رمضان ينادي : استعدوا يرحمكم الله

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله فضل بعض الأمكنة على بعض، وفضل بعض الأزمنة على بعض، وفضل بعض الأنبياء والرسل بعضهم على بعض (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات) سبحانه سبحانه، نشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له خالق حكيم عليم، يعلم ما خلق ومن خلق، له ما في السموات وما في الأرض وله من في السموات ومن في الأرض يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، سبحانه فضل بين الأنبياء والرسل فجعل خاتمهم أفضلهم وأشرفهم، وفضل بين الكتب فجعل كتابه الحكيم القرآن أفضل الكتب، وفضل بين الأيام فجعل يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة أفضل أيام العام، وفضل بين الشهور، فكان رمضان خيرها وأشرفها وأكثرها بركة، فلله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا محمد رسول الله، إمام المتقين وسيد النبيين وأشرف خلق الله أجمعين، أسلم الناس صدرا وأزكاهم نفسا وأعطرهم مسكا وأحسنهم خلقا، قال عنه ربه في الكتاب الحكيم: (وإنك لعلى خلق عظيم) أما بعد:

أيها الأحبة الكرام:

طبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة مقعدا ومنزلا، وأسأل الله العلي العظيم سبحانه كما جمعنا في دار الدنيا على طاعة من طاعاته ألا يحرمنا من الاجتماع تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وأن يرزقنا وإياكم شربة هنيئة من يد حبيبنا لا نظمأ بعدها أبدا،  إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي الكرام:

كل عام أنتم بخير، كل عام وأنتم إلى الله أقرب، وعلى طاعته أدوم وعن معصيته وناره أبعد وأبعد، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وأسأل الله سبحانه وتعالى بعزته وقدرته كما جمعنا بهذه الصورة في هذا الوقت والمكان ألا يحرمنا وإياكم من الفردوس الأعلى في جنته.

أيها الأخوة الكرام، أيتها الأخوات الفضليات:

جميعا بلا استثناء كأننا نشم رائحة رمضان، وقد هبت نسائمه على أمة الإسلام والمسلمين، هذه النسائم التي تهب بخير ريح مكرمة كريمة طيبة، ولذا يقابل المسلم أخاه فيقول له: (رمضان كريم)؛ لأن رمضان يحمل كثيرا من الكرم، يحمل كثيرا من البركات، ولذا قال القائل:

رمضان أقبل قم بنا يا صاح        هذا أوان تبتل وصلاح

الكون معطارٌ بطيب قدومه        روح وريحان ونفح أقاحي

صفو أتيح فخذ لنفسك قسطها      فالصفو ليس على المدى بمتاح

واغنم ثواب صيامه وقيامه          تسعد بخير دائم وفلاح

هذا موسم الخير!!

هذا موسم الطاعات!!! الذي يوزن به عبد على عبد، ويفضل به إنسان على إنسان!!

نتحدث إليكم اليوم أيها الأحبة، تحت عنوان:

رمضان ينادي: استعدوا يرحمكم الله!!

أسأل الله أن يشملنا وإياكم برحمته الواسعة، وأن يلطف بنا فيما جرت به المقادير.

معاشر الإخوة:

إذا كانت أول ليلة من رمضان، فإن هناك مناد ينادي يا باغي الخير أقبل وباغي الشر أقصر، تخيلوا أيها الأحبة: إذا كان الخالق جل وعلا يعد العدة لنا بكونه وجنته لهذا الشهر المفضال الكريم، ويهيئ الجو للطاعات؛ فتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتسلسل الشياطين وتقيد، والخير منتشر بين ربوع الدنيا، فكان شهرا عظيما.

شهر للغنى بعد الفقر!!

وللصحة بعد المرض!!

وللعزة والقوة بعد الذلة والضعف!!

شهر الخير والحب والود والألفة بين الناس!!

شهر للإنفاق والصدقة والعطاء!!

شهر تمنى النبي  صلى الله عليه وسلم لقاءه، ومقابلته قبل موعد قدومه وموعد ميلاده، قائلا: (اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان)

شهر كله خيرات!!

