قمع السيسي يهدر مستقبل مصر بهجرة العقول والشباب

“قالت تسافر يا فتى .. وتفارق الوجه الحسن .. فأ جبتها بتذلل والقلب يعلوه الشجن .. هم المعيشة فرقت بين اﻷحبة والوطن” كلمات للشاعر يوسف الشربيني ،يكشف عما تحمله في طياتها منظومة متكاملة شارحة ﻷسباب الهجرة من جمهورية مصر العربية.

وقد أثارت تدوينة من المراقب والناشط السياسى أحمد غانم حول “هجرة المصريين” من مصر لدول أوربا وأمريكا وكندا، زيادة أوجاع المصريين على حال مصر فى عهد الانقلاب العسكرى، خاصة بعدما كشفت عدة مواقع وتقارير أن العقول المستنيرة والكفاءات هى من تهاجر خارج مصر.

أحمد غانم ألقى قنبلة صوت فى ميدان خاوى فأحدث صدى كبيراً بين المتابعين بعد تأكيده أن أعدادا طبيرة من الشباب المصري قد وصل أمريكا أو كندا أو أوروبا كبيرة للغاية، معتبرا أن من يخرج لا يعود وتنقطع صلته بمصر وبالوطن العربي.

هجرة محببة للعسكر

وكانت دراسة قد حذرت من تدهورا فى مصر بسبب استمرار حكم العسكر بسبب هجرة العقول التى تشهدها مصر حاليا، وموت السياسة الذي يؤدي إلى ضعف السياسيين، وتنامي دور الضباط (العسكر) على حساب البيروقراطيين (المكون الرئيسي للحكم والإدارة) مضيفا أن كفاءة الأفراد سوف تعاني مزيدا من التدهور.

ونبه الباحث أحمد محسن إلى أن الأنظمة المتعاقبة بعد يوليو 1952 ظل التحالف مع البيروقراطية المصرية والضباط من أجل إدارة الدولة هو القاسم المشترك فيما بينها.

وأشارت الدراسة -التي نشرها المعهد المصري للدراسات، بعنوان “من يصنع السياسات العامة في مصر؟”- إلى أنه مع التدني الواضح في مستوى هذه النخبة التي تدير الدولة مع مرور الزمن فإن ضعف نخبة الحكم والإدارة يمكن أن يقدم تفسيرا جزئيا لماذا لم يحدث تغيير في السياسات العامة في مصر.

اللى مش عاجبه يغور

ولم يكن هروب المصريين من الدولة مجرد احتقان فقط، بل إيذاء نفسى لهم حاجة بعد سلسلة الشتائم والإنتهاكات التى تعرضوا لها من أذرع الانقلاب الإعلامية والتى كان على رأسها “تامر أمين” الذى أعلنها صراحة .حيث قال الإعلامي تامر أمين، أن اللي مش عاجبه البلد والظروف الاقتصادية في البلد ياخد باسبوره ويغور.

وأضاف فى برناجه الذى توقف مؤخرا “الحياة اليوم”:، “اللي فاكر شوية معاناة أو رفع أسعار أو قطع كهرباء في الصيف، دة عيشة متتعاشش أنا بقوله خد باسبورك، ويورينا عرض كتافه.وأضاف حدود مصر مفيش أطول منها، نقي أكبر حد وغور.

خروج “خلاصة الخلاصة”

“المراقب السياسى” أحمد غانم زاد فى الأمر، قائلا:كل يوم يمر عليك في بلاد الهجرة ترتبط بها أكثر ومستحيل تقدر تخرج منها وتروح أي حتة ولو حتى بلدك الأم..اللي علاقتك بيها بتقى شوية ذكريات طفولة ومراهقة وخلاص.

