الفرق بين عاصمة السيسي وعاصمة الإخوان

بقلم: ناصر البنهاوى

 

لقد قرأنا الكثير عن عاصمة السيسي الجديدة التي يبنيها في المنطقة الصحراوية بين القاهرة والسويس. وتقدر تكلفة عاصمته الجديدة بـ 45 مليار دولار ومساحتها تعادل مساحة سنغافورة و4 أضعاف واشنطن، هناك تحفظات كثيرة على هذا المشروع منها أن المنطقة تفقد مقومات الحياة، حيث إنها منطقة صحراوية مناخها متطرف ولا توجد بها مقومات سياحية ولا زراعية ولا صناعية. أضف إلى ذلك أن نقل الغذاء والماء والطاقة والموارد البشرية إليها سيكون مكلفا بعكس العواصم التي تبنى في مناطق غنية بالمياه ومقومات الزراعة ومصادر الترفيه والموارد البشرية والطبيعية.

 

كما أن بناء عاصمة جديدة لمصر ليست قضية ملحة بل يمكن تأجيلها لعقد أو عقدين إذا ما تم تنمية الساحل الشمالي والظهير الصحراوي ليمنع الهجرة إلى القاهرة ويخفف الضغط عنها لحين تتوفر الموارد اللازمة لبناء مثل هذا المشروع الضخم.

 

من الخطأ بناء عاصمة جديدة عن طريق الديون خارجية. فنسبة الفائدة على القروض الجديدة ارتفعت إلى 8% ويجب استثمار هذه الديون في مشروعات قادرة على توليد عائد يكفي لسداد هذه الديون.

 

أضف إلى ذلك أن الحكومة المصرية أنفقت المليارات على بناء مقر جديد في القاهرة لوزارة الداخلية وتجديد مقر وزارة الدفاع وبنت مجمعا جديدا للوزارات في مدينة نصر وجددت مبنى مجلس الشعب ومبنى النائب العام. ترك هذه المباني الحكومية الجديدة وبناء أخرى في العاصمة الإدارية الجديدة يعتبر أكبر جريمة لإهدار المال العام.

 

أضف إلى ذلك إنى أشك في أن سفارات العالم والشركات الكبرى وكبار رجال الدولة سيتركون مقارهم وفللهم الفاخرة والمناطق الراقية وينتقلون إلى العاصمة الجديدة فقط لأن السيسي يريد ذلك.

 

في المقابل، يرى خبراء التنمية والإدارة والاقتصاد في الإخوان أن بناء عاصمة جديدة لمصر أمر مهم وقضية مركزية لكنه مشروع يمكن تأجيله وأن العاصمة الجديدة يجب أن تكون في مكان يصلح ليكون عاصمة مصر وإفريقيا والعالم العربي والإسلامي.

 

بمعنى آخر، يجب أن تتوفر فيه مقومات جذب مقرات المنظمات والوكالات العربية والإفريقية والإسلامية والدولية، إضافة إلى الشركات متعددة الجنسيات، إضافة إلى جذب أسر كبار موظفي الدولة والشركات المصرية وقطاع عريض من المصريين.

 

بعد فوز الرئيس مرسى بالرئاسة تم استدعاء والتواصل مع خبراء وعلماء الإخوان في الخارج لأخذ رأيهم في مشروع النهضة واقتراح أي تعديلات عليه وتحديد الأولويات.

 

وكان بناء عاصمة جديدة «خضراء» و«ذكية» في الساحل الشامل هو أحد التعديلات المقترحة وعلق المهندس خيرت الشاطر على هذا الطرح متبسماً بقوله “المنطقة تراوه فعلاً وها تجذب الناس”.