بكاء ودموع، خضوع وخشوع، تبتل وابتهال، تذكر وتدبر، شهر كله نفحات!! ومن أصابته نفحة من نفحات ربه فلا يشقى بعدها أبدا!!

هذا الشهر أيها الأخوة:

جعله النبي  عليه الصلاة والسلام شهرا لميزان عبد على عبد، وأفضلية إنسان على إنسان، فقد روى ابن ماجة  -رحمه الله- في سننه، وصححه الشيخ الألباني – رحمه الله – كما عن طلحة بن عبيد الله – رحمه الله – وهو يقص علينا خبر رجلين من الصحب الكرام كان إسلامهما جميعا، فكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستُشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي. قال طلحة  رضي الله عنه : فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة، إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخِر منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد، فأصبح طلحة يحدث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم  وحدثوه بالحديث، فقال: من أي ذلك تعجبون؟

فقالوا: يا رسول الله، هذا كان أشد الرجلين اجتهاداً ثم استُشهد، ودخل هذا الآخِرُ الجنةَ قبله!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى، قال: وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا: بلى!!

قال رسول الله -وانظروا أيها الأخوة إلى فضل وقيمة من حضر خيرات رمضان- : »فما بينهما أبعدُ مما بين السماء والأرض« يا الله!!

الله أكبر:

تخيلوا إخواني:

إن بلوغَ رمضانَ نعمةٌ عظيمة، ومنة جليلة، وفضلٌ كبير من الله تعالى على عبده، حتى إن العبد ببلوغ رمضان وصيامه وقيامه يسبق الشهداء في سبيل الله الذين لم يدركوا رمضان.

هكذا نوقن أن بلوغ رمضان نعمة من نعم الله علينا (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) (وما بكم من نعمة فمن الله)

انظروا: كم من قريب كان بجوارنا فارقناه!!

وكم من عزيز بأيدينا في التراب وضعناه ودفناه!!

وكم من مسلم كان يصلي بصلاتنا وكام يصوم بصيامنا ويفطر معنا، ويذكر ويسبح، الآن: هو بين التراب آملا في رحمة مولاه!! وسيأتي دور كل واحد منا -بلا شك- فلم الغفلة عن هذا الموعد؟!! نأكل ونشرب ونتمتع بالدنيا وكأننا فيها مخلدون!! ولا حول ولا قوة إلا بالله!!

ومن هنا فإنه يلزم على كل واحد منا أن إذا حضره رمضان أو حضر هو في رمضان أن يحمد الله ويشكره فالحمد لله والشكر لله، ونسأله كما بلغنا شعبان وخواتيمه أن يبلغنا رمضان وخيراته ورحماته.

أيها الأحبة:

هذا الضيف الغالي رمضان، يحب منا أشياء ويكره أشياء!!

فتعالوا بنا نتعرف على ضيفنا مدرسة الصيام!! التي يجب أن نتوقف عن محطات الدنيا الممتعة اللذيذة الفانية، لنأخذ بأيدي أبنائنا وبناتنا وزوجاتنا للالتحاق بهذه المدرسة لنتعلم كل خلق قويم فاضل ربى عليه ربنا سبحانه النبي وأصحابه وربانا عليه من بعدهم؛ عسانا نفوز في النهاية بالتقدير الممتاز المتميز!!

رمضان في قلبي هماهم نشوة    من قبل رؤية وجهك الوضاء

وعلى فمي طعم أحس بأنه      من طعم تلك الجنة الخضراء

قالوا بأنك قادم فتهللت       بالبشر أوجهنا وبالخيلاء

تهفوا إليه وفي القلوب وفي النهى     شوق لمقدمه وحسن رجاء

هذا الشهر الكريم أيها الأحباب، يلزم على كل واحد فينا ومنا أن يتعرف عليه، وأن يكرمه ببعض ما أكرمه به مولاه، وأن يتغله استغلالا سليما …. فما بال البعض لا يعرف حقيقة هذا الشهر، ومن ثم فقد سمعنا عن استقبال الجهال له بالوسائل المذمومة!!

