حقيقة العبادة

zzzzzzzzzzالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

خلق الله الخلق ليعبدوه , وركب فيهم العقول ليعرفوه , وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ليشكروه , ومن هنا كانت العبادات هي أهم واجب على المكلف , وأعظم ما فرض الله عليه , وذلك لأنها هي الغاية المحبوبة لله , والمرضية له , التي خلق الخلق لها , وأخبر عن ذلك بقوله:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }(الذاريات : 56 ) ولما كانت العبودية الخالصة لله هي ذروة سنام الإسلام أضافها الله لنبيه عند نزول دستور الوجود وكتاب الخلود:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا } ( الكهف : 1 ) , وفي أشرف ليلة في حقه:{ أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا } ( الإسراء : 1 ) .

حقيقة العبادة وأصل معناها :

العبادة أصل معناها : الذل , يقال طريق معبد , إذا كان مذللًا قد وطأته الأقدام , لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل , ومعنى الحب , فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له , وعلى هذين الأصلين تكون العبادة : اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة : كالصلاة , والزكاة , والصيام , والحج , وصدق الحديث , وأداء الأمانة , وبر الوالدين , وصلة الأرحام , والوفاء بالعهود …. إلخ .

وبذلك نجد أن دائرة العبادات قد اتسعت لتشمل كل شيء في حياة الإنسان المسلم ما دام القول أو الفعل, قد عقد نيته عليه ابتغاء مرضاة الله, ذلك لأن معيار كل قول أو عمل هو النية الخالصة لله.

حقيقة الاستعانة:

تبنى الاستعانة على أصلين هما: 1- الثقة في الله والاعتماد عليه : وهذا واضح في توجيه الرسول – صلى الله عليه وسلم – لابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله له:( إذا سألت فاسأل الله , وإذا استعنت فاستعن بالله )

2- التوكل : وهذا المعنى يلتئم من أصلين : من الثقة والاعتماد , وهو حقيقة { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ( الفاتحة : 5 ) والقرآن الكريم يفصح عن ذلك فيما ذكره من قول شعيب : { وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } ( هود : 88 ) , وقوله سبحانه حكاية عن المؤمنين : { رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } ( الممتحنة : 4 ) وأما تقديم ( العبادة ) على ( الاستعانة ) في قوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ( الفاتحة : 5 ) فمن باب تقديم الغايات على الوسائل , إذ ( العبادة ) غاية العباد التي خلقوا لها , ( الاستعانة ) وسيلة إليها .

أقرب الناس صلة بالله : من ثمار هذين الأصلين – وهما العبادة والاستعانة – يمكننا أن نتعرف على أفضل الخلق صلة بالله وقربًا منه وهم : أهل العبادة والاستعانة بالله عليها , لأن عبادة الله غاية مرادهم وطلبهم منه أن يعينهم عليها , ويوفقهم للقيام بها

ولهذا كان من أفضل ما يسأل الرب – تبارك وتعالى – الإعانة على مرضاته , وهو الذي علمه النبي – صلى الله عليه وسلم – لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه – فقال : (عن معاذ بن جبل قال أخذ بيدي النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا معاذ قلت لبيك قال إني أحبك قلت وأنا والله أحبك قال ألا أعلمك كلمات تقولها في دبر كل صلاتك قلت نعم قال قل اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) . قال الشيخ الألباني: صحيح .

وعلى ذلك قرر ابن قيم الجوزية : ( أن العبادة بلا استعانة نقص ) وعلى هذا نستطيع أن نقول : إن من أراد سعادة في الدنيا والآخرة , فعليه أن يربي نفسه على:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ففي هذا الأصل التوحيد الخالص لله رب العالمين , والعبودية الصادقة له سبحانه في أسمى مراتبها. 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...