القاهرة 30 يونيو: انقلاب اعتدال

وائل قنديل:
بعد أربع سنوات من الكارثة، هل صار لديك شك في أن نظام عبد الفتاح السيسي هو ثمرة زواجٍ حرام بين المال الخليجي الكاره للربيع العربي والغل الصهيوني تجاه أي محاولةٍ للانعتاق من التبعية والطاعة للمشيئة الإسرائيلية في المنطقة؟

وأنت تسترجع ما جرى منذ 30 يونيو/ حزيران 2013، حاول أن تفكر قليلاً في مواقف الرباعي (السعودية، وتتبعها البحرين- الإمارات- إسرائيل- أميركا)، وبقليل من الجهد، ستكتشف أن هذا الرباعي يحتفل بحصاد ما زرعه في مصر الآن، ويحاول أن يشعل المنطقة كلها على رؤوس من فيها، من أجل الحفاظ على كنزهم الاستراتيجي الجديد، هذا الكنز رباعي الأبعاد، ويلبي مطالب أربعة أوغاد في وقت واحد.

دعني أذكّرك  بأن صحيفة عكاظ الملكية السعودية سبقت “الأهرام” الحكومية المصرية بثلاثة أيام فى التبشير والاحتفال بانقلاب وزير الدفاع على الرئيس المنتخب، حيث كتب رئيس التحرير السعودي، صباح الأحد 30 يونيو “العسكر يحكمون مصر لفترة قصيرة مؤقتة لا تتجاوز عاما”.

قلت وقتها إنك لو وضعت فى الاعتبار أن هذا النوع من الأخبار ينتمى إلى حصص الإملاء أكثر بكثير مما يعتمد على الشطارة الصحفية والدأب المهنى، بحيث يتحوّل كاتبه إلى وعاء أو “عامل ديليفري”، أو حمامة زاجل لتوصيل الرسائل، فإن علامات استفهام كثيرة تفرض نفسها، أهمها: لماذا تنفرد الصحيفة السعودية بخطط العسكر لمستقبل مصر قبل صحف القاهرة؟

لعلك تذكر، كذلك، أن العاهل السعودي كان أول من هنأ، وأول من بحث مع وزير الدفاع المصري الأوضاع في القاهرة، وأول من أمر بمنح مليارات خمسة من الدولارات لمصر المنقلبة، فسارت على دربه الإمارات، وضخّت ملياراتٍ في الوعاء الذي صنعته بالقاهرة، ثم أطلت إسرائيل برأسها تضغط على إدارة أوباما، كي لا توقف المساعدات المالية لجنرالات الانقلاب.

قبل أربع سنوات، لم تكن الصورة بالوضوح المتحقق الآن، فتلاشت الدهشة مما أسميته “ينبوع الحنان النفطي الذي انفجر بعد 30 يونيو” على نحوٍ مبتذلٍ يشبه انهمار”النقوط” في ساعات الانبساط، أو كما وصفته “يذكّرك هذا الرقص الثوري الماجن على إيقاع الوعود بالتدفقات المالية والنفطية من دول خليجية، ليس بينها وبين ثورة  يناير عمار، بأغنيةٍ شديدة الإسفاف في فيلمٍ منقوعٍ فى الإثارة والقتامة والدماء، أدّاها الممثل خالد الصاوى في فيلم اسمه “كباريه”، وبعض كلامها يقول “وبحيى السعودية والأمم العربية وبمسى على الإمارات عشان كلها دولارات”.

عليك الآن، وأنت تتوقف عند مرور أربع سنوات، أن تجيب عن السؤال: ماذا أخذ المواطن المصري، وماذا أخذ الرباعي (الرياض ومعها المنامة- أبو ظبي – تل أبيب- واشنطن) من “30 يونيو”؟

السعودية أخذت جزيرتي تيران وصنافير، مشاركةً مع إسرائيل. والإمارات وضعت يدها على مصر كلها، بعد أن كان منتهى حلمها تدمير فكرة مشروع خليج السويس الذي بدأه الرئيس محمد مرسي.

وتل أبيب صارت خجلى من عطايا السيسي، ورعاته، حتى تكاد تشعر بتخمةٍ تطبيعيةٍ، تستوجب إنشاء إدارةٍ تتولى المفاضلة والاختيار بين أفضل عروض الليكودين العرب، لإقامة علاقات تعاون وتحالف معها، وأميركا ترامب عادت تحلب نفط الخليج، بكمياتٍ أكبر مما سبق.

في المقابل، هل حصل المواطن المصري على شيءٍ، سوى النزيف الحاد في الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية؟

نعم، حصل على جنيه مصري منقوصاً من 250% من قيمته، وحصل على لتر وقود، بأربعة أضعاف سعره قبل الانقلاب السعودي الإماراتي الإسرائيلي على ثورة يناير.

حصلت كميات هائلة من المهانة والعار، والانهيار الشامل، الممتد من السياسة والاقتصاد إلى الحالة الاجتماعية والأخلاقية، في إطار حالة ردة حضارية عنيفة، وانسلاخ من قيمٍ تجسّد الحد الأدنى من الفطرة الإنسانية السوية، مصنوعةٍ بعنايةٍ وحساباتٍ دقيقة، لإنتاج مواطنٍ مهزوم وجودياً، في وطنٍ منهزم حضارياً، أكثر انكساراً من “القاهرة 30″، قاهرة محجوب عبد الدايم.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...