فهيا الآن إلى رحلة في رحاب رمضان، نتعرف عليه ونعيش معه بعض نفحاته وما يلزم أن نستقبل به ونستغل به رمضان، فهذه عناصر ثلاثة سنتحدث عنها،

  1. تعرف على ضيفك
  2. ما يكرهه رمضان
  3. كيف نستعد لهذا الضيف

وذلك على النحو التالي:

أولا: نتحدث عن هذا الضيف لأن الناس أساءوا استقبال رمضان واستغلال أيامه، وغفلوا عن حقائقه التي من أجلها تزينت الجنة ونادت الحور الحسان بالخير.

هذا الضيف رمضان:

تنادي فيه الحور العين، فتقول يارب: اجعل لنا من رمضان أزواجا

وتنادي الجنة فتقول، أي رب: اجعل لنا في رمضان سكانا

رمضان: تفتح فيه أبواب الجنان فلا يغلق منها باب

رمضان: تغلق فيه أبواب النار فلا يفتح منها باب

رمضان: تصفد فيه مردة الجن والشياطين وتسلسل وتقيد؛ تيسيرا لطاعة الرحمن

رمضان: فيه ليلة خير من ألف شهر (83 عاما وأربعة أشهر تقريبا)

رمضان: من صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه

رمضان: من قام ليله إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه

رمضان: ليلة القدر فيه من قامها ومن حضرها فقد حضر الخير كله، ومن حرمها فقد حرم الخير كله.

رمضان: هذا الشهر الكريم، أعد فيه باب للصائمين فقط (باب الريان) لا يدخله إلا الصائمون فإذا دخلوا أغلق دونهم.

رمضان: خلوف ورائحة فم الصائم فيه أطيب عند الله من ريح المسك العطر.

رمضان: شهر تزين فيه الجنة، وينادي رب العزة عليها ويقول: تزيني واستعدي لأهل طاعتي وكرامتي فعسى أن يستريحوا من دار الدنيا وأعبائها ويأتون إليك يا دار رحمتي.

رمضان: شهر الجود والكرم؛ الذي كان فيه حبيبنا أجود من الريح المرسلة بالخير،  عليه الصلاة والسلام .

رمضان: لا يعلم ثواب الصائم فيه إلا الله؛ دليلا على عظمة ثواب الصائمين. (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) قال العلماء:

يعني الله وحده هو الذي يعرف ثواب الصائم، فالصيام قرين الصبر وأخوه، وقد أكد الحق في كتابه أن الصابرين يوفون أجورهم بغير حساب.

رمضان: يغفر في آخر ليلة منه للصائمين إيمانا واحتسابا.

رمضان: يعتق في كل ليلة منه رقاب أناس من النار استوجبوا واستحقوا النار، فإذا كانت آخر ليلة -وانظروا وتأملوا- يعتق رقاب من النار بقدر ما أعتق الله في رمضان من أوله إلى آخره.

رمضان: دعوة الصائم فيه مستجابة عند فطره، ويفرح به.

رمضان: شهر التوبة للعصاة والمذنبين، نسأل الله أن يتوب علينا جميعا.

رمضان: شهر وقف النبي ليهنئ في ربوع المدينة حيث كانت البشرى، ففي مدينة سيد الأنام  عليه الصلاة والسلام، كانت البشرى تُزَفُّ لأولئك الأطهار، من الصحابة الأخيار، رضي الله عنهم، يزفها النبي بقوله: (أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء! وتغلق فيه أبوب الجحيم! وتغل فيه مردة الشياطين! لله فيه ليلة خير من ألف شهر!! من حُرِم خيرها فقد حُرِم) »رواه النسائي والبيهقي وصححه الألباني في صحيح الترغيب«.

قال ابن رجب رحمه الله (كما في لطائف المعارف، وهو يتحدث عن لطائف شهر رمضان)، يقول ناقلا عن بعض العلماء: »هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضُهم بعضاً بشهر رمضان.

