كذابون بلا حدود.. هكذا سقط أحد أذرع الشرّ في الأردن

يبدو أن موسم حصاد أصابع الشرّ يعمل بكل طاقته، فمن سقوط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أشر أعماله وقتل الصحفي جمال خاشقجي، إلى سقوط أحد أذرع الإمارات في الأردن حيث وجدت الشرطة أمين عام مؤسسة “مؤمنون بلا حدود”، الذي اشتهر بمواقفه ضد الإسلاميين ملقى في مكان ناء معصوب العينين، وجسده مليء بالحروق والتعذيب بآلة حادة، والرجل اتهم الإسلاميين بخطفه لتكتشف الشرطة انه قام باختلاق القصة، واستعان بابن أخيه لإحداث الإصابات، المفارقة أن المنظمة ممولة كليا من الإمارات.

وطالب النائب الأردني خليل عطية، باسمه واسم زميلته ديمة طهبوب، بالكشف عن طبيعة مؤسسة “مؤمنون بلا حدود”، والكشف عن الدول التي تدعمها، وسبب عملها في الأردن، وهاجم عطية، في كلمة تلاها خلال جلسة لمجلس النواب، المؤسسة التي أطلق عليها اسم “كذابون بلا حدود”، مجّدداً التأكيد على أهمية كشف من يقف خلفها.

وأثنى عطية على جهود الأجهزة الأمنية في كشف زيف ادعاءات أمين عام مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” يونس قنديل، بالتعرض للخطف والاعتداء، ابتداء من جهاز الاستخبارات العامة ومديرية الأمن العام وإدارة الأمن الوقائي، ووزير الداخلية سمير مبيضين.

أموال الشيطان

تقول النظرية الروسية الشهيرة: “ما لا تستطيع إنجازه بالعنف؛ تستطيع إنجازه بعنف أكبر”، وهو مبدأ يتبعه أبناء زايد في السياسة المحلية والعالمية على صعيد آخر، وهو أن ما لا تستطيع إنجازه بالمال، تستطيع إنجازه بمال أكثر، مالكين ما يكفي منه وزيادة، ومنفقين له بلا قوانين مراقبة من أي نوع، دون أن تتأثر مشاريع “إعمار” المستمرة لديهم، أو يتوقف تحطيم الأرقام القياسية بحفلات رأس السنة عند برج خليفة.

بهذه الإستراتيجية بدأ الأمير الذي يحمل عداوة شخصية مؤكدة مع كل ما يمثله مصطلح “الإسلام السياسي” بأكبر حملة ضد “الإخوان المسلمين” و”الحركات الإصلاحية والثورية” بتأمين غطاء قانوني وضعت به الإمارات قائمة من ٨٣ حركة “إسلامية” وعربية وعالمية، مدنية وعسكرية، في قائمة “الإرهاب” الخاصة بها بلا معايير واضحة، وإنما بمعايير خاصة لا يعرفها إلا النظام نفسه.

وضعت الإمارات الغنية ثقلها المالي وراء الثورات المضادة وإفشال مشاريع وحركات الإسلام السياسي، إذ بلغ مجموع نفقات الإمارات على الجنرال المنقلب عبد الفتاح السيسي ١٢ مليار دولار بهدف تثبيته في الحكم، وهو ما يوازي المساعدات الإماراتية لمصر منذ عام ١٩٧١ حتى عام ٢٠١٤، منها ثلاثة مليارات دولار أودعتها الإمارات بالبنك المركزي حال استيلاء السفيه السيسي على الحكم، ثم مساعدات بقيمة ٤,٩ مليار دولار في أكتوبر من العام نفسه.

أما في ليبيا فقد دخلت الإمارات بكل ما لديها لصالح الجنرال الانقلابي خليفة حفتر الذي استلم زمام الثورة المضادة هناك، كما تدخلت في اليمن لصالح الثورة المضادة أيضا خشية وصول “الإصلاح” للحكم، وصولا إلى متابعة الانتقادات الشخصية، حيث وصل الأمر إلى دفع الأردن لاعتقال زكي بني ارشيد نائب المراقب العام للإخوان المسلمين هناك لكتابته منشورا ينتقد فيه الإمارات على “الفيسبوك”.

