وائل قنديل يكتب : كالمستجير من الجزار بالسيسي

z

 

قبل ساعات من اقتحام قوات نظام عبد الفتاح السيسي مبنى نقابة الصحافيين المصريين، واختطاف اثنين من المحرّرين المعتصمين بها، كان الحقوقي البارز والمرشح السابق لانتخابات الرئاسة المصرية، يطلق نداء إلى نقباء المحامين، الصحافيين، الأطباء، المهندسين، يقول فيه “نحتاج إلى تحرككم بشكل جماعي، دفاعاً عن حقوق المهنيين والشعب المصري، لعل هذا التحرك يشكل نواة لاتحاد حقيقي وفاعل للنقابات المهنية المصرية.. اتحادكم الآن ضرورة وطنية”.

 

لم تمض سويعات، حتى كان الغزاة يجتاحون بيت الصحافيين الذي تحول قبلة لكل ذي مطلب أو احتجاج أو مظلمة، ودخلت درجات سُلامه تاريخ الغضب المصري منذ سنوات، وكان مقرراً أن يحيي العمال عيدهم فيه أول من أمس، لولا أن قوات الأمن سدّت المداخل، وأقامت الحواجز، ولم تسمح لأحد بالوصول.

 

ليست الهجمة، إذن، على الصحافيين فقط، بل يمكنك أن تعتبرها ضربةً استباقية، مجنونة، لكل احتمالات الغضب المهني والنقابي، الجماعي، بمواجهة سلطةٍ باتت تفاخر باستبدادها، ولا تواريه، أو حتى تغلفه في عباراتٍ أو مسمياتٍ مخففة: نحن نسحقكم ونهينكم، ونكسر عظامكم، قبل أن تفكروا في التحرك.. تلك هي الرسالة التي يوجهها النظام، بمنتهى الدقة في اختيار العنوان والتوقيت.

 

من هنا، تبدو استغاثة نقيب الصحافيين بعبد الفتاح السيسي من وزير داخليته، وأيضاً مداخلات استرحام الجنرال الأكبر للجم الجنرال الأصغر، نوعاً من خداع الجماهير، وخداع الذات، ومحاولة لابتذال القصة كلها، وتسخيفها من خلال كلام النقيب عن “ثورتين”، واعترافه تلفزيونيا بأن النقابة كانت بصدد تسليم المعتصمين للأمن، لكنهم تعجلوا الاقتحام، أو أن يخرج “محرّر صياغة أحلام السيسي ومسربها” على الفضائيات، ليقول إنه اتصل بالرئاسة، فأجابوه بأنهم لا يعلمون شيئاً عن الاقتحام، وغير راضين به، لتشتغل بعدها جوقة تسريبات الإلهاء والتخدير، مروجةً معلومات عن التضحية بوزير الداخلية في غضون ساعات، على غرار التضحية بوزير عدل السيسي السابق، أحمد الزند.

 

قمة العبث أن يفترض أحد أن وزارة الداخلية تسلك على هذا النحو، بمعزل عن سياسات عامة للنظام، أو أنّ وزير الداخلية يمكن أن يُقدم على ارتكاب محاولة “تحرّش سياسي” من دون توجيه، أو على الأقل استئذان، من الرئاسة، فالثابت أن وراء اختيار هذا الوزير المستشار الأمني لعبد الفتاح السيسي، وشريكه في التخطيط لمؤامرة الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، وأعني اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية الذي رعى جريمة أحداث الاتحادية وحماها.

 

واسمح لي أن أعود بك إلى ما سجلته عما جرى في ديسمبر/كانون الأول 2012، حين احتفل وزير الدفاع، عبد الفتاح السيسي، ووزير الداخلية أحمد جمال الدين، بوضع حجر الأساس لعملية الانقلاب على الرئيس المنتخب، محمد مرسي.

 

كان اللقاء في نادي الشرطة بالقرب من نادي الجزيرة، حين التقى السيسي رئيس طائفة العسكر، على رأس وفد من المجلس العسكري (مجمع الجيش المقدس) برئيس طائفة الشرطة، أحمد جمال الدين، وزير الداخلية الذي فتح الطريق أمام جمهور الفلول والبلاك بلوك، للاعتداء على القصر الرئاسي، ورفض الرد على مكالمات رئيس الجمهورية.

 

وانتهى اللقاء بأن وجه رئيسا الطائفتين دعوة لمن سمّياهم “القوى السياسية”، للقاء في ملعب 30 يونيو، إعلانا عن بدء استيلاء المؤسستين الأمنيتين على المشهد السياسي، خروجاً على رئيس الجمهورية.

 

فيما بعد، وقع اختيار جمال الدين شريك السيسي في مشروع الانقلاب، ومستشاره الأمني حاليا، على اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية الحالي، الذي وعى درس إطاحة سابقه، محمد إبراهيم، جيداً، وقرّر أن يكون منفذاً لما تريده الرئاسة التي عينته، بالحرف الواحد، ومن دون اجتهاد أو مبادرات.

 

وعلى ذلك، سواء تم الاحتفاظ بوزير الداخلية في منصبه، أو إطاحته، فإن هذا لا يعني أن الاقتحام المهين لنقابة الصحافيين كان مجرد خطأ، أو جريمة بوليسية، ارتكبت من دون علم رئيس النظام أو موافقته، بل المعلوم، حد الثبوت، أن الأمر كله رسالة سياسية عنيفة، أرادوا توصيلها، في هذا التوقيت بالذات، مضمونها: لا أحد في مأمن من البطش والعقاب، إذا عصى المشيئة السيسية، ومارس نوعاً من الاحتجاج، على بيع الجزر، أو بيع الوطن كله.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...