كيف لا يُـبشَّر المؤمن والعاقل بفتح أبواب الجنان؟

كيف لا يـبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟

كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان؟

نعم: إنها البشارة التي عمل لها العاملون.. وشمر لها المشمرون.. وفرح بقدومها المؤمنون الصالحون .. فأين فرحتك ؟! وأين شوقك ؟! وأنت ترى الأيام تدنو منك رويداً رويداً، لتضع بين يديك فرحة كل مسلم.

ومن الحديث السابق، أخذ العلماء جواز واستحباب أن يقابل المسلم أخاه قائلا له: (كل عام أنتم بخير) أو (تقبل الله منا ومنكم) هذه التهنئة بقدوم رمضان!!!

وبعد أن تعرفنا على ضيفنا وعرفنا هداياه لعشاق أيامه ولياليه، والسؤال الآن: ما هى الأشياء التي يكرهها رمضان؟ وكيف نستعد له؟

نقول وبالله التوفيق:

إن رمضان المبارك يكره منا الآتي:

أولا: يكره التسويف –

(مشكلة المشاكل ومصيبة المصائب في حياة المسلمين؛ فما أهلك الناس هذا الهلاك مثل ما فعل التسويف في الأمة، في الطاعات والأعمال والإنتاج)- نسمع: (سوف أختم القرآن- سوف أتصدق – سوف أصل رحمي- سوف أذكر وأسبح – سوف أعمل وأجتهد….، سوف سوف سوف، الخ) فرمضان يكره منا أن نسوف في الأعمال الصالحة.

نسمع في أول رمضان:

  • سيكون رمضان هذا العام شيئاً آخر
  • سأختم القرآن ثلاث مرات على الأقل
  • لن أضيع ليلة من غير تهجد
  • سأحصل على أكبر قدر من الحسنات
  • سأزور عددا كبيرا من أهلي وأصدقائي
  • سأنفق نفقة لم أنفقها من قبل

أليست هذه عبارات نرددها بحماس قبل رمضان أو فيبدايته وتمر الأيام وسرعان ما تمر حتى نجد أنفسنا في آخر شهر رمضان فيردد الكثير منا (يا ويلتى ضاع الشهر ولم أفعل شيئاً) لازلت فى الجزء السابع عشر ولم أختم حتى المرة الأولى وعبارات كثيرة تعبر عن الندم والحسرة على ما فات من رمضان ولم نغتنمه لماذا؟؟؟

سؤال يحتاج إلى جواب؛ لأننا لم نضع حدا لتضييع رمضان!!

كما أن ربنا يكره هذا التسويف المذموم، فالأصل: (وسارعوا- سابقوا- وفي ذلك فليتنافس المتنافسون- فاستبقوا الخيرات) هذا هو الأصل: المسارعة والمسابقة والإنجاز والإيجابية والجدية والعمل لا الكسل!!

ثانيا: يكره رمضان، أن نقلب الليل نهارا والنهار ليلا

(الذين يقضون نهار رمضان نوما -وكأنه يقول: أسلي صيامي- هؤلاء الذين يعكسون آية الله في أن يكون النهار جهاد وعمل، والليل نوم وراحة للقدرة على مواصلة الأعمال نهارا -إلا لضرورة ما- فليحذر هؤلاء من ذلك)

يقول علماؤنا: الصائم في رمضان له جهادان، جهاد النهار يكون بالصيام والصبر عليه، وجهاد الليل بالقيام والصبر عليه، فكيف يتسنى لمسلم عاقل أن يضيع ثواب الجهادين، الصيام والقيام، فيعكس الآية الكونية.

فهذا مما يكرهه رمضان!!

ثالثا: الشح والبخل خوفا من الإنفاق

رمضان شهر الجود يكره أن يكون الإنسان بخيلا شحيحا بالخير والإنفاق بحجة: (اللي يعوزه البيت يحرم ع الجامع) ولماذا تحرم نفسك من خير عميم للمتصدقين والمنفقين، يخلف الله على المتصدق خيرا، ويعطيه الجنة ثوابا على ما يبذله، ويجعله في ظل صدقته، وهكذا الثواب كبير!!

