الإسراء.. بين المحنة والمنحة

a

 

خميس النقيب :

ما من محنة الا في طياتها منحة ، وما من شدة ألا وراءها لله شدة ، وما من عسر الامعه عسرين ، هذه قوانين ربانية ، وقواعد سماوية ، وسنن الهية ، بتجلي كل ذلك من رحلتي الاسراء والمعراج …
حيث تعرض المصطفي صلي الله عليه وسلم لشدائد جمة وابتلاءات ضخمة وامتحانات صعبة ، خرج منها اقوي ايمانا واوسع صدرا واثبت يقينا واصلب عودا ، واعلي همة تمكنه من الصمود في وجه العوادى والنكبات ، وتسلحه ضد اهوال الحياة وتقلبات الدهر …!!
وهكذا المؤمن يخرج من الشدائد اكثر صمودا واقوي عزما كالذهب الاصيل يدخل النار فيخرج اكثر بريقا وأقوي لمعانا …!!
تعرض رسول الله صلي الله عليه وسلم مع صحبه الكرام لحصار خانق ثلاثة سنوات ، صنعه قساة القلوب ومعدومي الضمير وموقدي الحروب ، حتي اكلوا اوراق الشجر من شدة الجوع ، حصار مفاده لا يزوجهم احد ولايزوجون ، لا يبيع لهم احد ولا يبيعون ، لايزورهم احد ولا يزورون …!! حتي قيد لهم – من ابناء جلدتهم – من ذوي المروءة والشهامة استطاعوا ان يفكوا عنهم الحصار …
ثم توفي عمه ونصيره عمه أبو طالب الذي صد عنه كل أذي ،جاءوا إليه يقولون ابن أخيك شتم أبائنا ،وسفه أحلامنا وعاب ألهتنا ،فجاء به وقال له يا محمد دعك من هؤلاء فقد شتمت أبائهم ،وسفهت أحلامهم ،وعبت ألهتهم ،فرد النبي صلي الله عليه وسلم بقوله بيضت وجه التاريخ ،وأنارت ربوع الدنيا وأصبحت منهجا ودستورا لدعاة الأمس و اليوم والغد القابضين علي دينهم، الملتزمين بدعوته : والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري علي أن أترك هذا الدين ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ، إنه طريق الدعوات ، لو جاءوا إليه بكل الدنيا ،الشمس والقمر ،السماء والأرض ،الحجر والشجر ما تركت هذا الدين حتي يظهره الله .
وتوفيت السيدة خديجة رضي الله عنها ،التي أمنت به حين كفر به الناس ،وأعطته حين منعه الناس ،وواسته حين تخلي عنه الناس ،فلقب هذا العام بعام الحزن لا علي فقدان الاثنين فحسب، وإنما لما أصاب الدعوة من بعدهما .
وكانت الشدة الثالثة في ذهابه الي الطائف ، حيث لم يقعده اذي ،ولم يؤخره بلاء ، ولم يخلد لراحة ،ولم يقعد عن بذل ،ولم يمتنع عن عطاء ..

أمل النبي الكريم في اهل الطائف ما لم يؤمل في اهل مكة ، ورجي عندهم مالم يرجوه في مكة ،فذهب إليهم ومعه زيد بن حارثة ،يدعوهم إلي الله ، ويأخذهم إلي الحق فما انفرجت لرؤيته سرائرهم ، ولا تقبلت لرسالته بصائرهم ،ولا تفتحت لدعوته قلوبهم ،و لم يجد من صغارهم إلا هزءا ،ولم يلقي من صبيانهم إلا صدا ، ولم يري من كبارهم الا كفرا حتى سلطوا عليه سفهاؤهم فرموه بالحجارة فعاد جريح الجسد ،دامي القدمين ، تخلط دموعه بعرقه بدمائه ، وفي طريق عودته لم يجد إلا ربا يلوذ به والاه يضرع اليه وخالقا يحتمي بحماه ويبث اليه شكواه : اللهم إليك أشكوا ضعف قوتي وقله حيلتي وهواني علي الناس ،إلي من تكلني إلي بعيد يتجهمني أم إلي عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، أعوذ بنور وجهي الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل علي غضبك أو يحل علي سخطك لك ألعتبي حتى ترضي ولك العتبي إذا رضيت ولا حول ولا قوه إلا بك ..
فإذا كان الله يرفع الضر ويكشف السوء ،إذا كان الله يجيب الدعاء ويلبي النداء ، فكيف إذا كان المنادي والداعي هو صفيه من خلقه وحبيبه من عباده ، محمد صلي الله عليه وسلم …
كانت منحة في محنة ..
اعظم شدة واصعب عقبة واشد مالقي رسول الله من قريش .. كيف ؟ عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت : يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال: لقد لقيت من قومك ، فكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم – على وجهي ، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل ، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، قال : فناداني ملك الجبال ، فسلم علي ثم قال : يا محمد ! إن الله قد سمع قول قومك ، وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، ولا يشرك به شيئا متفق عليه .
وجاءت بوادر الأمل في منحة الهية ونفحة ربانية تمثلت في رحلتي الاسراء والمعراج ، لكن سبقتها اشارات علي طريق الحق ،وعلامات علي سبيل النصر …!!

