استمارات الاستسلام.. هكذا فشلت ضغوط العسكر أمام شباب الإخوان في السجون

عكست قوائم ما تسمى بالعفو الرئاسي، التي صدرت خلال الشهور الماضية، فشل الجهود الحكومية والأمنية الجارية منذ أشهر في جميع سجون مصر من أجل إقناع الشباب المعتقلين بالتوقيع على ما تسمى بإقرارات نبد العنف والتعهد بإطلاق سراحهم مقابل الاعتراف بالسيسي رئيسا للجمهورية.

وخلال السنوات الماضية صاغ جهاز الأمن الوطني استمارات وزعها على الشباب المعتقلين، تتضمن بنوداً واضحة للابتعاد عن العمل السياسي والتنظيمي والتعهد بالإبلاغ عن أي أنشطة وصفا بمعادية للدولة في الدوائر المحيطة بهم. تحت مسمى “إقرارات نبذ العنف”.

استخدم النظام هذه الاستمارات لمساومة المعتقلين (الاعتراف بشرعية النظام مقابل التعهد بإطلاق سراحهم)، وأطلق عليها العسكر “إقرارات التوبة”، لكنها في الحقيقة هي “إقرارات الاستسلام”، ذلك أن الشباب الذي اعتقل على خلفية مشاركته في مظاهرات دعم الشرعية والديمقراطية لم يخطئ حتى يتوب إنما المجرم هو نظام العسكر وسفاحه عبدالفتاح السيسي الذي ارتكب عشرات المذابح من أجل تحقيق أطماعه في اغتصاب السلطة.

وكان الدكتور طلعت فهمي، المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، قد أكد أن مساومات وضغوط سلطات الانقلاب على قيادات الإخوان المعتقلين لتأييد عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري باءت بالفشل. وأضاف فهمي- في مداخلة هاتفية لبرنامج “الشرق اليوم” على قناة الشرق- أن “القاصي والداني يلحظ بعد الانقلاب العسكري أن الإخوان المسلمين في قلب الثورة وأنهم طوال 4 سنوات لم يداهنوا ولم يتخلوا عن ثورتهم أو ثوابتهم فيما يظن الانقلابيون أنهم إذا كسروا المعتقلين قضوا على الإخوان وأخمدوا الثورة.. لكن هيهات”.

 

بداية هذه الإقرارات

ظهرت هذه الإقرارات مجددا في منتصف العام الجاري 2018 بعد أن ظهرت في بداية الأمر في عام 2015م، وسط شكوك حول الهدف منها، خصوصاً في ظل عدم وجود جدوى لها. واعتبر مراقبون أن “هذه الإقرارات لا فائدة منها، وتخدم النظام الحالي بصفة أساسية، لمحاولة تجميل صورة نظام السيسي خارجياً، لأنها تؤكد صحة موقفه بممارسة التيار الإسلامي الموالي للرئيس محمد مرسي للعنف، وفقاً لهذه الإقرارات التي يوقع عليها بعض المعتقلين، الذين ليسوا على صلة بأزمة إطاحة مرسي”.

وكشفت مصادر أنه تم توزيع هذه الاستمارات على المعتقلين خلال شهري إبريل ومايو الماضيين على وجه التحديد، من قبل ضباط الأمن الوطني ومباحث السجون”. وأضافت أن “الضباط يستدعون بعض المعتقلين إلى مكاتبهم، ويفتحون حديثاً معهم حول الوضع الحالي في الدولة، ومسألة تأييد الإخوان، وأن ما تخطط له جماعة الإخوان انتهى، وعليهم التفكير في مستقبلهم”.

وتابعت أن “اختيار المعتقلين ليس عشوائيا، ولكن وفقا لتحريات داخل السجن، عن المعتقلين الذين قد يستجيبون للتوقيع على إقرارات نبذ العنف، مع وعود بإطلاق سراحهم في أقرب فرصة ممكنة، في قوائم العفو الرئاسي عن المعتقلين”.

وشدّدت على أن “ثمة وعودا وتأكيدات بعدم التعرض لمن يتم الإفراج عنهم خلال الفترة المقبلة حال التوقيع على هذه الإقرارات، طالما أنه لم يمارس أي نشاط سياسي بأي شكل كان، لا تظاهرات أو حتى معارضة توجهات النظام الحالي، وهذا شرط أساسي للإفراج عنهم”.

ولفتت إلى أنه “عندما يسأل المعتقلون عن مسألة الإفراج عنهم وتوقيت إتمام ذلك، يتهرب الضباط من الإجابة عن هذه الجزئية بشكل واضح وصريح، ويكتفون بالقول إن هذا الأمر سيكون في أقرب فرصة ممكنة، ولكن خلال مدة غير محددة”.