 

ومن مواصفات عاصمة مصر في فكر الإخوان التنموى أنها مدينة خضراء يتوفر فيها ما يعرف بالـ«eco-city إيكوسيتي»، بأنها مدينة صديقة للبيئة، إذ تصمّم وتشاد منشآتها بطرق تجعلها لا تستنفد كميات كبيرة من الطاقة والماء والغذاء، كما لا تنفث كميات كبيرة من غازات التلوّث المضرّة، ولا تولّد كميات كبيرة من النفايات والمخلّفات الصلبة.

 

وفي المدينة الخضراء، يجري اتّباع إجراءات وخطط صارمة للحفاظ على البيئة، ودعم التنمية المستدامة، وتدوير المخلّفات. وتشمل خصائصها أيضاً أنها تعتمد على نفسها في الغذاء إلى حدٍ كبير. وهذا ما يمكن توفيره في الساحل الشمالي حيث طاقة الرياح والمد والجذر واعتدال المناخ على خلاف صحراء مصر الشرقية، ومن أمثلة المدن الخضراء كوبنهاغن الدنماركيّة، وبريستول البريطانية، ولشبونة البرتغالية.

 

كما خطط الإخوان أن تكون عاصمة ذكية تنافس القاهرة والعواصم العالمية وتساعد على الابتكار على شاكلة نيويورك وبرشلونة ولندن ونيس وسنغافورة ووادي السيلكون في أمريكا.

 

ومن خصائص المدن الذكية أن الأنشطة فيها تستهلك موارد أقل وغنية بالفرص الترفيهية والموارد الطبيعية وتتمتع بشبكة كبيرة من المواصلات البرية والبحرية والجوية وأسعار الخدمات فيها أقل لدرجة إن بعضها مغطى بالكامل بشبكات الإنترنت اللاسلكي مجانية مثل نيويوك ووادى السيلكون وباريس وهونج كونج وماكو الصينية وبرث الأسترالية.

 

السيسى يريد عاصمة بها مبنى لوزارة الدفاع تضاهى البنتاجون والإخوان يريدون عاصمة بها إنترنت مجانى لبناء مجتمع قائم على المعلومات والمعرفة لدعم التعليم الإلكتروني والحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية والرعاية الصحية الإلكترونية وغيرها.

 

لذلك فعاصمة السيسي ليست خضراء ولا ذكية فهي مجرد معسكر آخر للجيش بنى في الصحراء على الطراز الحديث، مع مبالغة شديدة في النفقات والبنيان والنفقات مثلها مثل صفقات السلاح ومشروع الكباري ومشروع تفريعة قناة السويس. عاصمة السيسي لا تتوفر فيها مقومات جذب الشركات متعددة الجنسيات ولا المنظمات الدولية ولا الوكالات العربية.

 

لقد حالت الظروف الأمنية وحرق مقرات الإخوان من مناقشة واعتماد التغييرات والتعديلات على مشروع النهضة الذي تبناه الرئيس مرسى ومنها مشروع العاصمة الجديدة والتي سوف نسرد بعضها في مقالة قادمة.

 

لقد قسم الإخوان مشروعاتهم القومية الى خمسة أقسام: مشروعات الريادة المحلية في الوادى والدلتا، ومشروعات تنمية سيناء ومشروعات البحر الأحمر وجنوب الصعيد، ومشروعات الوادي الجديد.

 

للاطلاع على مشروع النهضة للرئيس مرسى في صورته الأولى كانت هناك آراء بتأجيل مشروع العاصمة الجديدة لأن نفقاته باهظة وحتى يتم تطهير الساحل الشمالي من الألغام، ولأن الأولوية كانت مركزة على مشروعات تنموية سريعة مثل تنمية مشروعات «الريادة المحلية» وتنمية محور قناة السويس ومشروعات جنوب الصعيد التي تركز على التمدد الطبيعي للوادي والدلتا في الظهير الصحراوي، على أن تخصص مساحات في الوادي الجديد والساحل الشمالي وسيناء للمحافظات المغلقة التي ليس لها ظهير صحراوي مثل القليوبية.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...