“أحمد سعيد”.. ضحية تضليل أم ميكروفون للديكتاتور؟

بالتزامن مع ذكرى 5 يونيو العصيبة، التي شارك الإعلام الرسمي في تضليل المصريين بشأن حقيقة ما حدث فيها، توفي الإذاعي المصري الشهير أحمد سعيد، والذي يعرف باسم “مذيع النكسة”، عن عمر ناهز الـ93 عاما، وهو أشهر مذيعي “صوت العرب” في حقبة الخمسينات والستينات، واشتهر ببياناته الإذاعية حول سحق الجيش العربي تل أبيب، حتى خرج عبد الناصر للشعب وأعلن في خطابه يوم 9 يونيو، مسئوليته الكاملة عما حدث وادعى استقالته من منصبه.

هل كان أحمد سعيد مسئولا عن التضليل بشأن الهزيمة؟ فهو كـ”موظف” يقرأ ما يصله من السلطة من بيانات، لكنه يبرئ نفسه من جريمة التضليل والمشاركة فيها بالقول إنه في اللحظة التي أحس فيها بأن التناقض بين ما يذيعه وما تقوله كل الوكالات العالمية وصل إلى ذروته النهائية، اتخذ القرار الصحيح بوقف إذاعة البيانات، فهل نصدق رجلا رحل عن عالمنا وترك إرثًا من التضليل الإعلامي وذنبًا قد لا تغفره جماهير تم استغفالها؟.

هنيئًا لك يا سمك!

لم يحاسب أحد مذيع النكسة على “تضليل الجماهير”، لأنه ليس المسئول وإنما من أرسل له البيانات، وهو في هذه الحالة لا يختلف عن أشرف الخولي، الشهير بـ”أشرف بيه”، ضابط المخابرات الحربية الذي كان يوجه الإعلاميين في التسريبات الشهيرة التي بثتها فضائية مكملين، بالتزامن مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

يقول الكاتب الصحفي سليم عزوز: “وفاة أحمد سعيد، مذيع الهزيمة، في ذكرى هزيمة يونيو 1967. الرجل كان ضحية كعموم الشعب المصري، صدق العسكر، ونقل بياناتهم الكاذبة للناس، قبل أن يتأكد المصريون والعرب أن صوته كان أعلى من صوت المعركة!”.

وظل أحمد سعيد في موقعه بعد الهزيمة حتى أغسطس 1967 عندما حدثت أزمة سياسية، بسبب تصريحه أثناء محاضرة في سلاح الطيران حول ما تردد وقتها عن وجود ما سمّي بـ(مبادرة تيتو للسلام) للصلح مع إسرائيل، فرد أحمد سعيد وقتها بأنه لو تم قبول هذه المبادرة فإن مصر ستتعامل مع من سيقبل الصلح، بالطريقة نفسها لما حدث مع رئيس الوزراء السابق أحمد ماهر، في تلميح لحادث اغتيال الأخير، وقد نقل الوشاة هذا الكلام إلى عبد الناصر، فاتخذ قراراً بإنهاء خدماته.

وردد أحمد سعيد خلف الديكتاتور عبارات جوفاء من قبيل «سنلقي إسرائيل في البحر»، و«هنيئا لك يا سمك»، ورغم انتقادات أحمد سعيد لما اعتبره أخطاء في الحقبة الناصرية، لكنه مثله مثل جيل الستينات والسبعينات لا يرى أنها تصل إلى درجة الخطايا والكوارث.

القومية العربية

ولا يمكن إنكار أن صوت أحمد سعيد خلال السنوات التي تلت 1956، كان علامة مسجلة لحركة القومية العربية، التي كلفت بها بريطانيا وكلاءها العسكريين بديلا عن الخلافة الإسلامية، وتزايدت حدة إذاعات أحمد سعيد خلال شهور التوتر التي سبقت هزيمة حرب 1967، وزاد الطين بلة، أنه أذاع جملة “سنلقيهم في البحر” التي نادى بها “أحمد الشقيرى”، رئيس المنظمة الفلسطينية قبل عرفات، والتي كانت في سياق خطبة للشقيرى وجهها للفلسطينيين في الأسابيع التي سبقت حرب 1967.

كانت الدعاية الصهيونية واللوبي الصهيوني ينتظرون جملة بهذا الشكل، ليكتلوا كافة القوى ووسائل الإعلام العالمية ضد جمال عبد الناصر، بل كانت لهم المفتاح الذي أدخلهم لقلوب الرئيس الأمريكي وغيره من الدول التي أيدت إسرائيل خلال تلك الأسابيع، وما زالت تعتمد على هذه الجملة حتى اليوم لتلقى باللوم على القاهرة ونيتها السيئة.

ما زالت خطورة هذه الجملة فى أن وسائل الإعلام نشرتها وتنشرها عند تداولها لحرب 1967، وأنها حركت المشاعر فى أوروبا وبالذات ألمانيا، ويعتبرون أن إعادة ترديدها من أحمد سعيد، صوت العرب، هو تعبير عن السياسة المصرية الرسمية.

يقول الكاتب الصحفي السيد الغضبان، في تعقيب على مذكرات أحمد سعيد: “كم كنت أتمنى أن يتسم أحمد سعيد بالشجاعة.. ويتحمل دوره في المسئولية.. بالنسبة لنكسة 1967.. فالحروب ليست قتالا بالأسلحة فقط.. ولكنها إعداد نفسي.. ومن أهم عوامل القتال “استراتيجيا”، والتي تصاحب كل حرب في العالم هي “الحرب الاستراتيجية” التي كانت لجملة أحمد سعيد الأثر السلبي الفظيع والإعداد النفسي العالمي لكي نخسر هذه الحرب قبل أن تبدأ عسكريا”.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...