إن الثقة في الأفراد تفجر الطاقات، وتنمى المواهب والقدرات، وتحررالفكر، وتنضج الملكات، وتنمي الشخصيه، وتصقل المواهب، وتزيد من ثقة الفرد في نفسه وثقته في قيادته، والقائد الرباني هو الذي يربي قادة لا أتباعاً، ويجني من غرس يده قيادات لا تقل عنه كفاءة، بل قد تتفوق عليه، ولا يجد في نفسه غضاضة أن يعمل جندياً مع بعضهم في مرحلة من المراحل؛ فيتعلمون منه جندياً كما تعلموا منه قائداً. والقائد الحقيقي لا ينافس الأفراد ولا يُضيق عليهم، ولا يَضيق بهم، وإنما يفسح لهم في قلبه وعقله ووقته، كما يفسح لهم في الميدان العملي ليدربهم علي عينه.
وسيرة المربي الأعظم صلي الله عليه وسلم مليئة بالشواهد علي تربيته للقادة بالثقة فيهم وفي قدراتهم، فاختياره صلي الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضى الله عنه لقيادة جيش البلقاء والداروم جعل منه قائداً عسكرياً فذاً، وقوله صلي الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود: “أتعجبون من دقه ساقه. إنها أثقل عند الله من جبل أحد” فجر ينابيع الثقة في نفس ابن مسعود ودفعه أن يغشي مجالس الكفار ويقرع أسماعهم بالقرآن الكريم مستهينا بما يصيبه من أذي، وقد دخل خالد بن الوليد الإسلام بمقولة بلغته عن رسول الله ملأته ثقة في نفسه وفي مستقبله مع الدين الذي حاربه طويلاً؛ فقد بلغه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: “ما مثل خالد يجهل هذا الأمر، وإن له عقلاً رجوت ألا يسلمه إلا لخير، ولئن جاءنا قدمناه علي غيره” فأسلم و لقبه صلي الله عليه وسلم بسيف الله المسلول، و قدمه علي غيره وكذلك فعل خليفته أبو بكر رضي الله عنه؛ فظهرت عبقريته الحربية وملأت شهرته الآفاق.