سليم عزوز يكتب : تعديل الدستور المصري في آذار

لا يحتاج المرء إلى “مصادر” ذات طبيعة خاصة، ليعرف أن القوم عقدوا العزم على تعديل الدستور في شهر آذار/ مارس المقبل، فقد خرج الأمر من دائرة الحكم الضيقة، إلى الدائرة الأوسع له، لتمهيد الأجواء لهذا الإجراء/ الجريمة!

دستورياً، فإن المواعيد المنظمة لعملية التعديل، تجعل من إجراء الاستفتاء على خلال شهر آذار/ مارس من الصعوبة بمكان، لا سيما وأن المادة (226) من الدستور تنص على أن تعديل الدستور يمر بأكثر من إجراء:

الأول: تقديم طلب التعديل من رئيس الجمهورية أو خُمس أعضاء مجلس النواب، على أن يناقش مجلس النواب طلب التعديل كليا، أو جزئياً، خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسلمه.

الثاني: أنه في حال الموافقة من حيث المبدأ، تتم مناقشة التعديل بعد ستين يوماً من تاريخ هذه الموافقة!

الثالث: يكون العرض على الاستفتاء خلال ستين يوماً، من تاريخ موافقة البرلمان النهائية!

بيد أن الوقت يداهم الزلمة، ولا يوجد أمامه سوى هذا العام لينجز فيه هذه الرغبة الجامحة؛ لأنه إن تأخر لشهر حزيران/ يونيو المقبل في إنجازها، سيكون البرلمان قد دخل في العطلة الصيفية، وعند عودته في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل يكون على أهبة الاستعداد للانتخابات البرلمانية الجديدة، التي ستجرى في سنة 2020، وبعد عدة شهور من عودة الانعقاد. وليس منطقياً أن يجرى استدعاء الشعب مرتين، الأولى للاستفتاء، والثانية للانتخابات في فترة وجيزة، ولا يريد عبد الفتاح السيسي أن يغامر، بانتظار البرلمان الجديد؛ لأنه وإن بدت الأمور قبضته، فإنه ليس مغامراً بطبيعته، ولأن كون الانتخابات البرلمانية على الأبواب سيجعل من كل نائب من النواب الحاليين يبذل كل ما في وسعه في الحشد والدعاية، حتى يعاد اختياره نائباً في البرلمان الجديد، من قبل الأجهزة الأمنية التي تدير البلد!

واللافت، أنه على الرغم من أن الفترة الزمنية المتبقية حتى شهر آذار/ مارس تكفي بالكاد لتقديم طلب التعديل، فإنه لا تزال كل البدائل مفتوحة، ولم يتم تبني أي من هذه الخيارات، وهى تدور حول تعديل المادة الخاصة بدورة الرئاسة، من دورتين إلى مدد مفتوحة، أو أن يتم الاكتفاء بفتح مدة الرئاسة لست سنوات بدلاً من أربع. ولم يتم الاتفاق على ما إذا كان المد (سواء في المدد أو في عدد سنوات المدة الواحدة) بشكل عام، أم أن يكون الأمر استثناء لصالح السيسي فقط باعتباره عبقري زمانه، والذي لا غني للأمة عنه، باعتباره “الرئيس الضرورة، وغيره (بعد عمر طويل) تنتفي عنهم صفة “الضرورة”!

لو كان الأمر بيده لفتح المدتين إلى مدد، والمد في عدد سنوات المدة الواحدة إلى ست سنوات، لكنه يحتاط لرفض أمريكي، أو حراك شعبي يجلب رفضاً أمريكيا بالضرورة، لذا فقد وضع البدائل بهدف الاحتيال، فقد يرضى بمجرد عامين إضافيين، وبعدها قد تكون الفرصة مواتية لتعديل أكبر، وإن كان هناك من يرون بأن يأخذ بالخيار الأول على قاعدة “وجع اليوم ولا كل يوم”. وواشنطن تبدو مشغولة بملف خاشقجي، وليس لديها استعداد لأن تخسره وتخسر محمد بن سلمان في “ضربة واحدة”، فإلى الآن يحاول ترامب حماية ولي العهد السعودي، وإن لم يكن مقتنعاً بقدرته على حمايته للنهاية!

في الوقت نفسه، فإن هذا الظرف مناسب جداً، لا سيما وأن السيسي قد أمكنه إسكات معارضيه، بعد الزج بأكبر عدد منهم إلى السجون. ولا تزال السكين على رقبة كل من في الداخل، لدرجة اعتقال كاتب لمجرد أنه كتب أن مصر دولة غنية، وكان بذلك يضرب “المربوط ليخاف السايب”!

