مما كشفه لنا حصار الأقصى الحبيب، هو زيف شيوخ السلطان الذين تعج بها القنوات الفضائية، خاصة في مصر أو في السعودية.
صمت هؤلاء الخُرس عن شجب ما تعرض له أولى القبلتين وثالث الحرمين؛ إذ كان تصور العامة أن هؤلاء وإن أخرستهم الأحداث الداخلية للدول العربية، فإنهم لن ينثنوا عن نصرة الأقصى وأهل المقاومة من المقدسيين ضد الصهاينة، خاصة أنهم عدو عقيدي وليسوا أعداء سياسيين فحسب، وأن عداءنا للصهاينة ليس مختلفاً عليه، بل متفق عليه بكل الملل والنحل الإسلامية.
ظن العامة أن اقتحام الأقصى وإسكات مئذنته التي لم تصمت منذ خمسين عاماً، لن يمر كأي حادث عابر على الأمة الإسلامية، صمتت فيه تلك الأفواه التي ملأت أسماعنا بالفقه الإسلامي الذي لم يخرج عن فقه الوضوء، واللحية التي أقاموا فيها كتباً ومراجع، وفقه الصلاة التي أخرجوها من معناها التوحيدي، ولباس المرأة الذي أقاموا الدنيا ولم يقعدوها؛ ليقنعونا أن وجه المرأة وصوتها عورة، وغضوا طرفهم عن النساء المقدسيات اللائي أُهنّ وخلع حجابهن عنوة، تلك النساء اللائي زأرن بصوتهن عالياً في وقت لم نسمع لشيوخ اللّحى الطويلة المُعطرة صوت ليزيل عنهم عار الصمت تجاه تلك القضية الراسخة في قلب كل مسلم وعربي.
وكيف لهم أن يهمسوا؟ وهم يؤيدون ويدافعون عمن يحفظ أمن الصهاينة ويقف معهم ويبادلهم الزيارات والرحلات الجوية، ويسير في طريق التطبيع معهم، كيف لهم أن ينصروا الأقصى ولو بشق كلمة، وقد ناصر دراويشهم في برلمان مصر بيع الأرض، وتحويل مضيق تيران إلى مضيق دولي يستفيد منه الصهاينة.
كيف إلى نصرة الأقصى سبيل من هؤلاء وهم لم ينصروا الحق البيّن وتخاذلوا، ونعتوا الحقائق بغير مسمياتها فسمّو الثورة “فتنة” والحاكم المستبد “سلطاناً متغلباً” والدعوة للتحرر “خروجاً على الحاكم” وغير ذلك من الفقه المؤلف في قصور الحكم التي يقبع فيها مندوبو الصهاينة.
صمت شيوخ السلاطين من المنعمين والملمعين على كراسي القنوات الفضائية ممن يحدثون الناس أن الذنوب والمعاصي سبب في تدهور الحالة الاقتصادية، وأنه واجب إطاعة المتحكمين في المنشط والمكره، وأن إطلاق اللحية وتقصير الجلباب واجب مقدم على نصرة الحق، وخذلان الباطل، صمت خدم السلاطين المنعمون عن نصرة الأقصى أو تأليب الشعوب للخروج استنكاراً لهذا الحدث الاستثنائي الذي شهدته أمتنا الإسلامية.
حتى المؤسسات الدينية الرسمية صمتت، صمت الأزهر -إلا من بيان هزيل- وبدت ساحة جامعة البيضاء خالية في يوم تجمع المسلمين الجمعة التي كانت في الماضي القريب مبعث المظاهرات الغاضبة، التي كانت تهب لنصرة الأقصى، لو مُس منه حجر، ما لنا لا نراه يتحرك ولو بتظاهرة تعبر عن رفض الشعب لما حدث ونصرة المقاومة المقدسية؟!
كذلك إفتاء آل الشيخ في المملكة لم يحركوا أقلامهم بكتابة بيان شجب وإدانة واستنفار لسكان المملكة النائمة، أو إعلان ذلك في خطبة الجمعة من أقدس بقاع الأرض مكة المكرمة أو المدينة المنورة، حتى موقف الكنيسة العربية بدا خانعاً صامتاً وكأنه راض بما حدث، رغم أنه من المقدسات التي يحجون إليها ويتبركون بها.
بدا بعض شيوخ السلاطين وكأنهم في فترة حيض تمنعهم من إلهاب الجماهير للخروج غاضبين لنصرة الأقصى، بدا محمد حسان ومحمد يعقوب وعلي جمعة وأسامة الأزهري وبرهامي في مصر وكأنهم في إجازة عن إطلاق الفتاوى والتصريحات حتى ينكسر الأقصى ويهلك الثوار المقدسيون، وأنهم قد غطّوا في سبات عميق إلا من تأييد الطاغية!
كذلك ظهر جلياً أن العريفي وعائض القرني وعوض القرني والسديس وغيرهم من شيوخ آل سعود لا يستيقظون إلا لبيعة قد أُجبروا عليها أو لتأييد حصار دولة إسلامية كقطر، الحق أن كل هؤلاء مأمورون لا يتحركون إلا لخدمة السلطان وتنفيذ أوامره.
تقف الأمة اليوم بأحداثها لتكشف هشاشة الفكر التقليدي غير الحر الذي يستمد قوته من دعم الحكم السلطوي له لإلهاء الشعب أن تحرر الأقصى لن يكون إلا بتحرير الدول العربية والإسلامية من طواغيت الحكم السلطوي، فتجيء الأحداث وتتواتر لتؤكد صدق هذه النظرية أن الفكر التوحيدي عدو للاستبداد، وأن الأحداث ما هي إلا مؤكدة لهذه الحقيقة.