فلماذا البخل والشح؟ وقد كان رسول الله في رمضان حالته مع الصدقة أفضل من غير رمضان!!

رابعا: السهر وإضاعة الوقت فيما لا يفيد!!

في أي شيء يكون ليلك؟ أقول: في أي شيء تستغل ليلك في رمضان؟ أتجلس أمام التلفاز تساهد المسلسلات والأفلام والتهريج الدائر في الإعلام مما يضيع الصيام والقيم والأخلاق -والعجيب أنهم ينسبون كل شيء مما يفعلونه إلى رمضان- (الخيمة الرمضانية -ألف خيبة وخيبة- المسلسل الرمضاني- الفزورة الرمضانية، والأعجب أنك تسمع عن الشيشة الرمضانية!!! حتى الحرام صار ينسب إلى رمضان، ولا حول ولا قوة إلا بالله!!) فلنحذر من السهر على الحرام!!

خامسا: يكره النوم عن الصلوات والمكتوبة وعدم تأدية صلاة التراويح كاملة:

أيها الأخوة:

كما تعلمون بأنه هذا الشهر شهر تضاعف فيه الحسنات، حتى أنه ورد بأن النافلة تعدل فريضة والفريضة تساوي سبعين فريضة فيما سوى رمضان، فلماذا ننسى ذلك الخير؟

وتجد من ينام عن الصلوات المكتوبة المفروضة، فإذا كانت في غير رمضان فرض مفروض بمواقيتها فهى في رمضان أشد إيجابا وفرضا وإلزاما لكثرة الحسنات فيه!!

قال تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) وقال سبحانه: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) وحذر المولى من جزاء من يتكاسل عن الصلاة فأوضح لنا في سورة المدثر جزاء هؤلاء الذين دخلوا سقر، فتساءلوا: (ما سلككم في سقر -فكان الرد الأول- قالوا: لم نك من المصلين) يعني متساهيلن في آدائها، فالذي يصوم رمضان ويقول أنا صائم: ثم يترك الصلوات!!

كأنه يقول أنا مؤمن بالصيام  أما الصلاة فأنا ….. لماذا؟ الذي يصوم رمضان ولا يصلي -أنا أعجب- كيف يقبل صيامه؟!!

فاحرص يارعاك الله على الصلوات المكتوبة على وقتها!! فلا تربط مواعيد نومك بصلاة مفروضة!!

ويمكنك أن تسعين في وسط النهار على سنة القيلولة -ما استطعت إلى ذلك سبيلا-.

ثم إن رمضان ليكره أن نترك صلاة التراويح، وقد قال  النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) وقال عمن صلى خلف إمامه حتى ينصرف (كتب له قيام ليلة) فلماذا نترك كل هذا الخير: مغفرة وثواب القيام!!!؟

فلماذا تضيع ذلك؟

يا أخي الكريم:

هل لك أن تستريح بالطاعة لله؟

لا تضيع فرصة رمضان!!

التي بسببها لما صعد رسول الله ثلاث درجات على منبره، فقال: آمين!!

فلما سئل عن ذلك أخبر أصحابه بأن أمين وحى السماء -جبريل- قال له: خاب وخسر من أدرك رمضان فلم يغفر له!!

فقل آمين، يقول النبي:فقلت آمين!!

ولك أن تتخيل أمين وحى السماء يدعو وأمين وحى الله في الأرض يؤمن على الدعاء!!

فخيبة وخسارة لمن فرط في خير رمضان!!

خاب وخسر من دخل رمضان ولم يغفر له!!

الذي يدخل رمضان ولا يغفر له فمتى يغفر له؟!!

الذي يدخل إلى رمضان ولا يختم القرآن -على الأقل مرة واحدة- فمتى يختمه؟!!

