الإخوان المسلمون.. (90) عامًا في مواجهة الفاسدين

ما بين (22 من مارس 1928) و(22 من مارس 2018) هو عمر جماعة الإخوان المسلمين التى أسسها الشاب حسن البنا، الحاصل على دبلوم دار العلوم العليا سنة 1927، وكان أول دفعته، وقد ساءه أحوال المسلمين فى مصر والعالم؛ فقد ولدت حركته والمستعمر الإنجليزى جاثم على صدر البلاد، وقد انتزع خيرها وكيل أبناءها، وعمل على فرض هويته العلمانية؛ إذ عطلت الشريعة وحل محلها القانون الوضعى، كما كانت البلاد تعانى الأمرّين من نظم الحكم الفاسدة التى قسمت البلاد إلى طبقات متصارعة، وشيع وأحزاب متحاربة.

كذلك جاءت دعوة الإخوان المسلمين والواقع الإسلامى يشهد تدهورًا وتشرذمًا بالغين؛ نتيجة البعد عن منهج الله، ما أطمع المحتل فى وضع يده على كثير من البلاد الإسلامية، وقد مارس فيها دورًا تنصيريًا قذرًا لإخراج المسلمين من دينهم واستلاب قلوبهم كما استلب أراضيهم وثرواتهم، وقد حرص المستعمر على بث أفكار الخنوع والاستسلام بين أبناء هذه البلاد، ومساندة التيارات الصوفية الانعزالية.

وقد صارت الجماعة خطرًا على المستعمر والأنظمة الفاسدة منذ بداية اقتحامها الميدان السياسى، فكان منطقيًا أن تجتمع هذه القوى عليها، وأن تكيد لها، وأن تصطنع معها حروبًا، كلٌ على شاكلته، فلم يتركوا اتهامًا إلا ألصقوه بالجماعة، ولم يتركوا مجالا دخل فيه الإخوان إلا ضيقوه عليهم.. لقد اتهموهم بالعمالة، والحزبية، وبالسعى إلى الحكم، وبالعمل بالسياسة، وأخيرًا بالإرهاب، وهى تهم -كما ترى- متناقضة.

وباستثناء بضع سنوات بعد النشأة -لم يسلم الإخوان من السجن، والتعذيب، والملاحقة، ومصادرة الأموال، والحل، بل القتل. حدث هذا على أيدى الحكومات التى سبقت انقلاب يوليو 1952 خصوصًا حكومة النقراشى الأخيرة، كما حدث على يد قادة الانقلاب وقتها، وعلى يد السادات، ومبارك، وأخيرًا انقلاب 2013.

لكن هذا لم يثن الإخوان عن المضى في طريقهم؛ ذلك أن هذا أمر طبيعى فى تاريخ الدعوات؛ فما من صاحب رسالة إلا أذاه قومه، وألجئوه إلى العنت والضيق، فصبر الإخوان -ولا يزالون- وصابروا، ولم لا وهم كما يرددون فى أدبياتهم: «نحن أيها الناس -ولا فخر- أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملة رايته من بعده، ورافعوا لوائه كما رفعوه، وناشرو لوائه كما نشروه، وحافظو قرآنه كما حفظوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا، ورحمة الله للعالمين».. وقد زادت لذلك أعدادهم، وسادت فكرتهم حتى صارت عصية على أعدائها؛ فكلمتهم مسموعة، ورأيهم نافذ؛ إذ لا يقادون برغبة ولا برهبة، ولا يخشون أحدًا إلا الله، ولا يغريهم جاه ولا منصب، ولا يطمعون في منفعة ولا مال، ولا تعلق نفوسهم بعرض من أعراض هذه الحياة الفانية، ولكنهم يبتغون رضوان الله، ويرجون ثواب الآخرة، ويفرون من كل الغايات والمطامع إلى غاية واحدة ومقصد واحد هو رضوان الله..

والإخوان لا يعرفون اليأس؛ لعلمهم أن اليأس ليس من أخلاق المسلمين، وأن حقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد، كما يعلمون أنه لازال فى الوقت متسع، ولازالت عناصر السلامة قوية فى نفوس الشعوب المؤمنة، رغم طغيان مظاهر الفساد، وأن الضعيف لا يظل ضعيفًا طول حياته، وأن القوى لا تدوم قوته أبد الآبدين. وأن الإخوان على استعداد دائم؛ ليقينهم أن الدور عليهم فى قيادة الأمم وسيادة الشعوب، وأن العالم ينظر إلى دعوتهم، دعوة الهداية والسلام؛ لتخلصه مما هو فيه من آلام..
إن الدماء التى أريقت فى سبيل نشر هذه الدعوة وإن المعذبين من أبناء الجماعة، من يوم نشأتها وحتى اليوم، وإن التضحيات الغالية التى قدمها المنتمون لهذه الحركة -على مدار تاريخها- هى التى جعلت العقيدة الإسلامية راسخة فى قلوب المسلمين، وهى التى وحدت المشاعر وقوت الرابطة الإسلامية، ووجهت الأنظار إلى أعداء الأمة الحقيقيين، وهى التى أفرزت من الأمة عناصر قوية فتية مجاهدة، قادرة على دحر المعتدين وجلد الظالمين.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...