هو رجل من عالم السمو والرقي ، عالم الصحابة والسلف الصالح ، هو رجل من أهل القرآن ، داعي إلى الله ، معلم الخير ، مرابط في سبيل الله ، ساعي في حاجة الناس والفقراء ، صافي النفس وسخي القلب واليد ، وأخيراً.. اصطفاه الله شهيداً من أجل دينه ووطنه.
الشهيد رمضان محمد عطية المنسي ، مواليد قرية البجلات مركز منية النصر بمحافظة الدقهلية عام 1965م ، موجه لغة فرنسية ، ومعلم للقرآن الكريم بالقرية ، رزقه الله بأربعة أبناء وجههم للتعليم بالأزهر الشريف ، أسماء بكلية طب الازهر ، وأحمد بكلية هندسة الازهر وخالد بالثانوي الأزهري ، وجهاد بابتدائي بالأزهر.
حفظ رمضان القرآن الكريم كاملاً وارتبط به تلاوة ومدارسة وتعليماً وتحفيظاً وامتثالاً لأوامره وتخلقاً بأخلاقه ، مشهود له بحسن الصلاح والتدين فكان كثير الصيام والقيام وذكر الله في يومه وليله.
لم يعش لنفسه ، لكنه تميز بانشغاله بالناس وبدعوة الله ، والأخذ بيد المحتاج ، ومساعدة الفقراء ، والقيام بالواجبات الاجتماعية في الفرح والمواساة وزيارة المرضى وصلة الأرحام ، مهموماً بالدعوة الإسلامية وكم توقف عن إعطاء الدروس الخصوصية ورفض بعضها لانشغاله بالشئون الدعوية والخيرية والخدمية حسبة لله.
كان قدوة عملية أمام الجميع ، يعمل قبل أن يتكلم ، وتجده في مقدمة الصفوف ، يختار العمل الشاق لنفسه ابتغاء مرضاة الله.
تتلمذ على يديه معظم الجيل الحالي من مشايخ قريته في تلاوة القرآن الكريم حفظا وترتيلا وتجويدا.
كان –رحمه الله- حليما على من يجهل عليه ، محبوبا من كل من تعامل معه فهو هين لين متواضع ، دمث الخلق ، محب لعمله ، لا تفارقه الابتسامة.
قال أحد أولياء الأمور:
الأستاذ رمضان أعطى لابني درساً خصوصياً ، فدفعت له ثمن الدرس ، فإذا به يعيد إلي أكثر من نصف المبلغ ويضعه في جيبي وأصر على ذلك ، فبكيت لأني أعلم أنه يساعدني بذوق وأسلوب رقيق.
تصفه زوجته وأبناؤه:
بأنه كان خادماً لأهله ، صديقاً لأبنائه ، يربيهم على كتاب الله والسنة النبوية وقد أتموا حفظ كتاب الله ، وكان يجمع أفراد أسرته على ما يسمى “لقاء الأهل” يتلون القرآن معاً ويتدارسونه سوياً.
يقول ابراهيم عطا:
الأخ رمضان ذو الصوت الشجي بالقرآن ، كان يحاضرني بدورة التصعيد بالقرآن ، صوت خفيض وحياء بليغ ، قام بتحفيظ معظم أبناء قريته القرآن ، خدوما محبا لوطنه.
ويقول هانى الإمام:
عرفته فعلاً وليس اسماً ، مثالاً طيباً للتواضع و البساطة والهدوء والصدق ، أحسبه كذلك ولا أذكّى على الله تعالى أحداً .
ويضيف إسلام كشكش:
لا أزكيه على الله ولكنه رحمة الله عليه كان صاحب ابتسامة إيمانية وكان خيّر وكريم ومؤدب جداً.
استشهاده
كان رمضان عطية عاشقا لوطنه ومحباً لدينه ، يدرك مهمة المسلم نحو وطنه والدفاع عن هويته الاسلامية ، وحمايته من الفاسدين واللصوص ، وكان –رحمه الله- ذا وعي سياسي بالمشهد المصري ومدركاً لطبيعة الصراع بين الحق والباطل ، وفاهماً لدوره الوطني والاسلامي الذي يحتم عليه الجهاد بوقته وماله ونفسه وكل ما يملك من أجل رفعة الدين والوطن.
وحين وقع الانقلاب العسكري على الرئيس الشرعي محمد مرسي في 3 يوليو 2013 ، ونادي المنادي للاعتصام والتظاهر السلمي لإعادة الحق ونصرة الشرعية ، أخذ أجازة من عمله ، وشد رحاله إلى ميدان رابعة العدوية واعتصم به اعتصاما دائماً متواصلاً زاد عن الأربعين يوماً وتخلله شهر رمضان المبارك.
وبينما هو مرابط ، تحدث لزوجته وقال لها: اخرجي أنت وكل الأولاد فى مظاهرات المنصورة ولا تخافي عليهم ، فأنا أفضل أن يقال عن ابنى أو ابنتي “شهيد” عن أن يقال عنهم “دكتور” أو “مهندس”.
وبعد انقضاء شهر رمضان قال: قضيت رمضان هذا العام على أجمل ما يكون ، فهو أجمل رمضان بالنسبة لي فى الطاعة والعبادة والتقرب الى الله ، شكرا لله على حسن توفيقه لي.
كان –رحمه الله- راجيا للشهادة فى سبيل الله ، ودائم الدعاء : “اللهم ارزقني الشهادة” ، وكانت الأجواء الإيمانية والجهادية ورائحة الشهادة تلوح في الأفق ، فكل بضعة أيام يرتقى شهداء من المعتصمين ، وراحت وسائل الإعلام تهدد بإبادة المعتصمين في ميداني رابعة والنهضة ، وتأهب المنسي وعد نفسه لهذه الشهادة.
قال لزوجته قبل أيام من استشهاده:
الديْن الوحيد علىّ هو مؤخر الصداق الخاص بك ، فخذيه من مالي.
وفي صباح أيام مصر الحزينة يوم 14 أغسطس 2013م والمعروف بمذبحة فض اعتصام رابعة والنهضة ، كان رمضان في الصفوف الأولى بالميدان ناحية طيبة مول والتي فوجئ المعتصمون فيها بإطلاق الجيش والأمن النار بوحشية غير مسببة وغير متوقعة ، فارتقى رمضان شهيداً إلى الله مع أوائل شهداء الميدان الذين ارتقوا في السابعة صباح ذلك اليوم.
واحترق جثمان الشهيد واختفى ، ولم تعثر عليه أسرته حتى كتابة هذه السطور ، واحتسبوه إلى الله شهيداً يرجون الله أن يجعل دماءه لعنة على من قتل ودبر وخرب مصر وسرقها.
يقول أحمد أبو الصفا:
صدق الله فصدقه الله ، أشهد الله عز وجل أنك من خير المجاهدين وتستاهل الشهادة فى سبيل الله عز وجل ، هنيئا لك يا خير من عرفت من الرجال ، والله عز وجل ما عرفتك إلا صواماً قواماً قارئاً للقرآن الكريم ولا نزكيك على الله.
عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169] قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: (أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً)، فَقَالَ: (هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟) قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا.