حرروا عروشكم وجيوشكم تتحرر قدسكم

بقلم: عامر شماخ

مخطئ من يظن أن حاكمًا أو جيشًا عربيًا سينشغل بقضية القدس؛ فتلك قضية المسلمين الذين يعرفون فضل هذه البقعة من الأرض، ويقدرون أهميتها فى دينهم؛ أما هؤلاء وجيوشهم فلهم قضايا واهتمامات أخرى، ولا يشغلهم الدين إلا للإجهاز على أتباعه، أو إقصائه من مجتمعاتهم الفاسدة، وأنّى تكون لهم القدرة على مواجهة دولة يهودية متعصبة- كلُّ من فيها رُبُّوا على تقديس دينهم وإعزاز شعائره- وهم صرعى السلطة والترف والجهل؟.
من أجل ذلك لا نعجب أن يستسلم هؤلاء الإمّعات لهذا العدو الماكر، وأن يكونوا سيفًا مسلطًا على شعوبهم؛ لقتل روح الجهاد فيها، ولمنعها من الاهتمام بمثل هذه القضايا التى تعرقل جهود العدو لتنفيذ مخططاته.
وقد جاءت الأحداث الأخيرة كاشفة فاضحة لتلك الممالك والرئاسات والجيوش التافهة، ويأبى الله إلا أن يضعهم فى مواجهة مع الشعوب، وأن يجلل رءوسهم بطين العار؛ إذ منهم من ضنَّ على أرض المعراج بمظاهرة شعبية تهتف بأحقية المسلمين فى تلك البلدة المباركة وما حولها، ومنهم من أودع المعارضين للقرار الأمريكى سجونه ومعتقلاته البائسة، أما غالبية هؤلاء النكرات فلم تعترض على القرار، ومن اعترض فلذر الرماد فى العيون على طريقة ( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ(.
أما أقذر هؤلاء جميعًا؛ فهم من فضحهم إعلام العدو نفسه وقال إنهم هم من ساندوا «ترامب» وشجعوه على اتخاذ قراره بنقل سفارته إلى القدس، وقد سمَّت وسائل الإعلام هذه دولتين باسـمـهما: مــصـر والسعودية، وهما – للأسف- أكبر دولتين فى عالمنا العربى التعيس.
إن من المعلوم أن قادة الصهاينة لم يصلوا إلى مواقعهم القيادية إلا لتدينهم المتميز ولعلمهم بتوراتهم وبأسفار أنبيائهم، وبحقيقة الصراع بينهم وبين الأمم الأخرى، أما (قادتنا!!) المفروضون علينا كالوباء الذى لا نجاة منه؛ فقد وصلوا إلى تلك القيادة بفسادهم وإجرامهم، وبجهلهم وغبائهم وقسوتهم؛ فإذا حدثت أحدهم عن القدس فكأنما ألقيت عليه جمرة مشتعلة، وإذا قلت له إن فلسطين كلها أرض مباركة فغر فاه وقال: ما لنا وفلسطين؛ كما أجاب أحد رؤساء وزراء مصر السابقين لما سئل عما يجرى فى فلسطين قال: أنا رئيس وزراء مصر، اسألوا رئيس وزراء فلسطين؛ إذ لا يعلم الجاهل المتكبر -وهو مسلم- أن تلك الأرض قد خُصت بالذكر فى الكتاب والسنة، وأن الأقصى الموجود بها هو أولى القبلتين وثالث الحرمين والذى تشد إليه الرحال كحرمى مكة والمدينة تقديسًا وإكبارًا، وأن تلك الأرض التى انفصل عنها الأرعن بكليته فلا يعرف عنها شيئًا هى أرض الرسالات، ومهبط الأنبياء، ومقبرة الصحابة الأجلاء، وأنها مدخل رئيس للمحروسة؛ من خرج منها معاديًا آذى مصر وأهلها، ومن خرج منها مواليًا أعز مصر وأهلها؛ فأمانها أمن قومى لمصر، وضياعها -لا قدر الله- ضياع لمصر.
إننا لا نشك -على الإطلاق- أننا منصورون على اليهود، محررون لأرض فلسطين من أولها لآخرها؛ هذا وعد الله لا يخلف الله وعده، لكن النصر لا يكون بهؤلاء العبيد الذين انحازوا وأضاعوا دنياهم وأخراهم؛ إنما يكون النصر بأهل الجهاد والنصرة، وبأهل التجرد والتضحية، ما يعنى أن العروش والجيوش القائمة لا تصلح لهذه الأمة؛ إذ هى أبعد عن ذلك بُعد المشرقين، من ثم وجب الإسراع بتفكيكها وهدمها، وتدشين البديل الحق ذى العقيدة السليمة والفكر الرشيد، القائم على العلم والعدل والحرية، الذى يزع الله به ما لا يزع بالقرآن؛ وإن بديلا كهذا فى ظل ممالك واسعة وأراض عريضة وشعوب بأعداد كبيرة؛ لن تقف فى وجهه قوة مهما كان عددها وعدتها، ولن تخشى أحدًا إلا الله، ولن تذل أمام أمة من أمم الأرض؛ فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
نقولها والله مخلصين لمن ملكونا قهرًا واغتصابًا لعل فيهم رجلاً رشيدًا: هذه فرصتكم لنصرة الحق إن أردتم عزى الدنيا والآخرة؛ فالله معكم والشعوب من ورائكم إن أنتم عقدتم العزم وأخلصتم نياتكم لله. أما إن كانت الأخرى -أى ما أنتم عليه الآن- فسوف تموتون على خزى وعار، وذل وشنار، وسوف ينتظركم وعد الله فيمن باعوا دينهم بثمن بخس، وفيمن خذلوا المسلمين وقت أن كانوا يبحثون عن النصير..

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...