بقلم : مجدي مغيرة
بعد عجز السيد القديم { الإمبراطورية البريطانية } لمنطقتنا عن الاستمرار في التحكم فيها وتسييرها بما يتفق مع مصالح الغرب ، سلَّمت الراية للقوة الفتية الجديدة المؤتمَنة على الحضارة الغربية ومصالحها وهي الولايات المتحدة الأمريكية ، ومع الراية التي تسلمتها أمريكا ، تسلمت معها العملاء الذين ربتهم إنجلترا على عينها من خلال وجودها في مصر .
ومن خلال المخابرات الأمريكية التي جنَّدت المزيد ممن نسميهم النخبة العلمانية من كُتَّابٍ وسياسيين ومحللين وصحفيين ، شعرت أمريكا بقرب انفجار ثورة كبيرة في مصرالملكية قد تقضي على نفوذ الغربيين فيها ، وتأتي بزعامات مخلصة لبلادها ، وحريصة على تنميتها تنمية شاملة بما يتعارض مع مصالح الغرب .
حينذاك رأت القوة الجديدة أن تستبق الأحداث ، وتسرع بعمل انقلاب عسكري { كانت قد جربته قبل ذلك في سوريا من خلال ثلاثة انقلابات : حسني الزعيم ، فسامي الحناوي ، ثم أديب الشيشكلي } في مصر وتحويلها إلى جمهورية لضمان أن تكون الزعامة الجديدة حارسا أمينا على مصالح الغرب في المنطقة ، وعلى رأسها الحفاظ على دولة إسرائيل الوليد الجديد للغرب في المنطقة ، وقد نجحت أمريكا بالفعل في عمل الانقلاب المشهور عندنا بثورة يوليو1952 بقيادة جمال عبد الناصر .
وفي ثورة 25يناير 2011م ، فشلت أمريكا في الحفاظ على كنز إسرائيل الإستراتيجي ، واضطرت مكرهة أن تتخلى عنه ، ثم حكم المجلسُ العسكري البلادَ على أمل أن يحتوي الثورة ، ويعيد الهدوء مرة أخرى إلى البلاد .
لكن الرياح أتت بما لا تشتهيه أمريكا ، وقد رأت الإخوان المسلمين يتصدرون المشهد في مصر مرة أخرى ، بما يعنيه ذلك من السير في طريق نهضة حضارية شاملة ستؤدي بالضرورة تدريجيا إلى تحرير البلاد من قبضة الغرب ، والتهديد الوجودي لدولة إسرائيل ؛ فدبرت انقلاب السيسي على الرئيس الإخواني المنتخب انتخابا حرا نزيها بشهادة جميع المراقبين .
بعد انقلاب السيسي على العملية الديمقراطية في البلاد ، وتصدره للحكم ؛ وتحويله مصر إلى مسلخ بشري ، قدمت له الدول الإقليمية بإيعاز من أمريكا وأوربا معوناتٍ ضخمة لتقف البلاد على قدميها مرة أخرى ، لكنَّ الفشلَ الذريعَ لاحق الرجل في كل خطوة يخطوها بشكل ظاهر للجميع ، وبتوالي المصائب ؛ بدأ كثير من أفراد الشعب المصري يفيقون من سكرة الانبهار بالسيسي وبالحكم العسكري .
ومع مزيد من القمع ، ومزيد من الفشل ، ومزيد من التنازل عن حقوق مصر شمالا { حقول الغاز في البحر المتوسط التي أعطاها السيسي لليونان وإسرائيل } وجنوبا { حلايب وشلاتين } وأخيرا شرقا { جزيرتي صنافير وتيران } ، وربما يكون هناك – والله أعلم – المزيد من التنازلات مع استمرار الفشل .
مع الاستمرار في هذا التدهور بدأت الأصوات في الارتفاع مرة أخرى ، وبدأنا نرى حاجز الخوف الذي بناه السيسي بالقمع الوحشي يتخلخل ويتشقق ، بما ينذر بحدوث ثورة عاتية تقتلع جذور الفساد والتبعية للغرب ، وربما اختفاء الحكم العسكري من سماء مصر اختفاء أبديا بلا رجعة .
إزاء ذلك ربما تُكَرِّرُ أمريكا لعبتَها القديمة مرة أخرى ، فيتحرك بعض عناصرها في البلاد بانقلاب جديد ، يزيل بعض آثار انقلاب السيسي ، ويخفف من وطأته الشديدة على الشعب ، وينادى – كذبا وخداعا وتضليلا وتدليسا – ببدء عهد جديد، وفكر جديد، وخارطة طريق جديدة .
لكن بالطبع سيكون هذا من باب الأماني العِذَاب ، والوعود السراب ، وذلك لأن الغرب بقيادة أمريكا حديثا ، { وبقيادة فرنسا وإنجلترا قديما } يرى في نهضة المنطقة خطرا شديدا على حضارتهم ، وحرمانا لهم من نهب ثروات المنطقة ، وتهديدا صريحا لربيبتهم المدللة إسرائيل ، بما يعني حرصهم على تولية من يعمل على استمرار تبعية البلاد لهم .
ولذلك أقول أنَّ أيَّ نظام جديد بعد نظام السيسي الذي تبدو عليه أمارات الاحتضار ، لابد أن يكون معبرا عن مصالح الشعب ، وحضارة الشعب ، ودين الشعب ،وثقافة الشعب ، ولا بد أن يفسح المجال لمشاركة الجميع دون إقصاء ، ويفتح الميدان للجميع دون تهميش ، وأن يقتص ممن شارك في سفك الدماء دون تأخير ، ويعاقب كل من شارك في نهب البلاد دون استثناء ، ويحاسب كل من شارك في استمرار البلاد تابعا ذليلا للغرب دون أي تقصير أو تأجيل .
آن لنا ألا تخدعنا وعود العسكر مرة أخرى .
آن لنا ألا ننخدع بنظام غير نظامنا الإسلامي ، ولا بحضارة غير حضارتنا مرة أخرى .
آن لنا ألا ننخدع بمعسول كلام الغرب مرة أخرى .
آن لبلادنا أن تنال حريتها بعد مائتي عام من التبعية الذليلة للغرب منذ أيام محمد علي ، وحتى أيام السيسي كالحة السواد .
آن لحكوماتنا أن تكون معبرة عن تطلعاتنا ، لا أن تكون خادما أمينا لما يريده الغرب منا .
آن لرجالنا وشبابنا ونسائنا وحتى أطفالنا أن يستأنفوا من جديد رحلة المجد الخالد ، وأن يعيدوا على أسماعنا من جديد أناشيد الانتصارات الرائعة ، وأن يقرروا من جديد مصير أمتهم انطلاقا من عقيدتهم وحضارتهم .
إن نفسا ترتـضـي الإسـلام دينـا
ثم ترضــى بعــــده أن تستكينــا
أو ترى الإسلام في أرض مَهينا
ثم ترضى العيشَ نفسٌ لن تكونا
فــي عداد المـسـلمـين الأوفيــاء