منبع الكراهية!

مثل شركات العقارات الإماراتية، ومثل الشركات النفطية العاملة فيها، كانت كراهية محمد بن زايد للإسلام السياسي “عابرة للحدود”، وغير مفسرة في أحيان كثيرة، لكن الواضح والمثير للاهتمام أن هذه الكراهية كانت مغلَّفة ومغلِّفة لنوع آخر وشكل آخر من “الإسلام السياسي” أيضا، اتفق محمد بن زايد مع العالم هذه المرة على تسميته بـ “الإسلام المعتدل”، وسيشق طريقه في المجتمع والسياسية على طريقة داعمه وعرابه في المنطقة، وربما في العالم كله كذلك: بهدوء وصمت وتوجس، وبالمال.

هذه الكراهية حشدت في صفها مجموعة من المتناقضات ضمن شبكات أخرى أصغر وأكثر تناقضا واضطرابا، إذ وجد بقايا ما يمكن تسميته بـ “اليسار السياسي” حاجتهم بدعم إماراتي في مؤسسة “مؤمنون بلا حدود” التي شيطنت الحركات “الإسلامية السياسية” تحت اسم “أنسنة الإسلام”، كما وجد عدد ممن يسمون أنفسهم بـ “التنويريين” مثل عدنان إبراهيم ومحمد شحرور والسيد ولد أباه حاجتهم ومطلبهم هناك، ففتحت لهم شاشاتها ومؤسساتها وأموالها ليصدروا الخطاب التنويري، بجانب عدد من الدعاة الأصغر مثل الداعية الأردني -الحاصل على الجنسية الإماراتية- وسيم يوسف.

اجتمعت شبكة “الكراهية المعتدلة” إذن، وصارت اللحظة مواتية مرة أخرى بسقوط الإخوان المسلمين بتسهيل من الذراع الإماراتي الخشن لها بالعسكرة والمال، وبمباركة من الذراع الناعم لها بالشرعنة الدينية ودعم الثورات المضادة وتخوين وتكفير “الإخوان المسلمين”، والدعوة لقتلهم لعرابي هذه الشبكة الذين كانوا حاضرين دائما في محافل السفيه السيسي والداعمين لإيقاف “التخريب” و “الإرهاب” الذي حملوا وزره للربيع العربي، فانتقل اللعب إلى مستوى آخر مختلف تماما.

حرق الربيع

بعد عام واحد من الانقلاب الدموي في مصر وصعود الثورات المضادة في اليمن وسوريا وليبيا حضر الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى أبو ظبي ليعلن عن “لحظة تاريخية في هذا الشهر الكريم (رمضان) والبلد الطيب (الإمارات) يجتمع بها علماء وحكماء العالم الإسلامي، ويدعون إلى ترك الشقاق والخلاف والاقتتال الداخلي في الحروب الصغيرة الدائرة بين الأهل والبلد الواحد بسبب أجندات سياسية داخلية”، في كلمات قالها في حفل إطلاق “مجلس حكماء المسلمين” الذي أكد أنه “مستقل ولا يعبر عن أي سياسات قـُطرية ولا عالمية، وقد ولد مستقلا وسيظل مستقلا” بحسب تعبيره.

بطبيعة الحال، لا يمكن لشيخ “الاعتدال” بنسخته الإماراتية أن يعلن المعركة، خصوصا أن رئاسة “مجلس حكماء المسلمين” مشتركة مع رئيس منتدى “تعزيز السلم” عبد الله بن بيه، فتركوها للحاضرين والمتابعين القريبين من دوائر الحكم الإماراتية، ليكشفوا عن الأهداف الحقيقية للمجلس، متمثلة في سحب البساط من تحت أقدام الحركات والأحزاب والتنظيمات التي تخدم الإسلام، وخصوصا حركة الإخوان المسلمين، إضافة لوظيفة دينية أخرى للمجلس متمثلة في تعرية ضمنية لما يسمى باتحاد علماء المسلمين، ساعية أن يحل “التصوف السياسي” مكان “الإسلام السياسي”!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...