ويضيف:للأسف من يتصل بى في دائرتى الضيقة يعتبروا شباب من “خلاصة الخلاصة “في مصر…مبدعين وفنانين ودكاترة ومهندسين ومدرسين ومفكرين وكتاب وإعلاميين ومحاسبين.مردفا:يعني توليفة تقوم حضارة مش بس دولة…لكن للأسف بدل ما بيقودوا مصر..اتسلط عليهم أوسخ خلق الله..وأصبح منفذهم الوحيد هو الهروب منها.

ويتابع:ده نزيف عقول وقلوب وعزيمة لا يقدر بمال..الشباب دول وأمثالهم من المقهورين في مصر هما الثروة الحقيقة لبلد عظيمة بس للأسف بيقودها شوية معرصين وعلى رأسها أراجوز شحات اسمه السيسي..للاسف..لو استمر النزيف ده بالشكل مش هينفع البلد تتصلح تاني ولو حتى لو العرص السيسي غار في ستين داهية..لإن الناس اللي خرجت دي مش هترجع تاني، وفق حديثه.

هروب الرياضيين

كما عززت معاناة أبطال رياضيين في مصر من الإهمال في الألعاب الفردية، المعروفة بـ”الشهيدة”، الشعور داخلهم بأنهم لا قيمة لهم في بلدهم. ودفع ذلك البعض من الشباب إلى ولوج طريق آخر مغر ماديا ومعنويا وهو التجنيس. ورغم المكاسب التي ينالها الرياضيون المجنسون، تبقى إنجازاتهم منقوصة وتفتقد إلى الانتماء الحقيقي الذي لن يجدوه في وطنهم الجديد.

وسبق وأن قرر لاعب منتخب مصر للمصارعة محمود فوزي للهروب،وقام بارتداء قميص المنتخب الأميركي، وكتب الشاب العشريني معلقا على الصورة “أنا في ولاية كاليفورنيا وموعدنا أولمبياد طوكيو إن شاء الله”، في إشارة إلى أنه سوف يلعب لصالح المنتخب الأميركي. وكشفت كلمات اللاعب عن وقوع شعودره بالاهمال أحد الضحايا فى دولة العسكر.معاناة المصارع محمود فوزي تعود إلى مايو الماضي، عندما قرر الاتحاد المصري للمصارعة إيقافه مدة عامين.

قصة محمود ليست الأولى ،فقد سبق هروب لاعبيين آخرين في ظل الإهمال الذي يعاني منه الرياضيون من قبل المسؤولين عن الرياضة في مصر، ومنهم المصارع طارق عبدالسلام اختار ارتداء قميص بلغاريا، وحسن عواض ومعاذ محمد، لاعب المنتخب المصري لألعاب القوى “رمي القرص”وغيرهم من العقول والأبطال المصريين بلغ وفق تقارير شبه رسمية إلى 200 لاعب من مختلف الألعاب الشهيدة.

أسباب الهجرة

فى حين يشير الباحث أحمد محسن، على تراجع دور رجال الأعمال بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة على عكس ماكان قائما خلال آخر عشر سنوات في حكم مبارك، وتراجع في أدوارهم، ربما لانسداد قنوات الاتصال المباشرة بين النظام ورجال الأعمال في المجالات الاقتصادية، لكن هذا لايعني نهاية التحالف بقدر ما يعكس تشكل تحالفات جديدة، تأخذ شكل التابع والمتبوع.

وكذلك تزايد دور ضباط الجيش الحاليين والسابقين في تولي المواقع التنفيذية، واضح على مستوى المحافظين ومؤسسات وهيئات تابعه للجيش، ودور الجيش في الاقتصاد والإدارة ليس جديدا لكن وتيرة التسارع في هذا الدور هو الجديد ووصوله إلى مساحات جديدة.

يأس وإحباط

وأعترف عمار على حسن، أستاذ علم الاجتماع السياسي وأحد المقربين من دولة العسكر، إن نسبة الشباب المصري، الذي طلب الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي بلغت 750 ألف شاب فى 2016، واصفًا إياها بـ”النسبة المفزعة”، معتبرًا أنها ترتبط بحالة اليأس والإحباط التي تسري في نفوس الشباب نتيجة حالة الغموض والشكوك التي تنتاب قطاعا كبيرا منهم.