جاء عداس نصرانيا يحمل قطفا من العنب ،وبدأ يأكل النبي صلي الله عليه وسلم فقال بسم الله الرحمن الرحيم – يورث آداب الإسلام ، لم ينسي ربه ، ولم يفقد مهمته رغم الاذي والبلاء – فتعجب عداس وقال هذا الكلام لا يقوله
أهل هذه البلدة ،قال النبي من أي البلاد أنت قال من نينوى – بلد في العراق –قال النبي بلد أخي يونس ابن متى ،فانكب عداس يقبل رأس رسول الله ويده وتحول الصد والإعراض هناك إلي عناق وقبلات هنا ، وأسلم الرجل في هذا الموقف .
وبعث الله نفرا من الجن استمعوا إلي القرآن وأعجبوا به ” قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدا ” الجن
فعادوا إلي قومهم دعاه صالحين مبشرين ومنذرين ومتوعدين ” يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِين ” الأحقاف .
وعاد النبي إلي مكة وفي طريق عودته قال له زيد : أترجع إليهم وقد أخرجوك .
قال النبي صلي الله عليه وسلم واثقا في نصر الله له وحفظ الله إياه إن الله جاعل لما تري فرجا ومخرجا ، إن الله ناصر دينه ومظهر نبيه ، ودخلا مكة في جوار المطعم بن عدي ،حيث أعلن في قومه إني قد أجرت محمدا ،فألبسوا أسلحتكم ، وكونوا في أركان البيت ،ثم خرج إلي مكة وقال يا معشر قريش إني أجرت محمدا فلا يجهه أحد ،وخرجت كتيبه بأسلحتها تستقبل النبي صلي الله عليه وسلم ،وتحيط به ،حتى وصل إلي الكعبة وصلي فيها ،ثم استقبل وفود الحجيج يعرض عليهم الإسلام ،حتى دخلوا في دين الله أفوجا .
ولما كان الشعار .. ” إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ” هو شعار القائد العظيم والرسول الكريم ، يبقي شعار الموحدين والصالحين المصلحين ،القائمين الدعوة مقام المرسلين الي يوم الدين …
وافرزت المحنة منحة ، وانبثق الفرج من الكرب ، وجاء اليسر بعد العسر … وكان الاسراء والممعراج تسرية عنه وتفريجا لكربه وتكريما لدعوته … فإذا كانت الأرض قد ضاقت به زرعا فتحت له السماء أبوابها سماء بعد سماء ،وإذا كان أهل الأرض قد تنكروا له ولدعوته ،فإن أهل السماء رحبوا به والتفوا حوله ،فكان قائدهم وإمامهم ، واستمعت الجن له ،وبلغت عنه ،وكانت رحلتي الإسراء والمعراج للقائد وكانت الصلاة للامة ، انطلق الاسراء من المسجد الحرام وكان الاجتماع بالانبياء في المسجد الاقصي الذي وانطلق منه المعراج ليبرز دور المسجد في الاسلام لذلك كانت فرصية الصلاة ليرتبط المسلمون بمساجدهم ففيها يعلو الخسوع والخصوع ومنها ينطلق العمل والجهاد والخلق الحين ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ” الإسراء
اللهم ارزقنا صلاة في البيت الحرام ، البيت العتيق وارزقنا سجدة في المسجد الاقصي المبارك انك علي ماتساء قدير وبالاجابة جدير …

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...