قضية جمال خاشقجي رحمه الله ينبغي أن تذكّر العالم بقضايا الحريات وحقوق الإنسان والعدل في كل مكان، هناك جحافل من الأحرار في سجون الصهاينة، وأضعاف أضعافهم في سجون بعض العرب، وكثير منهم يموتون يوميا، لا ينسى مسالخ المجرم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ونظيره بشار الأسد إلا من فقد الضمير، جمال كان صوتا لهؤلاء، ودمه يذكّر بهم.
وفي غفلة من المراقبة الدولية أو قل التواطؤ اكتسبت أجهزة التعذيب والقمع في مصر خبرات متراكمة عبر تاريخها الطويل الذي يمتد إلى ما يزيد عن قرن من الزمان، وتحديدا إلى عام 1910 الذي شهد تأسيس أول جهاز أمن سياسي في مصر على يد الاحتلال البريطاني، ويعد التعذيب والقتل والإخفاء القسري من أبرز القضايا التي تصدر فيها العسكر منصة الريادة في العالم العربي.
وليس أدل على ذلك من تصفية الشاب عبد الرحمن إبراهيم محمود، وشهرته “عبد الرحمن الجبرتي”، ابن محافظة السويس، والبالغ من العمر 25 عاما، داخل سجون الانقلاب، ففي حين ترددت الأنباء عن وفاته بالإعدام شنقا، يشكك حقوقيون في تلك الرواية، ويؤكدون قتله تحت التعذيب.
وكتب الحقوقي هيثم أبو خليل، عبر صفحته على فيسبوك: “الأمر المؤكد الآن: استشهاد شاب مصري زي الفل داخل محبسه، ولم يتسن بعد معرفة سبب الوفاة، هل الوفاة طبيعية أم جراء تعذيب أم اعتداء، لكن موضوع الإعدام شنقًا غير صحيح”، مضيفا: “تواصلت مع عائلة عبد الرحمن الجبرتي، وبالفعل تم الاتصال بهم لاستلام جثمانه نتيجة وفاته داخل محبسه وليس بسبب تنفيذ حكم الإعدام، وجارٍ التحقق من سبب الوفاة داخل محبسه”.
حكاية حلاوة
ونشر موقع قناة “سكاي نيوز” تقريرا للمحرر السياسي دومينيك واغورن، يقول فيه إن السجين المصري الأيرلندي السابق “إبراهيم حلاوة”، تذكر التجربة المروعة له في سجون السفيه السيسي، ويشير التقرير إلى أن حلاوة كان عمره 17 عاما عندما اعتقل بسبب مشاركته في تظاهرة سلمية ضد الانقلاب العسكري؛ حيث جعله التعذيب والضرب شاهدا على التعذيب المروع الذي مورس ضد الآخرين، لافتا إلى أنه اعتقل لمدة أربعة أعوام في مراكز تعذيب يديرها الجيش المصري والسجون المدنية، وكان واحدا من القلائل الذين ظهروا بشجاعتهم لرواية قصتهم.
وتحدث حلاوة إلى “سكاي نيوز” عن صورة مروعة، وناشد الحكومة البريطانية إعادة النظر في دعمها للسفيه السيسي، ويذكر واغورن أن هناك أكثر من 60 ألف سجين ممن تم اعتقالهم وسجنهم على يد سلطات الانقلاب يقبعون في السجن، وكان إبراهيم من أوائل الذين تم اعتقالهم على يد الجنود الذين قمعوا التظاهرات السلمية التي احتجت على الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي.
ويلفت الموقع إلى أنه يعتقد أن هناك حوالي 1600 شخص تم قتلهم في شوارع القاهرة في عام 2013، فيما اعتقل الآلاف، مشيرا إلى أن حلاوة تذكر بعد أكثر من أربعة أعوام اللحظة التي وصل فيها هو وبقية المعتقلين إلى السجن لأول مرة، وينقل التقرير عن حلاوة، قوله: “فتحت الأبواب الكبيرة في اللحظة التي نزلنا فيها من العربات العسكرية، وكانوا يعدون السجناء بالعصي، القضبان الكبيرة، وكانوا يضربونك وأنت تدخل السجن”.
لحم السجناء مقطع
ويضيف حلاوة: “بعدها تشاهد صفا كبيرا من الجنود، كل واحد منهم يحمل سلاحه – بعضهم يحمل سوطا فيما يملك الآخرون بندقية- وأي شيء يمكنهم الحصول عليه، ويصرخون عليك بالركض مثل الدجاج، وعليك الركض”، ويفيد الكاتب بأنه تم اعتقال حلاوة لمدة أربعة أعوام وشهرين، تنقل خلالها ما بين تسعة سجون، وكانت الزنازين مزدحمة وقذرة، وتعيش فيها الحشرات والقمل، ويشترك 65 شخصا في حمام واحد، لافتا إلى أن السجناء تعرضوا بشكل يومي للتعذيب، وسمعوا وشاهدوا عمليات الضرب وعمليات لواط بالمساجين.
وقال حلاوة للموقع: “كان هناك أشخاص أمامي يخرج الدم وقطع من اللحم منهم، كانت صورا رهيبة، وكانوا يمسكون عصا ويغرزونها في الخلف، في مؤخرة المعتقل”، ويضيف حلاوة: “ستعيش هذه الصور كلها حتى هذا اليوم، وبالطبع فأنا شاب، وستظل هذه الصور معي ولن تختفي، ولن يقوم شخص بمحوها من خيالي”.
وينوه الموقع إلى أنه لا يزال هناك الآلاف من المعتقلين المدنيين في السجون، جرمهم الوحيد هو انتقاد الانقلاب، أو الاحتجاج ضده، وهم من مجالات الحياة كلها، ويورد التقرير نقلا عن حلاوة، قوله: “كنت أفضل وصف السجن بأنه مصر الصغيرة؛ لأن هناك مزارعين وأطباء ومحامين، وكان هناك من قطاعات المجتمع اعتقلوا على ذمة القضية ذاتها”، ويضيف: “بعد ذلك كانت هناك معارضة أكثر في مصر، ما جعل السجن أكثر تنوعا، حيث صاروا يعتقلون أي شخص، وهكذا يتصرف الديكتاتور، فهو يدير البلد بالقوة، وعندما يصدر أوامر فإنه لا يسمع إلا صدى صوته”.