الذي يدخل رمضان ولا يصل رحمه فمتى يصلها؟

الذي يدخل رمضان ولا يصالح من خاصمهم ويعفو ويغفر فمتى يكون منه ذلك؟!!

الذي يدخل رمضان ولا يتصدق فمتي يفضل حب الآخرة على الدنيا ويتصدق؟!!

رمضان فرصة، أيقظوا قلبوكم وإيمانكم وعقولكم وأفهامكم في رمضان!!

رمضان إذا ضاع فقد ضاعت حياة الإنسان!! (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)

سادسا: يكره الغيبة والنميمة:

تأتي في سيرة فلان أو علان، تقول: فلان فعل وفلانة صنعت!!

لماذا لا نطلق هذه العادات السيئة -على الأقل- في رمضان!!

لماذا لا نعود ألسنتنا الذكر بدلا من هذه الأخلاق المرضية المذمومة؟!!

لماذا لا نترك ما ذمه رسول الله في أحاديثه وجعله إفلاسا للعبد يوم القيامة من الحسنات ويأخذ هذا من حسناته وذاك من حسناته حتى تفنى حسناته؟

كيف تضيع صومك وطاعاتك وكأنك تعمل لغيرك وأنت أحوج إليها (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم)؟!!

سابعا: يكره رمضان إطلاق البصر إلى الحرام:

عينك عينك!!

كيف تقول أنا صائم عن الطعام والشراب ولا تصم جوارحك؟

قال جابر بن عبدالله: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء»

كيف تقول أنا صائم: وقد نظرت عينك إلى الحرام؟ وسمعت أذنك الحرام؟ ومشت رجلك إلى حرام؟ وقد بطشت يدك في الحرام؟

ولذا نقول:

إذا كان إطلاق البصر إلى الحرام في غير رمضان حراما كما سماع الحرام والمشى إليه، فإن كل ذلك في رمضان أشد حرمة وجرما!!

والعجيب أن الناس يلبون نداء وطلب الفاسقين العصاة وهم يقولون: (مش هتقدر تغمض عنيك) لماذا لا تسطيع أن تغمض عينيك عن الحرام؟

لماذا لا يمكن لك أن تعلنها صريحة ومدوية تسمع بصوتك الدنيا: أنا أقدر- أنا أستطيع أن أغمض عيني عن الحرام؟!!

ثامنا: يكره رمضان الكسل والخمول وتعطيل الانتاج:

لما تجد الموظف في عمله يجلس على كرسيه ومكتبه ويأتي إليه أحدهم يريد قضاء مصلحته وليست بدعة أن يقضي له مصلحته وهذه وظيفته وذلك عمله!! اسمع:

يقول له: يا أخي أنا صائم، أما تفهم؟!!

وكأن الصيام صار رخصة لعدم آداء المهام والأعمال وصار رخصة لتعطيل الانتاج!!

ولو عدنا بالذاكرة إلى عصر أهل الفهم في عصر رسول الله، نلاحظ معارك وغزوات وفتوحات …. ما هذه الهمة وهم صائمون!! وما العاشر من رمضان عنا ببعيد!!

تاسعا: يكره رمضان التوسع الزائد في المباحات

درسنا في أصول الفقه، أن الإسراف في المباح حرتم، كمن يسرف على نفسه في الأكل -وهو حلال- ثم يجلس عن الطاعة بعد إسرافه في الطعام فلا يستطيع أن يقوم رمضان مع الإمام في المسجد، -فقد أصابته التخمة- وذلك واقعي: فكيف يتحمل القيام وقد ملأت المعدة بما يقعدها ويجلسها عن الطاعة للرحيم الرحمن؟!!!

فالذين يسرفون في الطعام والمشروبات، إن الذين يصنعون ذلك لا يحبهم الله ، قال تعالى: (ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين)

عاشرا: يكره رمضان التعصب والتهود والاندفاع بحجة أنا صائم:

هذا أمر مذموم؛ فالصيام يعود الإنسان الرحمة والرأفة، ويعوده اللطف في التعامل لا الشدة والعنف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما كان العنف في شيء إلا شانه) فاحذر التعصب والتهور والاندفاع وتعلم أخلاق الصائمين الحقيقية.

