بئر العبد .. لبنان ومصر القاتل واحدٌ والضحيةُ واحدةٌ

مصطفى اللداوي

من لبنان إلى مصر، ومن بيروت إلى سيناء، ومن بئر العبد الضاحية إلى بئر العبد العريش، الجريمةُ واحدةٌ والقاتلُ واحدٌ، والضحية نحنُ لا غيرنا، وأهلنا لا أعداؤنا، وأبناؤنا لا أبناؤهم، وكأن أعداء الأمة قد تعاهدوا فيما بينهم على استهدافها وقتلها في أي مكانٍ، وتآمروا عليها للنيل منها في أي زمانٍ، فعمدوا إلى استهداف خواصرها الضعيفة ومهاجمة أطرافها البعيدة، والمس بحياة أبريائها من المدنيين والنساء والأطفال والشيوخ، ومن المصلين الذين يلجأون إلى المساجد.

قديماً في قلب بيروت العاصمة وفي عمق ضاحيتها، وفي محلة بئر العبد، وفي مسجدٍ جامعٍ، وفي يوم جمعةٍ مباركةٍ، قبل سنواتٍ تزيد عن الثلاثين عاماً، استهدف المجرمون مسجد الإمام الكاظم في بئر العبد في بيروت، وفجروا فيه عبوةً ناسفةً شديدة الانفجار، قتلت المئات من الرجال والنساء، وأصابت شظاياها مئاتٍ آخرين، وقد ارتكب الجريمة عدوٌ واضحٌ لا يخفي عداوته ولا ينكر جريمته، ولا يتردد أو يخجل من إعلان مسؤوليته عنها، ولا يتورع عن تكرارها والقيام بمثلها وأشد، وقد ارتكب غيرها فعلاً ولم يبالي، وأعلن مسؤوليته عنها ولم يخف، وكان الانفجار يستهدف السيد محمد حسين فضل الله الذي كانوا يتحسبون من دوره، وقد قال عنه وليام كيسي مستشار الأمن القومي الأمريكي في حينها، إنه يزعج السياسة الأمريكية وكان ينبغي إزاحته.

اليوم تتكرر الحادثة نفسها لكن في مكانٍ وزمانٍ آخر، في مسجد الروضة ببلدة بئر العبد في شمال سيناء بمصر، وفي يوم جمعةٍ مباركةٍ آخر، وبينما المصلون في مسجدهم آمنين، وبين يدي الله سبحانه وتعالى مطمئنين، عاد ذات المجرمين، ونفس القتلة المتآمرين، وإن كانوا بلباسٍ آخر وثوبٍ مختلفٍ، إلا أنهم ذاتهم الذين فجروا قديماً وما زالوا يفجرون حتى اليوم بين جموع المسلمين وغيرهم، ويدعون أنهم مسلمون وهم منه براء، ويتحدثون كالآدميين وهم إلى الدواب والبهائم أقرب، بل لعلها أعقل منهم وأفهم، وأكثر رحمةً منهم ورأفة، فهي لا تقتل ولا تفتك، ولا تعتدي ولا تظلم، بل تتضامن لحماية بعضها، وتتكاتف للدفاع عن صغيرها.

أعداؤنا ليسوا الإسرائيليين وحدهم، والحركة الصهيونية وقوى الاستعمار والاستكبار العالمية، إنهم كل من يتآمر على هذه الأمة ولو كانوا من أبنائها، ويحملون أسماءها ويدينون بدينها، ويتكلمون بلسانها، لكنهم بأفعالهم الشنيعة من الإسلام براء، وإلى العروبة لا ينتمون، وإلينا لا ينتسبون، ولو كان بعضهم ولداً لنا أو بعض أهلنا، فإنهم ليسوا منا, إنهم بشهادة الله عز وجل “عملٌ غير صالح”، يتآمرون مع العدو ويشتركون معه في استهداف أمتهم وقتل أبنائها، بل إنهم أشد علينا وأخطر من العدو البادي في سواده، والظاهر في عدائه، بينما هم يدخلون مساجدنا ويفجرونها، ويتجولون في أسواقنا ويزرعون فيها العبوات الناسفة، ويعيشون معنا وهم يخططون لقتلنا، فهل يستويان وصفاً، فذاك عدوٌ نعرفه ونحذره وننتصر عليه، وهذا عدوٌ ينافقنا ويعيش معنا فلا نعرفه ولا نستطيع أن نميزه.

ويح هؤلاء المجرمين القتلة ماذا يفعلون؟ وأي جرمٍ يرتكبون؟ وبأي وجهٍ سيلقون ربهم؟ وبأي لسانٍ سيخاطبونه يوم القيامة؟ وكيف سيفسرون جرائمهم يوم الحساب؟ وبماذا سيبررونها؟

ماذا سيقولون للطفل الذي ينتظر والده الذي لن يعود إليه وإلى بيته من صلاة الجمعة، وماذا سيقولون للنساء اللواتي فقدن أولادهن أو أزواجهن، أو حرمن من آبائهن وإخوانهن، ماذا سيقولون للشيخ العجوز الذي قصم ظهره فقدُ ابنِه وخسارةُ ولدِه، وكيف سيواصلون حياتهم وبأي وجهٍ سيبتسمون لأهلهم وهم قد قتلوا منهم المئات، وأدموا قلوب الملايين.

إنها دماؤنا التي تسيل، وأرواحنا التي تزهق، ورجالنا الذين يقتلون، وأطفالنا الذين ييتمون، ونساؤونا اللواتي يرملن، ومستقبلنا الذي يضيع وحاضرنا الذي يفسد، وواقعنا الذي يسوء، وأملنا الذي يتبخر وأحلامنا التي تتبدد، فنحن الذين نخسر لا سوانا، وقلوبنا التي تنكأ وتفجع، وصورتنا هي التي تتشوه، وشعبنا الذي يقتل أو يفر ويهرب، ويهاجر ويلجأ، وأرضنا هي التي تخلو من أهلها وتتصحر من سكانها، وليس من يبكينا سوانا، ولا من يحزن على أحوالنا غيرنا، ونفوسنا على أحوالنا تتفطر، وقلوبنا تتوجع، ودموعنا من مآقينا تفر، ورغم ذلك فإن سكين الإرهاب ما زالت تحز رقابنا.

يا ويلنا نحن العرب والمسلمين مما يجري في بلادنا، ويحل بأمتنا وشعبنا، من ذا الذي يعبث بأمننا ويروع أهلنا ويقتل أبناءنا؟ هل نلقي باللائمة فقط على عدونا ونحمله ما يقع لنا ويجري علينا، وفق ما تعودنا عليه قديماً من نظرية المؤامرة، أم نتحمل بعض الوزر، ونشارك في جزءٍ من المسؤولية، فهؤلاء الضالون المفسدون، القتلة المجرمون، إنما هم من بني جلدتنا، ممن تربوا معنا وعاشوا بيننا، لكنهم يحاربون الله ورسوله، ويروعون المؤمنين والآمنين والمطمئنين في بيوتهم ومنازلهم، فاستحقوا بذلك حد الحرابة الذي نص عليه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وهو أشد أنواع الحدود وأكثرها ردعاً وزجراً لعظم ما يرتكبون، فكان لزاماً علينا تنفيذ حد الله فيهم، وألا تأخذنا بهم رأفة ولا رحمة، وألا نخفف من جريمتهم، أو نلقي باللائمة على غيرهم، فهؤلاء أدواتٌ قذرةٌ بأيدي أعداء الأمة، يستعملونهم ثم يلقون بهم بعد المهمة كالورقة المهملة، والفضلات القذرة النتنة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...