رمضان كما تعلمناه من مشايخنا

صمنا رمضان صبيانًا وشبانًا وكهولاً؛ فما مرت علينا أيام أسعد وأبر من أيام هذا الشهر الفضيل. ولقد ذقنا حلاوته وبركته فى القرية والمدينة، وفى الصيف والشتاء، وفى الحضر والسفر، وفى العزوبة والزواج.
أما فقهه ورحمة الله التى ضمنها إياه فلم نعرفها بحقها إلا على أيدى أساتذتنا الذين لفتونا إلى عظمة هذه الأيام وميزتها على سائر الأيام، وأنها أيام خير وهدى، وتقى ومغفرة، وبر ورحمة، وقد خسر من مر عليه الشهر فلم يغتنم هذه الجوائز وتلك النفحات..

لقد علمونا أن الصيام ليس هو الامتناع عن الطعام والشراب؛ فرب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب صائم التهم عند فطره أضعاف ما كان يأكله فى غير أيام الصوم. إنما الصوم يكون للتقوى؛ فهو يجدد الإيمان الذى ربما يكون قد نقص أو بلى، ويحببه إلى النفس، ويزينه فى القلب، ويعمر به الفؤاد، فيتسع الصدر، ويصفو الذهن، وينضبط العقل، فتكون الحكمة والحلم والصبر، وسائر محاسن الأخلاق..

هو إذًا محطة سنوية فاصلة، تجدد فيها النيات، وتغير العادات، وتُمحى السلوكات السيئة، وتثبت الحسنة، ويعاد تأهيل النفس لانبعاث طاقاتها الداخلية؛ فإذا هى نفس غير النفس، وشخصها شخص غير الشخص؛ وإذا المنفلت مقيد، والمضطرب متزن، والأمارة بالسوء محرضة على الخير؛ أى يسهل بمثل هذا الصوم قياد النفس وترويضها، وإرغامها على طرق الخير، وإجبارها على سبل الرشاد.

الصوم الحقيقى إذًا هو ذلك الصوم الذى يرقق القلب، ويهذب الطبع، ويكسر حدة الشهوة، ويذهب الغضب، والكبر، وإحن القلب وأمراض الصدور، وهو الذى يقوى العزيمة، والإرادة، ويذهب الإحباط، والعجز وصنوف التراخى والكسل..
ومن يصم صيام الخواص يجد الشهر فرصة لصحة الجسم «صوموا تصحوا»، «ما ملأ آدمى وعاء شرًا من بطنه….»، «المعدة بيت الداء»، ولقد رأينا صنفًا من أساتذتنا حرصوا على نافلة الصيام من غير الشهر فتمتعوا بقواهم وسمعهم وأبصارهم حتى موتهم، فتظن أحدهم شابًا في الأربعين وقد بلغ السبعين أو أو الثمانين. وما قامت ديانات أرضية عديدة إلا على فكرة الصوم، الذى يخلص الجسد من أوهاقه، ويعلو بالنفس إلى رتبة قريبة من رتبة الملائكة؛ فهم لا يتأثرون بحرٍّ ولا قر، ولا نار أو زمهرير.

وعلمنا مشايخنا أن رمضان فرصة لمراجعة شأننا مع القرآن ولم لا وهو شهره، وقد كان للمعصوم فيه شأن مع القرآن غير بقية الشهور. فيجب أن يكون للمسلم فيه ورد لا يفرط فيه، حفظًا وتلاوة وسماعًا. ولا يتوقف القرآن عندك، بل يتعداك إلى غيرك، بالنشر، والحث على الاهتمام به، والتفنن فى تناول الشباب له، وقد يسر الله الآن مئات السبل الكفيلة بهذا الأمر.

وتعلمنا من مشايخنا أن نهتم بأمر المسلمين عمومًا، وفى هذا الشهر خصوصًا، فالمسلمون أمة واحدة، فلا يصح أن ننسى إخوتنا الجوعى والمرضى والمضطهدين فى الدول والمناطق الأخرى، بعدما جمعتنا الفريضة، ووحدنا الصيام. فضلا عن أنه شهر انتصارات المسلمين على أعدائهم؛ ففيه إحياء ذكرى تلك الانتصارات، وإحياء الأمل فى الأمة بتلك الأمجاد، وبث روح التفاؤل، وقطع شتى صنوف اليأس والإحباط. وأعتقد أن الشباب قادرون الآن على ابتكار وسائل رائعة للتذكير بالأقليات المسلمة، وبعث الرسائل المطمئنة إلى هؤلاء الإخوة المعذبين تؤكد لهم أننا أمة الجسد الواحد، والكتاب الواحد والإله الواحد، وهذا يتطلب كذلك إجراءات عملية؛ بمد مظلة كفالة المسلمين إلى المحتاجين منهم والمعوزين، وقد كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون -صلى الله عليه وسلم- فى هذا الشهر حين يأتيه جبريل فيدارسه القرآن؛ فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة..

وعلمنا مشايخنا أن نغتنم الشهر لتعليم وتدريب أزواجنا وذرياتنا على العديد من الآداب والأخلاق الإسلامية السامية، وهناك العديد من مثل هذه الوسائل التى تعظم فى نفس النشء قيمة القرآن وجلاله، والشهر فرصة كذلك لمقاطعة وسائل اللهو التى تصرف أبناءنا عن الطاعات والعبادات، ويا ليت كل أب يجتمع مع أبنائه على عمل أو اثنين يعظم فيه شعائر الله، ويجعل من بيته قبلة ومسجدًا ودار ذكر وتسبيح.

لنكن متميزين في رمضان؛ إذ الأجر مضاعف، والثواب لا حد له وإن كان العمل صغيرًا. هنا يكون التماس الأعمال الصالحة، من تفطير الصائمين، إلى كسوة اليتامى والمعوزين، إلى الإصلاح بين المتخاصمين، إلى مواساة من يحتاجون المواساة. والرحم أولى، والأقربون أولى بالمعروف، فإن استطعنا بسط موائد الإفطار ودعوتهم إليها ودعم القرابة كان جميلا، وإن لم نستطع كانت الزيارات، والتهانى والتبريكات.. اللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام.. كل عام أنتم بخير.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...