حادي عشر: وأخيرا -بالطبع- يكره رمضان من ترك الصيام لغير عذر مطلقا، وهذا إثمه أعظم عند الله تعالى.

وما سبق كله قائمة أعددتها لما يكرهه رمضان عسانا أن نبتعد عنه وأن نتحلى بما يحبه ويرضاه!! وهذا نداء رمضاني من رمضان يعرفنا على نفسه فيقول: قد هبت نسائم رمضان، وها هو رمضان ينادي قائلا:

أنا رمضان

أَسْكُب الأنوار فجرًا في قلوب مظلمه

أملأ الأرواح طهرا في نفوس هائمه

أجعل التقوى دليلا كي تعود إلي الطريق

أمة عزت وسادت يوم عاشت مسلمه

أنا رمضان

دمعة العاصي دليل خجله ممن عصاه

سجدة الملهوف للرحمن يستجدي رضاه

موجة الإيمان ألقت نحو شُطْآن النجاه

نفحة من فضل ربي جل ربي في علاه

أنا رمضان

قوة الإيمان في حرب لظاها دائرة

نجدة الأقصى الذي يشكو الجراح الغائرة

دمعة المسكين أمحوها بوعد لن يغيب

نصركم آت قريب يا قلوبا طاهره

فهل من يلبي نداءه ويقول: أهلا ومرحبا بك يا رمضان، ويجتهد في تحصيل فضائله وخيراته، ويحذر من تضييع أوقاته وهداياه الطيبة؟!!.

هذا رمضان ينادي علينا جميعا، أن استعدوا يرحمكم الله!!

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.

………………………………………………………….

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن سيدنا وحبينا محمدا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، أما بعد:

إن شئت من بعد الضلالة تهتدي   صلي على الهادي النبي محمد

ياقومنا صلوا عليه لتظفروا         بالبشر والعيش الهني الأرغد

ويخصكم رب الأنام بفضله          والفوز بالجنات يوم الموعد

صلى عليه الله جل جلاله            ما لاح في الآفاق نجم الفرقد

أيها المسلمون:

أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله وأحذركم وأحذر نفسي معصية الله، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم خشيته وتقواه في السر والعلن … اللهم آمين.

أيها الأخوة:

باع قوم من السلف جارية فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان! لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان، ردوني عليهم!!! يعني: لا تعرفون الصيام ولا الطاعات إلا في رمضان!!

أيها الأخوة:

كيف نستقبل رمضان؟

  1. هل نستقبل رمضان بشراء الياميش والمكسرات التي ينفق عليها أهل بلد مسلمة أكثر من 5 ملايين في العام الواحد؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله!! وهناك فقراء ويتامى ومساكين لا يجدون اللقمة الأصلية التي تقيم صلبهم!!
  2. هل نستقبل رمضان بمعرفة مواعيد برامج ومسلسلات وأفلام رمضان؟
  3. هل نستقبله بالسفر والترحال الكثير والمضيع للحظات الخير فيه؟!

كيف نستقبل رمضان؟

وهذا السؤال نسمعه كل عام في نفس هذا الوقت، وقليل من يهتم بالجواب!!

واستقبال رمضان والاستعداد له أمر مطلوب مخافة أن يفاجئنا الموت بغتة ونحن لا ندري!!

وصدق القائل حين قال:

تزود من الدنيا فإنك لا تدرى

إذا جن الليل هل تعيش إلى الفجر

فكم من صحيح مات من غير علة

وكم من سقيم عاش حينا من الدهر

وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا

وقد نسجت أكفانه وهو لا يدرى

وكم من عروس زينوها لزوجها

وقد نسجت أكفانها وهى لا تدري

الموت يأتي بغتة والناس في غفلة!!

وتعالوا أيها الأخوة، لنتعرف طريق الاستعداد المثلى لرمضان!!

