وائل قنديل يكتب :-اعتذروا لثورتكم

1

 

بقلم: وائل قنديل

تساءلت، بعد أسبوعين من الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي: هل سيكون مسموحاً بمعارضة النظام الجديد/ القديم الصاعد إلى سدّة الحكم مشياً فوق أشلاء الديمقراطية؟ جاءت الإجابة سريعاً، في ميداني رابعة العدوية والنهضة، وما تلاهما، وسط تصفيق حاد من أولئك الذين أصابتهم كراهية تيار الإسلام السياسي بالعمى.
وبعد ثلاثة أعوام، تلتهم المقتلة كل الذين فرحوا واحتفلوا بالانتصار العسكري على ثورتهم، لتصبح عناوين مثل “اعتقال تلاميذ بتهمة الإساءة لاسم وشخص رئيس الجمهورية على فيسبوك” أمراً اعتيادياً، ويصير الاعتقال والتنكيل في انتظار أي محامٍ يفكّر في الدفاع عن مظلومين.
لم يعد التهليل للبطش بالإسلاميين يشفع لأحد.. الكل تحت مقصلة سلطةٍ مجنونةٍ بالمعنى الحرفي للجنون، غير أن نقابة الصحافيين، نقابة الرأي والضمير، لا تريد أن تستوعب الدرس، فتلعق قرارات عموميتها، وتصدر بياناً لا يختلف عن خطاب جنرالات الفاشية الإعلامية، تعلن فيه الحرب على “جماعة الإخوان الإرهابية”، وتصطف فيه مع الذين حاصروها بالطوب والهراوات والرقص الماجن.
يجيّشون الآن فرقاً من”الصحافيين الشرفاء” للانقضاض على النقابة العريقة التي احتفلت للتو بعيدها الماسي، يأتون بمخلّفات التطبيع والاستبداد والانحطاط، تحت شعار “تصحيح المسار” والهدف خطف النقابة، بالطريقة نفسها التي تحرّش بها أنور السادات بالصحافيين الأرازل في خريف غضبه، فيخرّ النقيب صعقا، ويصدر المجلس بياناً مرتعشاً، يعلن فيه التراجع المشين عن صموده بوجه غطرسة النظام المدجّج بكل أسلحة القبح.
عاد حزب البغال والجمال ليتصدّر المشهد السياسي، ويختطف البلد، من جديد، عبر الآليات القديمة نفسها، فالذين سلّحوا البلطجية، وأطلقوهم على نضارة مصر وبهائها في ميدان التحرير لا يزالون يحتفظون بكميات أخرى من السلاح، وأعداد أكبر من البلطجية، ونفوس لا تشبع من الأرض والدم والمال.
قلنا مبكراً، قبل ثلاث سنوات، إن الأمر بعد انقشاع بعض الغبار عن سماء السياسة المصرية يشير، بوضوح، إلى أن كل ما كان يُشتَم محمد مرسي ويُهان بسببه يحدث الآن من السلطة الجديدة، وسط تصفيق حاد من المعارضة (أو من كانت المعارضة)، وتبرير لا يتوقف لكل أعمال القتل والتنكيل والاعتقال التي كانت تدور بلا هوادة.
في كل يوم يمر، يفتح الاستبداد شدقيه، ويبتلع قضمة من المعارضة التي أخذت على عاتقها، بعد الانقلاب، مهمة الدفاع عن كل ممارسات السلطة الجديدة، وكأنهم انسخطوا جميعاً وتحولوا إلى حالة أحمد سبع الليل، جندي الأمن المركزي الذي كان يحارب “أعداء الوطن” في فيلم “البريء” للراحل عاطف الطيب.
هي لحظة للأسى والحزن على الذين تسلّقوا أسوار قصر الرئيس المنتخب، واقتحموا بواباته الرئيسية، ليكتبوا على الجدران كلماتٍ نابية وبذيئة في حقه، والذين تظاهروا بالبرسيم أمام بيته، من دون أن يقاومهم أحد، والذين كانوا يعتبرون قطع الطرق والكباري نوعاً من حرية التعبير والإبداع واقتحام فندق مثل سميراميس عملاً ثورياً.
نأسى عليهم، ونتضامن معهم، وهم لا يستطيعون الوصول إلى نقاباتهم، وإن فعلوا يكون “ملك الاعتقال” في انتظارهم، عند المتاريس الموضوعة حولها.
الآن، يكتشف الجميع أن كل هذا الثمن الفادح من الدماء والحريات، بالإضافة إلى إشعال النار فى حصاد ديمقراطية ثورة يناير الوليدة، فضلاً عن التكلفة الباهظة لرعاية الغضب الباهر، وما تم إنفاقه على القصة والسيناريو والإخراج والديكور، ستكتشف أنه كان فقط من أجل حلق لحية النظام السياسي.. نعيماً يا مصر!
أظنها اللحظة المواتية للاعتذار عن تلك النزوة الحمقاء التي سلّمت الثورة لأعدائها، بسعادة بلهاء.
اعتذروا لثورتكم.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...