بالإيمان والصبر الجميل.. هكذا يستعلي الإخوان على حروب العسكر النفسية

«التقيت محمد البلتاجي وقال لي إحنا هنرجع لأننا أقوى من الدولة وهتشوفوا، واوعى تكون فاكر إنكم هتكملوا فى البرلمان، فسألته ده وعد ولا توعد، رد بقوله: احسبها زى ما تحسبها». كانت هذه شهادة علاء عابد، رئيس ما تسمى بلجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس نواب العسكر، في حوار أجرته معه صحيفة اليوم السابع في عدد الخميس 13 سبتمبر 2018م.

رد الدكتور البلتاجي أصاب “عابد” بصدمة وارتباك، كما أنه يحمل كثيرًا من الرسائل والدلالات: أولا: يكشف هذا الموقف أنه رغم الأحكام الجائرة والانتقام المتواصل من جانب نظام العسكر  والحرب النفسية التي لم تتوقف يوما على الجماعة، قيادة وأعضاء ومناصرين، إلا أن كل ذلك يفشل أمام الإيمان العميق والفهم الدقيق والثقة المطلقة في موعود الله- سبحانه وتعالى- للمؤمنين الثابتين على الحق والقابضين على الجمر في عهود الظلم والطغيان. يؤكد ذلك أن جميع الرسائل التي تصل من السجون والمعتقلات تؤكد الصمود الأسطوري والصبر الجميل الذي يواجه به قيادات وعناصر الجماعة انتهاكات العسكر وإدارات السجون والمعتقلات، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الطبيعية التي نص عليها الدستور والقانون ومواثيق الأمم المتحدة.

ثانيا: مثل هذه المواقف البطولية من فضيلة المرشد العام والبلتاجي وغيرهما، تعطي نماذج حية من الثبات على الحق، وتمثل القدوة في أوقات المحن والفتن، وهي المواقف التي يتناولها  أنصار الشرعية والديمقراطية وثورة يناير بالدهشة والإعجاب والاحترام والتقدير، وبعضهم من أنصار العسكر بالصدمة الارتباك والشك في مآل مسار الانقلاب ومستقبله الغامض في ظل تصاعد معدلات الغضب الشعبي على خلفية التدهور الحاد في جميع الملفات والمجالات. ولعل ذلك يفسر لنا أسباب فشل ما تسمى باستمارات التوبة، والتي تَعرِض على الشباب المعتقلين الإذعان والاعتراف بشرعية نظام العسكر مقابل الإفراج عنهم.

ثالثا: جميع الرسائل التي تخرج من السجون والمعتقلات تؤكد الصبر والثبات على الحق، وعدم الرضوخ لابتزاز العسكر ومساوماتهم التي لا تتوقف ولم يعرف عن أحد منهم أنه تراجع أو افتتن، بل هم المثل والقدوة في الصبر والثبات على الحق. وإنما يؤكدون المبادئ الكبرى من التسمك التام بشرعية الرئيس المنتخب، وعدم الاعتراف بشرعية الانقلاب أو التوسل إليه من أجل الإفراج عنهم.

فشل الحرب النفسية

ويمارس النظام العسكري بحق الإخوان استراتيجية التحطيم النفسي بالحروب النفسية، حيث ينبع التأثير الأكبر للحرب النفسية من خلال تحطيم معنويات الخصم، وجعله يدخل المعركة وهو موقن بالهزيمة فيها حتى لو كان هو الطرف الأقوى؛ لأنه يشعر بالضعف في داخله كرد فعل للدعاية التي تهاجم معنوياته وتشكك في قدراته، وتبرز الطرف الآخر بصورة أقوى كثيرا مما هو في الواقع.

والهدف هو بث اليأس والاستسلام في نفوس العدو، وتضخيم أخطاء العدو؛ وذلك لإحداث نوع من فقد الثقة بين الشعب وقيادته، وإضعاف الجبهة الداخلية للعدو، وإحداث الثغرات بها، وتشكيك الجماهير في قدرة قيادتها السياسية، والتشكيك بالقوة المسلحة، والعمل على تفتيت الوحدة بين الأفراد والقوات المسلحة حتى لا يثقوا ببعضهم.

ورغم المحاولات المستمرة والمتواصلة والتي لا تتوقف على مدار السنوات الماضية، من أجل كسر إرادة جماعة الإخوان المسلمين وصمودها الأسطوري في وجه الحرب النفسية والإعلامية التي يشنها نظام العسكر على قيادات الجماعة وعناصرها وشبابها وشيوخها ورجالها ونسائها؛ تلك المحاولات لا تستهدف سوى إجبار الجماعة على رفع راية الاستسلام والإذعان لطغيان الحكم العسكري، الذي اغتصب الحكم عبر انقلاب عسكري دموي في منتصف 2013م، فتم اعتقال الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي وأركان الحكومة المنتخبة وأنصارها.

وبحسب أكاديميين، فإن الحرب النفسية التي يشنها النظام تهدف إلى تغيير أفكار أو معتقدات الشخص أو المجموعة المستهدفة، ويدخل في إطار هذه الحرب النفسية التشويه الإعلامي وحملات التخوين والارتباط بالخارج والتي استهدفت جماعة الإخوان بانتظام، وخاصة مع زيادة حدة المواجهة بين الإخوان والنظام الحاكم منذ انقلاب يوليو 1952، وربما يكشف عن بداية هذه الحرب الوثيقة التي نشرها الشيخ محمد الغزالي في كتابه “قذائف الحق”، والتي تكشف عن اجتماع بقيادة رئيس المخابرات العامة المصرية لوضع استراتيجية لمواجهة ومحاربة فكر الإخوان، وتنوعت الحرب النفسية ضد الإخوان بين الهجوم الإعلامي وعمليات غسيل المخ وتلفيق القضايا لتشويه صورة الإخوان.

طريق الدعوات

قال الإمام الشهيد حسن البنا: «أحب أن أصارحكم أن دعوتكم ما زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرًا من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات، وفى هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات. أما الآن فما زلتم مجهولين، وما زلتم تمهدون للدعوة، وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد. سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة فى طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم فى سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم.

وسيتذرع الغاصبون بكل طرق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون فى ذلك بالحكومات الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان. وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة، وأن يظهروها للناس فى أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم.

ويضيف البنا: ستدخلون بذلك- ولا شك- فى دور التجربة والامتحان، فتسجنون وتعتقلون، وتنقلون، وتشردون، وتصادر مصالحكم، وتعطل أعمالكم، وتفتش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان، ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين.

هذه كلمات للإمام البنا من رسالة “بين الأمس واليوم”، رسم فيها البنا منهاج الإخوان المسلمين، ووضع فيها الأطر الحقيقة الواضحة للجماعة والتي كانت نبراسا واضحا، وبالفعل تحققت تلك التحذيرات، وواجهت جماعة الإخوان المسلمين الأمرًيِن على مدار تاريخها، سواء في العهد الملكي، أو كانت المواجهة الأشد في عهد عبد الناصر، ثم الأزمة الأعنف بعد انقلاب يوليو 2013م، ولكن بالرغم من هذا كله دائما ما تفشل هذه الحملات السوداء، ويعود الإخوان وأصحاب الفكر الإسلامي الوسطى أكثر قوة وانتشارا وقبولا عند الجماهير.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

في الذكرى التاسعة للثورة.. مواقع التواصل تغرد «ثورة الغضب 25»

في الخامس والعشرين من يناير كل عام، يحيي المصريون ذكرى ثورتهم الخالدة التي أطاحت برأس ...