أولا: بالدعاء

ما أجمل أن يلهج لسانك بالدعاء واللجوء إلى الله

لقد كان رسولنا يدعو ربه: (اللهم بلغنا رمضان) فهذه سنة أن ندعو بمثل هذا الدعاء بغية بلوغ رمضان وما فيه من نعم وخيرات!!

وما أحسن قول أحد السلف الصالح؛ حين كان يدعو قائلا: (اللهم سلم لنا رمضان، وسلمنا إلى رمضان، وتسلمه منا متقبلا مبرورا)

ومن الدعاء أن تدعو بدعاء رؤية هلال رمضان: (الله أكبر: اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله هلال خير ورشد)

ثانيا: اصحاب نيات صالحة لاستقباله:

بمعنى: أن تصطحب نية قلبية لا لسانية لأعمال الخير والفلاح والصلاح، فإن هناك كثيرون يدخلون إلى رمضان ويخرجون منه وللا ينوون النية الصالحة، (التي يمكن أن يكسب بها ثوابا كبيرا)

(اصحطب نية ختم القرآن

اصطحب نية قيام الليل في رمضان

نية التصدق بصدق لم أتصدق بها منذ قبل

نية التوبة الصادقة

كسب أكبر قدر من الحسنات

تصحيح السلوكيات)

ثالثا: سلامة الصدر مع المسلمين:

كن في رمضان سليم الصدر معافى من الغل والحقد والحسد للمسلمين، قال تعالى عن الصالحين الكرام، (ربنا اغفر لنا ولإخوانا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)

نق قلبك

طهر فؤادك

اتقوا الله أيها الأحبة في قلوبكم وأفئدتكم، التي يكون النظر إليها من قبل الله، كما قال حبيبنا: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم وصوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم التي في الصدور)

رابعا: إظهار البهجة والسرور والفرح والتهنئة

هنئ إخوانك بقدوم رمضان، وكن إيجابيا في إسعاد الناس، قابل أخيك المسلم بتهنئة لطيفة! أرسل رسائل على المحمول، أو بريدا على الانترنت هنئهم بقدوم رمضان: تقبل الله منا ومنكم

فحري بنا أيها الأخوة أن نظهر البهجة بقدوم رمضان، فنحن لسنا أقل من غيرنا، نعلق زينة رمضان، فوانيس لإرشاد الناس إلى أخلاق كريمة، وما أكثرها وهى موجودة بفضل الله وجاهزة فقط للشراء والتوزيع

وذلك كله؛ حتى لا يكون شهرا عاديا كبقية الشهور، فإذا كان الله فضله وزين جنته فيه وأكرمه بفرح الكون فعلينا أن نكرمه كما كرمه ربه.

وتلك أبسط حقوق الضيوف إذا أتوا لزيارتك!!

خامسا: الإنفاق والبذل والتصدق في رمضان

خلق كريم نبوي في رمضان وغير رمضان، ولكن يفضل ويعلى قدر صاحبه في رمضان أكثر وأكثر.

لم نتكاسل عن إعداد شنطة لرمضان ندخل بها السعادة على قلوب بعض المسلمين

وقد جعلت من العبادات الكريمة: أن تدخل السعادة على قلب مسلم

عبادة بسببها يبقى لك ملك وأنت في القبر وتسأله من أنت؟ فيقول: أنا السرور الذي أدخلته على مسلم يوما من الأيام!

سادسا: التخطيط والتجهيز لوقت رمضان وإعداد برنامج يومي واقعي لرمضان وسنتكلم عنه بعد خطبة الجمعة وسنرفقه للسادة الكرام على الانترنت.

سابعا: قراءة وتعلم أحكام فقه الصيام:

تتعرف على ضيفك من خلال كتاب فقه ميسر أو ما شابه ذلك، وسنتحدث عن بعض أحكام الصيام بعد الجمعة لتعم الفائدة، وسنرفقه أيضا للإخوة المتصفحين على الانترنت.

كل ما سبق إنما هو من باب تعظيم شعائر الله والله يقول: (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)

الدعاء.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...