انفض «مولد» الانتخابات، واستولى الدجاجلة على «النقطة»، وذهبوا لراحة قصيرة يبدءون بعدها مسخرة جديدة من مساخرهم التى لن تنتهى.
انتهت مسخرة الانتخابات وقد علم القاصى والدانى أنها «ملهاة مأساوية» أو «مأساة ملهاوية» شارك فيها البلطجية، وأرباب السوابق، والساقطات، واللصوص، والفاسدون، والفاسقون، والغوازى، وقد أظهروا بلدنا بمظهر البلد الآثم المتخلف الذى لا يسكنه سوى هذه الفئات الضالة، وقد غطى فعالياتهم ونشاطاتهم الفاضحة إعلام كذوب يديره من لا خلاق لهم، ممن يعادون الفضيلة، وينشرون الرذيلة، ويسطون على الدين والقيم؛ فبان لمن لا يعرف شعب مصر أن المصريات كلهن راقصات ماجنات خليعات، وأن المصريين حفنة من تجار المخدرات وأصحاب الكيف أهلكهم التعاطى والسُكر.
وشاهد الناس اللجان التى أنفق على تجهيزاتها وإعدادها ملايين الجنيهات من أموال الشعب المسكين الذى يعانى العوز والمرض والبطالة وقلة الحيلة -وقد بدت خاوية على عروشها تشكو ندرة الناخبين؛ حتى تطوع المتطوعون فداروا فى الطرقات والشوارع ونادوا فى الميكروفونات أن هلموا إلى اللجان، ومن يأت فله خمسون جنيها مكافأة، ويعلم الأبالسة أن هذا المبلغ يعجز عن شراء وجبة إفطار لأب وعائلته.. ورأى الناس رجال المال والأعمال الناهبون لقوتهم، السارقون لجهدهم وقد أعدوا المقار أمام اللجان، يوزعون فيها الرشاوى الحقيرة من الزيت والسكر؛ لشراء أصوات المحتاجين، والجاهلين، والخائفين من جاههم وسلطانهم.
ورأى الناس فى هذه المسخرة أعداء الأمس أصدقاء اليوم، فالسلفى (أبو لحية كاذبة) بجوار النصرانى (الميكافيللى)، والمنقبة المتشددة بجوار السافرة المفرطة، أو الراقصة الضائعة. ورأينا الموظفين، والمدرسين (القدوات) يساقون سوقًا إلى اللجان، بالإرهاب والتهديد، وقد بالغوا فى مذلتهم باشتراط عودتهم إلى أماكن عملهم بعد الانتهاء من التصويت ليثبتوا لرؤسائهم أنهم أدوا ما طُلب منهم؛ بالكشف عن الحبر الفسفورى على أصابعهم.
ورأى الناس كيف سُخرت مؤسسات الدولة جميعها لهذا الغرض، جيشًا وشرطة وقضاء وإعلامًا ووزارات وهيئات. فكم تكلفت هذه المسخرة؟ ومن يتحمل التكلفة؟ وما العائد على المواطن من هذا الإسفاف؟ ويا ليتها كانت انتخابات حرة نزيهة تعبر عن رغبة الشعب وإرادته، كالتى جرت عام 2012 وكانت بحق عرسًا انتخابيًا؛ حيث غصت شوارع المحروسة بالطوابير أمام اللجان والتى امتدت لمئات الأمتار، لم يخرجهم إرهاب دولة، ولا بلطجة مؤسسات أمنية، ولا رجل أعمال فاسد أو لص مستتر، بل خرجوا طوعًا وإرادة وحبًا، خرجوا للتغيير والإصلاح؛ ولثقتهم فى نزاهة العملية الانتخابية برمتها، واطمئنانهم على سلامة أصواتهم.. أما وأن الزمن بين الحدثين لم يتطاول بعدُ؛ فقد علم الناس -يقينًا- أن ما يجرى الآن إن هو إلا جريمة فى حقهم وفى حق بلدهم، لا يكفرها إلا إبعاد هؤلاء المجرمين عن السلطة؛ كى تستقيم الأمور، وتعود البلاد إلى ما فطرها الله عليها من الصدق والأمانة قبل أن يفسدها المفسدون.
انتهت المسخرة، وفى انتظار مئات المساخر الأخرى ما بقى العسكر فى السلطة؛ فلن يمر على المهزلة يوم حتى يُساق إلى المصريين كوارث جديدة من غلاء الأسعار، والتضخم، والبطالة، والانهيار الاقتصادى، غير التضييق على الحريات، وفرض المزيد من مظاهر الاستبداد، وسوف يكثر القتل، ويفشو الاختفاء القسرى والتعذيب، وسوف يلاقى الخصوم ما لم يلاقوه من قبل، وسوف يودع السجون كل من يتفوه بكلمة حرية أو ديمقراطية أو كرامة، أو غيرها من المسميات الإنسانية، وسوف يزيد معدل التنازلات عن الأرض والموارد القومية، وسوف تباع الأصول حتى لا يبقى أصل واحد من الشركات أو الهيئات المنتجة النى تملكها الدولة.
وبعد كل هذا سوف نسمع عن تهديدات من قوى عظمى، أو من جيران لم يكن لهم ذكر. أما التهديدات الكبرى فسوف تكون من الصهاينة وبشكل صريح، بعدما صرنا مطمعًا للقوى والضعيف، والعظيم والحقير، وسوف تزداد النعرة الطائفية، والاستقواء بالخارج، وسوف نرى مظاهر كارثية فى هذا الجانب.. ثم تكون الكارثة العامة؛ التى تكون بداية وفتحًا لفرج كبير -بعون الله وفضله على المؤمنين.. رب اجعل هذا البلد آمنًا.