وأضاف “حسن”، خلال مداخلة تلفزيوينة على قناة “الغد”، أن :هؤلاء الشباب من خيرة شباب مصر حيث إن كلهم من حاملي المؤهلات العليا ويجب على الدولة أن ترتعد من هذا الرقم الكبير لأن ما يحدث هو هجرات جماعية للشباب للهروب من البلد وهي ظاهرة مرعبة.

 

تداعيات كارثية

عبد الحافظ الصاوى الباحث والخبير الإقتصادى،إن هناك عوامل كثير على الصعيدين السياسي والاقتصادي أدت لهجرة المصريين، إلا أن الاطلاع على أعداد المهاجرين يظهر أن ثورة 25 يناير 2011 كان لها أثر واضح على تراجع أعداد المهاجرين، كما أن الانقلاب العسكري في يوليو 2013 أدى إلى عودة ارتفاع أعداد المهاجرين مرة أخرى، بل وبأعداد أكثر مما كانت عليه من قبل.

ويؤكد “الصاوى” فى بحث نشر له بدءًا من عام 2013، الذي شهد في منتصفه انقلابًا عسكريًا على التجربة الديمقراطية الوليدة، وعلى أول نظام مدني تشهده مصر، منذ عام 1952، حيث صودرت الحريات، وعادت الأحكام العرفية، وتجاوزات الشرطة بلا حدود، بل ووصل الأمر لانتشار التصفيات الجسدية للمعارضين السياسيين، وسيطرة الجيش على مقدرات الحياة الاقتصادية المدنية، وتدهور العديد من المشكلات الاقتصادية الكلية.

ويشير ،كان من الطبيعي أن تعود الرغبة لدى شريحة ليست بالقليلة من المجتمع المصري للهجرة للخارج، وهو ما عكسته البيانات الخاصة بنتائج تعداد 2017 للسكان، حيث تبين أن عدد المصريين المهاجرين بالخارج قفز من 6 مليون مهاجر في 2006 إلى 9.5 مليون مهاجر في 2017.

لقد زاد عدد المهاجرين خلال الفترة من 2013 – 2017 بنحو 3.5 مليون مهاجر، أي بما يزيد عن 50% عما كان عليه الوضع في 2006. وبذلك فقد تجاوز عدد المهاجرين في عهد الانقلاب العسكري في عام 2017 عدد المهاجرين في عام 2010، والذي كان يعتبر أعلى معدل للهجرة في تاريخ مصر بنحو 9.1 مليون مهاجر.

واعترف الباحث أن من أهم أسباب هجرة المصريين للخارج، تردي الأوضاع الاقتصادية، وبخاصة بعد انقلاب 3 يوليو 2013، حيث يعاني الكثير من الممارسات السياسية والأمنية بصورة غير مسبوقة، فضلًا عن سيطرة الجيش على مقدرات الحياة الاقتصادية المدنية، ومزاحمة القطاع الخاص، في مجال التشييد والبناء ومشروعات البنية الأساسية، ومجالات التصدير والاستيراد، حتى وصل الأمر لأن ينشئ الجيش مدارس خاصة وصيدليات وكليات الطب، وغيرها من الأمور التي كانت تمثل أنشطة مفتوحة للقطاع الخاص.

وقال إنه يتوقع أن يستمر تيار الهجرة للخارج خلال المرحلة المقبلة ما لم تشهد مصر تحسننًا على الصعيد السياسي والأمني، ومجال حقوق الإنسان، فالمهاجرين بعد انقلاب 3 يوليو 2013، منهم أعداد لا بأس بها من معارضي الانقلاب العسكري، والمضارين منه، حيث خرجوا بأسرهم، وبعضهم استطاع أن يخرج بما تبقى له من أموال لم تصادرها حكومة الانقلاب العسكري.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...