من المقرر ألا يقتصر التعديل على المواد الخاصة بانتخابات رئيس الجمهورية، ولكنه سيمتد ليشمل إحداث غرفة برلمانية ثانية، بعودة مجلس الشورى تحت مسمى “مجلس الشيوخ”. ولم تحدد اختصاصاته بعد، وقد بعثت الغرفة الثانية في عهد الرئيس السادات بهدف خلق مجلس منتخب صورياً (ثلث الأعضاء يعينهم رئيس الجمهورية) للقيام بدور المالك للمؤسسات الصحفية القومية، بعد الأخذ بنظام التعددية الحزبية في سنة 1977، وكانت هذه المؤسسات تخضع (قانونا) للمؤسسة الحزبية الوحيدة، “الاتحاد القومي”، ثم “الاتحاد الاشتراكي”. وكان الأخذ بالنظام الغربي في عهد السادات يلزمه ألا تكون الصحف القومية تابعة للسلطة، فكان لا بد من البحث عن مالك صوري، يملك ولا يحكم، فكانت فكرة مجلس الشورى!

وإذا كان الدستور قد نص على وجود هيئات مستقلة (صورياً) للقيام بدور مالك الإذاعة والتلفزيون والصحف، المملوكة للدولة، فقد تلغى لصالح الغرفة البرلمانية الثانية التي تقرر إعادة بعثها من جديد، والهدف من ذلك ليس البحث عن مالك للصحف، ولكن لتوسيع دائرة المنتفعين بالسلطة، فيتزاحمون لحشد الناس للفوز بإحدى الحسنيين: عضوية مجلس النواب، أو عضوية مجلس الشيوخ، بالتعيين، أو بالانتخاب الذي تحدد الأجهزة الأمنية من سيفوزون فيه!

ولهذا، فبعد أن تم الإعلان عن إعادة تعيين أعضاء الهيئات الإعلامية الثلاث هذه الأيام، بما يتفق مع قانون الإعلام الجديد، فيبدو – إلى الآن – أن الانتصار هو لصالح تأجيل هذا إلى ما بعد تعديل الدستور، فإن تم الاتفاق على أن مجلس الشيوخ سيسترد صلاحيات مجلس الشورى في القيام بدور المالك للمؤسسات الصحفية القومية، فبها ونعمت. وأصحاب هذا الاتجاه يرون في العموم ضرورة ترك المؤسسات الحالية مستقرة؛ لأنها أصبحت صاحبة خبرة في إدارة المشهد الإعلامي، بما يجعلها الأكثر تأهيلا لاستكمال المهمة في مرحلة التعديلات الدستورية!

وهذا الاتجاه لم ينتصر إلى الآن بشكل كامل، فأحد الأجهزة الأمنية يدعو إلى ضرورة التغيير الآن؛ لأن أداء هذه المؤسسات لم يكن بالشكل الذي يدفع للإبقاء عليه ولو لشهر واحد!

ورغم هذا، فإن السيسي لا يسلم تماماً بقدرته على إنجاز التعديلات الدستورية، فيضع خطة بديلة في حال فشله، وهي تكرار تجربة بوتين، باستدعاء مرشح ضعيف يكون رئيساً صورياً، يمكن صاحبهم من الحكم في وجوده مثل “المؤقت” عدلي منصور. وقد يقبل السيسي بهذا الخيار من باب أن “المضطر يركب الصعب”، وإن كان معارضوه في حالة استسلام كامل له، وإيمانهم في قدرته على الفعل يفوق إيمانه هو بهذه القدرة!

فما هي خطة المعارضة لمواجهة هذا الطموح، لا سيما وأن الدستور نفسه في مادته (226) ينص على عدم جواز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، ولو بموافقة الشعب المصري كله؟!

في الحقيقة، لا خطة هناك ولا رؤية، ولم تكن هناك خطة لأي شيء في أي وقت، ولهذا فقد فاجأهم السيسي في كل مرة، فأفقد معارضيه القدرة على التصرف. فليس سراً أن معارضيه لم يكن لهم خطة إذا أقدم على فض اعتصام رابعة بالقوة، فلما أقدم على هذا، كان الأداء ارتجالياً أنتج فشلاً ذريعاً إلى الآن، بل إنهم عدما قادوا الحراك الثوري بعد الانقلاب، وبعد الفض، لم تكن لديهم رؤية أيضاً، فقادوا الناس في مظاهرات بدون هدف أو رؤية!

وعندما يصل العجز على الفعل لهذه الدرجة، فلا بد من استدعاء شطحات المتصوفة، فمصر التي عرفت “لعنة الفراعنة”، عرفت كذلك “لعنة الدستور”!

السادات عدل الدستور ليمكن نفسه من أن يكون رئيساً مدى الحياة، بعد أن كان النص هو لدورتين فقط، فمات قبل أن يكمل دورته الثانية!

ومبارك الذي كان الحديث في عهده عن تعديل الدستور من المحرمات، اضطر لتعديله بضغوط خارجية، ليسمح بالانتخاب بدلاً من الاستفتاء، ليستفيد منه نجله في المستقبل، فيخوض الانتخابات الرئاسية بمقتضى هذا التعديل، فلم يكمل مبارك دورته، ولم يخلفه نجله.

“والله غالب على أمره”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...