الأسباب الحقيقية وراء رفض أردوغان رشوة السعودية لإنهاء أزمة خاشقجي

خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الثلاثاء 23 أكتوبر، الرافض للرواية السعودية التي تزعم أن الصحفي جمال خاشقجي “توفي” إثر شجار داخل مقر القنصلية السعودية بإسطنبول، يتسق تمامًا مع موقفه في بداية الأزمة، والذي رفض خلاله تسوية سرية للأزمة، بحسب ما كشفت عنه صحيفة “نيويورك تايمز”، اليوم الثلاثاء، بأن الأمير خالد الفيصل، مستشار الملك سلمان، عرض على الأتراك خلال زيارته إلى تركيا- على رأس وفد سعودي في 12 أكتوبر- صفقة مالية من أجل طيّ قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

تمثلت صفقة التسوية في إغراءات مالية واستثمارات داخل تركيا، ومساعدات لتحسين وضع الاقتصاد التركي ومواجهة تراجع العملة، وإنهاء حصار قطر الحليف الوثيق للنظام التركي، لكن الرئيس التركي رفض العرض من حيث المبدأ ووصفه بالرشوة السياسية.

وخلاصة خطاب أردوغان أن بلاده مصممة على كشف الحقيقة في جريمة اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده، يوم 02 أكتوبر الجاري، وأن بلاده لا تقبل بالاكتفاء بتقديم 18 مسئولا ككبش فداء، مؤكدا أن بلاده تملك أدلة قوية على أن الجريمة مدبر لها قبلها بأيام، متسائلا: لماذا لم يكشف عن مصير الجثة إلى يومنا هذا؟، وطالب بمحاكمة المتورطين في الجريمة الوحشية من أسفل هرم السلطة في السعودية إلى أعلاه، في إشارة واضحة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

هذا الكلام الهدف منه نسف الرواية السعودية التي تزعم أن خاشقجي “توفي” في شجار داخل القنصلية، بما يعني أنه مات بغير قصد ولا تخطيط ولا ترتيب، في سعي حثيث لإبعاد ولي العهد محمد بن سلمان عن أي مساءلة قانونية أو محاكمة بشأن الجريمة التي تتدحرح بشكل سريع، وربما تفضي إلى إجراء محاكمة دولية للمتورطين فيها.

توريط تركيا 

لماذا رفض أردوغان هذه الصفقة السعودية رغم أنه من باب المصالح، فإنها سوف تفيد الاقتصاد التركي كثيرا وتحسن وضع أردوغان السياسي أمام منافسيه من الأحزاب التركية؟

السبب الأول: هو أن أردوغان لا يرى ما جرى لخاشقجي مجرد جريمة اغتيال، فلم يكن الهدف مطلقا هو مجرد قتل خاشقجي وإلا كان يمكن لابن سلمان أن ينفذ الجريمة بأي وسيلة أخرى في أي مكان آخر، باستئجار قاتل محترف في ظل ظروف غامضة دون هذا الضجيج وتلك الفضيحة المدوية.

فالهدف كان توريط تركيا في قتل خاشقجي، وبدلا من أن تكون تلك الحملة العنيفة ضد السعودية وابن سلمان كان المخطط أن تكون ضد تركيا والرئيس أردوغان، يعزز ذلك مكان ارتكاب الجريمة، والترتيب المسبق لها على أعلى مستوى، وكذلك ما كشفت عنه شبكة سي إن إن الأمريكية، أمس، حول دوبلير تم إحضاره خصيصًا للقيام بدور خاشقجي هو “مصطفى مدني”، بعد التخلص منه وإظهار ذلك أمام العالم عبر مقاطع فيديو مدبلجة، وبذلك يتم توجيه الاتهام إلى النظام التركي.

الرئيس أردوغان يرى أن جريمة قتل خاشقجي هي جريمة سياسية قبل أن تكون جنائية؛ بهدف توريط بلاده في أزمة سياسية تعصف بالنظام التركي، كما يرى الرئيس التركي أن جريمة اغتيال خاشقجي تمثل حلقة من حلقات التآمر على بلاده واستكمال محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت منتصف يوليو 2016م، والتي تؤكد الشواهد أنها كانت مدعومة سعوديا وإماراتيا بخلاف الدورين الأمريكي والإسرائيلي.

الجاني الحقيقي

هذا التصور عند أردوغان هو ما يدفعه إلى التصميم على استكمال التحقيقات وكشف الجاني الحقيقي، وهو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وربما يفضي ذلك إلى توريط كل من محمد بن زايد وجنرال العسكر عبد الفتاح السيسي، خصوصًا وأن الطائرتين اللتين أقلتا فريق الاغتيال ذهبت إحداهما باتجاه دبي والثانية باتجاه القاهرة، ما يحمل مؤشرات تورط إقليمي في الجريمة ذات الأبعاد السياسية قبل الجنائية.

السبب الثاني: أن الرئيس التركي يريد أن ينتهز هذه الفرصة لتوجيه «ضربة قاضية» لولي العهد السعودي؛ لأن أردوغان يرى أن بقاء شخصية متهورة ودموية مثل محمد بن سلمان على سدة الحكم في بلد كبير مثل السعودية، خسائره أكبر بكثير من أي تسوية تفضي إلى تحقيق مكاسب وقتية للعملة التركية أو الاقتصاد التركي، فتوجيه ضربة لتحالف بن سلمان وبن زايد والسيسي ربما يفضي إلى مكاسب تركية كبيرة على المستويين القريب والبعيد، ويدفع هذا التحالف نحو مرحلة من الارتباك سوف تسهم بلا شك في تعزيز قوة التحالف التركي القطري المدعوم من الحركات الإسلامية المؤمنة بالديمقراطية في العالم العربي والإسلامي، بشرط ضرورة توظيف هذه الأحداث جيدًا من أجل تحقيق قفزات في صراعنا مع قوى الاستبداد في المنطقة.

الدور السعودي الإماراتي المشبوه

السبب الثالث: أن الرئيس التركي يدرك أبعاد الدور السعودي الإماراتي المشبوه ضد نظامه، ومساندة تحالف الثورات المضادة لمحاولة الانقلاب الفاشلة على النظام التركي، منتصف يوليو 2016م، وكيف انحازت الرياض وأبو ظبي والقاهرة لجنرالات الانقلاب على حساب النظام المنتخب ديمقراطيا، وبذلك ربما يكون من العوامل المهمة أن يوجه أردوغان ضربة انتقامية لهذا التحالف الشرير يرد بها بعض مؤامراته ومكائده، وآخرها الحرب على العملة التركية.

ويبقى السؤال: هل جاء خطاب الرئيس التركي كما كان مأمولا منه بكشف أدق التفاصيل في الجريمة الوحشية؟

ويبدو من استقراء مفردات الخطاب أن تركيا تمنح السعودية فرصة أخرى من أجل التجاوب مع كشف المتورطين في أعلى هرم السلطة، أو الاستجابة للطلب التركي باستكمال التحقيقات مع الـ18 الذين تم توقيفهم في تركيا وفق القانون الدولي، وهو ما يمكن أن يسهم في كشف ملابسات الجريمة.

هل ستوافق السعودية على هذا الطلب السعودي؟ على الأرجح النظام السعودي لن يتجاوب، وبذلك يضع نفسه في مزيد من الحصار والشبهات مقرونة بالشواهد والأدلة التي تكشف عنها تركيا يوما بعد يوم.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...