غزة لم تعد وحدها!

وائل قنديل:

 

بلغة أهل الدراما، الكلمة المفتاح في مأساة الانقلاب على الرئيس المصري (الأسير)، محمد مرسي، كانت صرخته المدوية: غزة لم تعد وحدها.

كانت تلك الصيحة بمثابة تدشين زمن جديد، وتعامل مصري آخر مع الموضوع الفلسطيني.. تعامل يستجيب لروح ثورة عصفت بمنظومة من الانبطاح التام أمام العربدة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واعتداءاتها المتكررة على الشعب المقاوم.

لم تزعج هذه الروح المصرية الجديدة الكيان الصهيوني فقط، وإنما أصابت النظام الرسمي العربي بالقلق، إذ وجد نفسه بصدد موقف مختلف كلياً، يتجاوز النمط الاعتيادي المتكرّر، أو المتكلس بالأحرى، من ردود الأفعال العربية: بيانات الشجب والاستنكار، ثم تخصيص بعض المبالغ للإعمار، على النحو الذي كان يؤدي إلى معادلة شاذّة ومختلة، مضمونها النهائي: إسرائيل تعربد كما تشاء والنظام الرسمي العربي يسدد فواتير العربدة والعدوان، من دون أن يفكر أحد في ارتكاب “خطيئة” التفكير في رد العدوان، ولو بالتلويح بإعلان موقف صارم وواضح، بعيداً عن هزلية المطالبة بضبط النفس وتقديس نصوص “عملية السلام”، تلك العملية التي كانت الخدمة فيها هي الوظيفة الوحيدة لحسني مبارك، التي نال عنها شهادة “الكنز الاستراتيجي” من الكيان الصهيوني.

سال الحبر وفاض في بيان أن إسرائيل كانت حاضرة، بل قائدة، في المشروع الإقليمي لإطاحة الرئيس مرسي، والذي هو بالأساس مشروع من أجل التخلص من هذا “التهور والمروق” في الموقف الرسمي المصري، الذي يتمرّد على تلك الوظيفة المشينة، وظيفة الكنز الاستراتيجي وضابط الإيقاع في ملاهي عملية السلام، فكان أن التقت إرادات كارهي التغيير (النظم العربية المعادية للثورات) وأعداء المقاومة (الكيان الصهيوني وتوابعه).

وفي ذلك يمكنك العودة إلى عشرات من التصريحات الصادرة عن سياسيين وعسكريين صهاينة، تؤكد شراكة إسرائيل، بل وريادتها، في مشروع التخلص من حكم محمد مرسي، ويضاف إليها اعتراف النائب في برلمان السيسي والسياسي المقرب من الكاتدرائية والاتحادية، عماد جاد، المنشور أخيرا، بشأن الدور الإسرائيلي في نجاح انقلاب عبد الفتاح السيسي.

ما يهمنا هنا أن الانقلاب على الرئيس مرسي كان، في أحد وجوهه، البارزة عقاباً وحشياً على موقف جديد يعلن الدعم الكامل للمقاومة الفلسطينية، وفي طليعتها “حماس”، ويتصدي للعدوان بالأفعال، لا بالبيانات والمناشدات، وبحسبما قاله لي الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، في حوار منشور بالكلمة والصورة، إن اتفاق الهدنة بعد عدوان 2012 يمثل تاريخاً جديداً وعلامة فارقة في الموقف الرسمي المصري من القضية الفلسطينية، فكانت إدارة الأزمة بقيادة مصر، ومشاركة تركيا وقطر، التي أوقفت العدوان، بعد ساعاتٍ من الرسالة شديدة الوضوح التي حملتها تصريحات الرئيس مرسي إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي، وإن ما كان سائداً في زمن ما قبل الثورة لم يعد قائماً الآن.

تأمل معي الصورة الآن: الرئيس مرسي في السجن، وتركيا وقطر على لائحة الأعداء بالنسبة لسلطة الانقلاب في مصر، ولإسرائيل، ولمحور أعداء الثورات من الأنظمة العربية، المشاركة للكيان الصهيوني في عملية إطاحة نظام الرئيس مرسي.

أكمل تفاصيل الصورة: أدوات الانقلاب على مرسي التي شيطنت “حماس”، واعتبرت المقاومة الفلسطينية إرهاباً، وإسرائيل شريكاً وحليفاً في الحرب على الإرهاب، يعلنون عن مصالحة فلسطينية الآن، وينزلون ضيوفاً على غزة، وعلى “حماس”، فتتم إزالة صور الرئيس مرسي، وترفع صور عبد الفتاح السيسي، ويتم تجاهل وسائل الإعلام الداعمة للمقاومة  في التغطية، ويفرش البساط تحت أقدام أبواق إسرائيل في إعلام السلطة الانقلابية، ويتغير اتجاه رياح البذاءة، فيفصل تعسفياً بين “حماس” كتائب القسام، وتنتصب حفلات المجون السياسي والإعلامي معلنة انضمام “حركة المقاومة” إلى النظام الرسمي العربي.

تلك هي تفاصيل الصورة، الجديدة كلياً، ثم حين نبدي قلقنا على مشروع المقاومة، يأتيك الرد غاضباً : دعوا شعب غزة المحاصر يعيش، ثم يباغتونك بانفعال أهوج: ارفعوا أيديكم عن شعب غزة، ولا تطلبوا من “حماس” أن تخوض معارككم الداخلية.

حسناً، ليس مطلوباً من حركة حماس أن تخوض معارك أحد، إلا معركة غزة وفلسطين، و”حماس” تدرك ذلك جيدا، وتعلنه منذ الانقلاب، ولا تشتبك، ولا ينبغي لها أن تشتبك، مع صراع سياسي داخلي، في هذه العاصمة العربية أو تلك.. كما أن المقاومة ليست مدينةً لأحد بأي أثمان وفواتير، بل نحن جميعاً مدينون لها بالتأكيد. وحين نبدي قلقنا من مسار خطير، فإنما نفعل ذلك حرصاً على مقاومةٍ من أجل فلسطين، وليس استثماراً فيها.. تلك المقاومة التي قال لي خالد مشعل يوماً “ليست فقط خيارنا الاستراتيجي وإنما هي حياتنا وهي روحنا”.

لا تزهقوا روح المقاومة، ولا تهينوا  الشعب الفلسطيني في غزة بأن يقال إن قضيته الأولى هي الخبز والماء والكهرباء.

أما الرئيس “الأسير” فيكفيه أن كل ما يجري حوله وحولنا يمثل اعتذاراتٍ له عن كل ما أصابه من سهام الانحطاط والبذاءة.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...