وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
قال تعالى : “وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُوم“ُ [الطور : 48] الصبر على الأذى البدني والمعنوي ”
لقد تحمل النبي وأصحابه الكثير من أذى قومه بصبر جميل وعزم طويل ، استمر سنوات والرسول يحتشد وأصحابه لعظائم الأمور ، ويستحثهم على مواجهة نزق الكافرين، وظلم المتكبرين بمزيد من الصبر الجميل ويناديهم القرآن في :
1. قال تعالى : “وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُوم“ُ [الطور : 48] 2. وقال تعالى : “وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ” [السجدة : 24] .
والروايات كثيرة في أنواع الأذى للرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك مايلي :-
1. ما رواه البخاري بسنده عن ابن مسعود رضى الله عنه قال :
” بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَلا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلانٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاهَا فَيَجِيءُ بِهِ ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَثَبَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنْ الضَّحِكِ فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلام وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَثَبَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ :” قَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ” ثُمَّ سَمَّى “اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ” قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم “وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً“{ فتح الباري ، لابن حجر العسقلاني، كتاب الصلاة (2 / 179)}
2. ما رواه الترمذي بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”
لَقَدْ أُخِفْتُ في الله وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ في الله وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاَثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَالِي وَلِبِلاَلٍ طَعَامٌ يَأْكُلُه ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَيْءٌ يُوَارِيه إِبْطُ بِلاَلٍ» . قال أبو عِيسَى : هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. { سنن الترمذي ،(7/ 185) ، برقم 2521}.
3. ما أورده ابن هشام أن أمية بن خلف عدو الله كان يعنف في وجه النبي صلى الله عليه وسلم .
4. ما أورده ابن الأثير في أسد الغابة أن أم مصعب بن عمير حبسته وأجاعته ثم طردته لما أصر على إسلامه.
5. ما أورده ابن حجر في الإصابة أن صهيب الرومي كان يُضرب حتى يفقد وعيه .
6. وما أورده ابن سعد في الطبقات أن أمية بن خلف كان يربط بلالا في حبل ويأمر الصبيان أن يطوفوا به في الجبال ، ويطرحه في الصحراء ويضع عليه صخرة كبيرة مع الحر الشديد، ويجيعه فما صرفه ذلك عن دين الله تعالى .
7. أورد ابن الأثير في أسد الغابة أن مشركي قريش كانوا يجرّون خباب بن الأرت من شعره على الأرض ، ويلوون عنقه، ويلقونه في النار .
8. ما أورده ابن هشام أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ـ قبل إسلامه ـ كان يضرب جارية لبني موئل ولا يتركها إلا ملالة من كثرة ضربها ، وكان مشركو قريش يعذبون زنيرة والنهدية وابنتها وأم عبيس ، حتى إن إحداهن ـ ولعلها زنيرة ـ قد عميت من كثرة تعذيبها .
9. ما رواه ابن هشام والعامري أن بني مخزوم كانوا يشتدون في تعذيب عمار وأبيه ياسر وأمه سمية رضى الله عنهم، فيخرجونهم إذا حميت الظهيرة فيعذبونهم في رمضاء مكة ، والرسول صلى الله عليه وسلم يواسيهم ، بقوله : “صبرا آل ياسر إن موعدكم الجنة “، وظل التعذيب حتى طعن أبو جهل سمية بحربته في قبلها ، فكانت أول شهيدة في الإسلام .
ومع هذا البلاء الشديد،:”
والجرح الغائر، والملاحقة المستمرة ، والتضييق الدائم إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث الأمل في أصحابه أن يغير الله تعالى من هذه المحن لتكون منحا ربانية وفي ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن خباب بن الأرت قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل الكعبة متوسداً بردة له، فقلنا يا رسول الله، ادع الله تبارك وتعالى لنا واستنصره، قال: فاحمر لونه أو تغير فقال: «لقد كان من كان قبلكم، يحفر له حفرة ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق ما يصرفه عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظم من لحم أو عصب ما يصرفه عن دينه، وليتمن الله تبارك وتعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله تعالى والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون» {مسند الإمام أحمد ، حديث خباب بن الأرت عن النبي ، (6 /125)}،
فهذا درس في الأمل يجب أن يبثه دائما الخطباء والأئمة والمدرسون والآباء والأمهات فضلا عن قادة الأمة الإسلامية في جميع مواقفهم
لكن هناك بشارة أخرى يجب أن يعلمها المسلمون أن كل من آذى مسلما، أو منع داعية إلى خير ، أو ظلم بريئا فإن انتقام الله تعالى يلاحقه في الدنيا قبل الآخرة ،
ومن ذلك ما يلي :-
‌أ- أورد الذهبي بسنده أن الرسول صلى الله عليه وسلم بسند صحيح في السيرة النبوية {ص 143} و البيهقي في الدلائل {2/316} من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : في قوله تعالى : “إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ” [الحجر : 95]، قال المستهزئون هم: الوليد ابن المغيرة وقد أصيب بالنبال فمات، والأسود بن عبد يغوث الزهري وأصابه العمى، وأبو زمعة الأسود بن عبد العزى مرض بقروح في رأسه فمات بها، والحارث بن عطيل السهمي أصيب بمرض الصفراء حتى خرجت فضلاته من فمه ومات بها، والعاص بن وائل وقع على شوكة فمات بها.{صحيح السيرة النبوية ، إبراهيم العلي ، (ص114)}
1. ما رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على قريش ثم سمى «اللهمَّ عليكَ بأبي جَهل، وعليكَ بعُتبةَ بن رَبيعةَ، وشَيبةَ بنِ ربيعةَ، والوَليدِ بن عُتبةَ، وأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وعُقبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ» وعدَّ السَابعَ فلم نحفَظْهُ. قال: فوَالذي نفسي بِيدهِ، لقد رأيتُ الذينَ عَدَّ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَرعى في القَليبِ، قَليبِ بَدْر.{صحيح البخاري ، باب إذا القي على ظهر مصلي قذر ، (1/464 ، 241)}

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...