وأشارت إلى أنه “تم عرض التوقيع على إقرارات نبذ العنف لعدد ليس بالقليل من المسجونين احتياطاً، الذين لن يشملهم العفو الرئاسي لعدم الحصول على حكم نهائي في القضايا المتهمين فيها، ولكن الضباط وعدوا بالإفراج عنهم خلال جلسات تجديد الحبس على ذمة القضايا”.

وأكدت أن “الضباط أكدوا للسجناء احتياطا أن القضايا المتهمين فيها لن تغلق تماماً، وفي حال التوقيع على الإقرارات والخروج من السجن، يمكن أن يعودوا مرة أخرى، إذا مارسوا أي نشاط سياسي بأي صورة كانت، مع التشديد على ضرورة الالتزام بنص الإقرارات”.

الانتقام من الرافضين

وحول نص “الإقرارات”، أشارت المصادر ذاتها إلى أن “المعتقلين لم يطلعوا على نصوص واضحة المعالم، ولكن عُرضت عليهم فحواها فقط”. وشددت على “رفض بعض المعتقلين التوقيع على هذه الإقرارات؛ ليس لرفضهم الفكرة، ولكن بالأساس أنهم لم يمارسوا عنفاً قبل الدخول إلى السجن، ولكن تم القبض عليهم جراء مواقفهم السياسية، وبالتالي فإن التوقيع دليل على الاعتراف بممارسة العنف بما يعطي مصداقية للنظام الحالي”.

وقالت المصادر: إن “الرافضين للتوقيع على الإقرارات يواجهون ردة فعل عنيفة من قبل ضباط السجن، بما دفع إلى نقل بعضهم إلى سجن العقرب شديد الحراسة، وتعرّض بعضهم لتنكيل شديد، كالحبس الانفرادي والمنع من التريّض”.

وأوضحت أن “هذه الإقرارات أحدثت فتنة بين المعتقلين، خصوصاً أن بعضهم لم يكن له علاقة بعودة مرسي إلى الحكم أو التيار الإسلامي، ولكن اعتقل على خلفية معارضته النظام الحالي، وهو ما دفع بعض المعتقلين إلى الحديث عن أن الإقرارات ليست إلا محاولة لإحداث فتنة وانقسام داخل السجون، في ظل أن قوائم العفو الرئاسي من اختيار وزارة الداخلية فقط”.

وفي وقت سابق، نشطت الأجهزة الأمنية في توزيع هذه الإقرارات خلال العامين الماضيين، ولكن شباب التيار الإسلامي في السجون رفض التوقيع إلا بالإفراج عن السيدات في السجون، والتعهد بعدم ملاحقة الشباب مرة أخرى عقب خروجهم من السجن، خصوصا مع وجود حالات لشباب خرجوا ثم أودعوا السجن مجددا، وتوقفت لعدم الموافقة على اشتراطات الشباب في السجون.

ولجنة السيسي تفشل أيضا

وكان السيسي ومدير مكتبه عباس كامل شكّلا في بداية 2018 لجنة سياسات مشتركة بين ممثلين لوزارات الداخلية والعدل والخارجية والأوقاف والأزهر والاستخبارات العامة، فضلاً عن مستشاري السيسي للشؤون الأمنية أحمد جمال الدين وللأمن القومي فايزة أبو النجا وللخطاب الديني أسامة الأزهري. وكلّفت هذه اللجنة بوضع خطة لخلخلة التماسك التنظيمي للإخوان وغيرها من الجماعات في السجون، ودمج عدد من السجناء في مبادرة جديدة للاعتراف بالسيسي ونبذ العنف والمعارضة”.

وتضمّنت أعمال هذه اللجنة التنسيقية دراسة إمكانية إعطاء بعض المميزات الدراسية والمهنية للأشخاص القابلين للاندماج في هذه المبادرة بعد خروجهم من السجن، في سياق برهنة الدولة على إمكانية طي صفحة الماضي مع الأجيال الشابة من جماعة الإخوان، تحديداً مواليد التسعينيات وما تلاها، وقطع الصلات بينهم وبين أفكار الجماعة القديمة.

لكن هذه المحاولات باءت بالفشل؛ لأن ظلم النظام واستبداده أكبر دليل على عدم اقتناع السباب بسماره وسياساته وتوجهاته التي تعادي ثورة يناير والمبادئ التي تأسست عليها بقدر ما يعادي التيار الإسلامي باعتباره الفصيل الشعبي الأكبر الذي أسهم في نجاح ثورة يناير.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...