها الهدى والضلال، فلابد أن نكون على بصيرة بمفاتيح هذه النفوس البشرية؛ لنتغلغل إلى أعماق أعماقها، هذا إن كنا قد صدقنا الله بالفعل في أننا نريد أن ننقل الناس من البدعة إلى السنة، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن الباطل إلى الحق، ومن الشر إلى الخير، ومن الضلال إلى الهدى، أما إن كنا نعمل من أجل أنفسنا ومن أجل الهوى فذاك شأن آخر، لكن إن كنت تريد بالفعل أن تنقل الناس من الباطل إلى الحق، فبحق، ولن تنقلهم أبداً إلا بحق، قال عزوجل لنبينا -صلى الله عليه وسلم-: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [يوسف:108].
3- تعامله صلى الله عليه وسلم مع الأطفال:
إننا قد نتألم غاية الألم إن رأينا طفلاً من أطفالنا يجري في المسجد أو يبكي أو يلعب، وربما يُنهر هذا الطفل نهراً ويطرد، ونعجب من هذا غاية العجب! إن لم نفتح قلوبنا قبل أبواب مساجدنا لأطفالنا وأولادنا؛ ليتعلموا في بيوت الله عن الله ورسوله، فمتى وأين سيتعلم أولاد المسلمين؟ والله لقد نزل النبي -صلى الله عليه وسلم -من على المنبر حين رأى الحسن يتهادى.
رأى طفلاً صغيراً خرج من بيوته صلى الله عليه وسلم يتهادى، وكان على المنبر فنزل وترك الخطبة، وحمل الحسن وارتقى به المنبر وأجلسه على يمينه على المنبر.
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه -قال: ( صليت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم -صلاة الغداة، وخرج النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى بيته فاستقبله الولدان، فجعل النبي – صلى الله عليه وسلم-يمسح على خدي أحدهم واحداً واحداً ومسح النبي صلى الله عليه وسلم على خدي، فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجهما من جُونةِ عَطَّار “.رواه مسلم
4-تعامل الرسول القدوة مع الكفار:
لقد علم النبي – صلى الله عليه وسلم- الدنيا الشرف في معاملته مع الأعداء، يقول حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-قال: ما منعني أن أشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن المشركين قد أخذونا وقالوا: أتريدون محمداً؟ قال حذيفة : فقلت: لا. قال حذيفة : فأخذ المشركون علينا عهد الله وميثاقه أن ننصرف إلى المدينة وألا نشهد بدراً مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، قال: فذهبت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما قال المشركون وبما قلت، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: انصرفا -يعني: لا تشهدا معنا المعركة- نفي للمشركين بعهدهم ونستعين الله عليهم “.رواه مسلم
5- تعامله صلى الله عليه وسلم مع المرأة:
فالرسول -صلى الله عليه وسلم -أعلن حقوقها في عرفات ، ونادى الناس – صلى الله عليه وسلم-وهو يقول: { الله الله في النساء فإنهن عوان عندكم } وكان يقول- صلى الله عليه وسلم-: { خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي }.
فعاش -صلى الله عليه وسلم-، مع المرأة زوجاً وأخاً، وابناً وأباً، وأكرمه الله عز وجل بأربع بنات، وعشنَ معه كثيراً، بينما أبناؤه من الذكور كانوا يموتون في الصبا، وكانت بناته عليه الصلاة والسلام يسكنَّ قلبه، كان إذا سافر زار فاطمة وإذا عاد بدأ بها، وتقول عائشة كما في صحيح البخاري : { كان عليه الصلاة والسلام، إذا زار فاطمة قامت له وقبلته وأجلسته مكانها، وإذا زارته قام لها، وقبلها وأجلسها مكانه }.
6- تعالمه الله صلى الله عليه وسلم مع الحيوان:
حتى مع الحيوان لقد كان صلى الله عليه به رحيما يقول (اتقوا الله فى هذه العجماوات ) ويقول (إن فى كل كبد رطب صدقة)
ختاما:
فالنتحرك لدين الله نأمر بالمعروف بمعروف، وانه عن المنكر بغير منكر، واحمل هم هذا الدين، واشهد لدين الله في موقعك الذي أنت فيه، في موقع إنتاجك وموطن عطائك، فهذه أعظم خدمة نقدمها اليوم لدين الله، فلسنا أقل من هؤلاء الذين أبدعوا في الشرق والغرب، بل يجب على هذه الأمة أن تبدع في كل مناحي الحياة بعد أن تحقق إيمانها بالله وإيمانها برسول الله صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله عزوجل،أن يجعلنا من الذين يتأسون برسولك صلى الله عليه وسلم وممن يكون فى صحبته فى الجنة….. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...