1- أسباب النصر قبل المعركة
هناك عدة أسباب لابد منها قبل المعركة حتى ينزل النصر من الله -سبحانه وتعالى- فهو لا ينزل النصر على قوم ينتسبون إليه، ولا يطيعون أوامره، ولا يقيمون حدوده، ولا يتنزل النصر على أمة تقصى تعاليم القرآن والسنة عن واقع الحياة العامة فى كل شئون حياتها، ولا يتنزل النصر على أمة تخالف هدى النبي r وتقف من السنة موقف العداء والخصومة، ولا يتنزل النصر على أمة تستورد القوانين البشرية، والفلسفات المادية الأرضية فى تنظيم حياة الناس وشئونهم.
ولا يتنزل النصر على أمة تعيش فى بطالة، وأفرادها كسالى يعتمدون على غيرهم، فى طعامهم وشرابهم ومواصلاتهم وأسلحتهم، ولا يعتمدون على كد يمينهم، وعرق جبينهم، وكدح سنينهم.
ولا يتنزل النصر على أمة لا تأخذ بأسباب القوة والعقيدة والإيمان، أو الوحدة والأخوة، أو الساعد والسلاح. إنما يتنزل النصر إذا توفر شرطان أساسيان هما:
أن تكون الأمة كلها على طاعة لله -عز وجل- فتنصر دينه وهدى نبيه فى كل شئون حياتها قال تعالى
( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).
وقال تعالى:
( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد).
فالنصر لا يتنزل إلا على المؤمنين الصادقين الذين تاجروا مع الله -عز وجل- بالغالى والنفيس، قال تعالى: (إن الله اشترى المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم).
وكانت دائما وصية الخلفاء الراشدين إلى جنودهم إن أخوف ما أخاف عليكم ذنوبكم فإذا تساويتم مع الأعداء فى المعصية كانت الغلبة للأقوى.
ولقد رأينا فى معركة العاشر من رمضان حينما عادت الأمة كلها إلى الله، القادة والجند، والأمة من ورائهم فى المساجد، وصيحة الله أكبر فى الميدان، فلاحت بوادر النصر قبل العصر لأن منزل النصر ومدبره إنما هو الله -عز وجل-.
2-إعداد القوة على قدر الوسع والطاقة
قال تعالى:
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم) .
فالمطلوب أن نأخذ بجميع الأسباب المتاحة والميسرة فى إعداد القوة المادية من أصغرها مثل الحجر، إلى أعلاها من الوسائل الحديثة المعاصرة.
والإسلام فى جميع معاركه لم يعتمد على العدد أو العتاد، ولا على كثرة الأسلحة والمعدات، وإنما ينظر إلى طاعة المسلمين وأخذهم بالأسباب المتاحة قال تعالى:
(كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) .
وفى بدر نصر الله الصحابة وهم قلة ثلاثمائة وخمسة عشر رجلا، على الكثرة من المشركين ألف رجل، ونزل القرآن بعدها لينسب النصر إلى صانعه الحقيقى وهو الله-سبحانه وتعالى-:
( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون).
(وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
فيعطى المسلمين درسا فى التواضع، وينسب النصر إلى صاحبه ومنزله ومدبره وهو الله -سبحانه وتعالى-: (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) .
ولما رأى المسلمون كثرة الروم فى غزوة مؤتة قال أحدهم ما أكثر الروم وما أقل المسلمين؟ فرد عليه ابن رواحه قائلا: بل ما أقل الروم وما أكثر المسلمين، إنما ننتصر عليهم بطاعتنا لله، ومعصيتهم له، والله إن الذى تكرهون لهو الذى من أجله خرجتم.
وفى حطين نصر الله القائد البطل صلاح الدين الأيوبى وهو يقود كتائب الإيمان والتوحيد فى جيش قوامه (اثنا عشر ألف) على الصليبيين فى جيش قوامه (ستون ألف) وقتل المسلمون من الصليبيين ثلاثين ألفا وأسروا ثلاثين ألفا. والأمثلة كثيرة فى كتب التاريخ والسير والمغازى.
3- أسباب النصر أثناء المعركة
كما أن هناك أسبابا للنصر أثناء المعركة لابد من الأخذ بها حتى يكون الجيش محل عناية الله ورعايته، ونصره وتمكينه، وهذه الأسباب يلخصها قوله تعالى:
( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون).
فلا بد من العناصر الخمسة التى فى الآية وهى:
الثبات
إذ كيف ينزل النصر على قوم فروا من الميدان، وولو ظهورهم للأعداء والله -عز وجل- يقول عن يوم بدر:
( إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان).
الذكر
إذ كيف يتنزل النصر على أمة غافلة، أو معرضة على الطاعة، أو ملطخة بالمعصية.
الطاعة
إذ كيف يتنزل النصر على أمة تبارز الله بالذنوب والمعاصى، وتعلى من شأن الفنانين ولاعبى كرة القدم، وتنزل من شأن العلماء والصالحين.
عدم التنازع
إذ كيف يتنزل النصر على أمة متفرقة مختلفة، بأسها بين أبنائها شديد، والله –تعالى- يقول: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) .
الصبر
إذ كيف يتنزل النصر على أمة لا تتحلى بالصبر والثبات، والله–تعالى-يقول:
(يا أيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).
فحينما انهزم المسلمون فى أحد نزل القرآن ليعطى المسلمين درسا فى أسباب الهزيمة قال تعالى:
(أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم).
4- من سنن الله فى النصر والتمكين:
إن لله سننا لا تتغير ولا تتبدل فى هذا الكون، ومنها سنة الله فى النصر والتمكن لأوليائه منها.
أ. أن يكون للحق أنصار يحملونه ويدافعون عنه، ويضحون فى سبيله ويسترخصون الحياة، ويطلبون ما عند الله -سبحانه وتعالى- بالغالى والنفيس فالحياة كلها صراع بين الحق والباطل، فإذا تمسك أصحاب الحق بحقهم ودافعوا عنه هيئوا أنفسهم لنصر الله -عز وجل- قال تعالى:
( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون).
وقال تعالى:
(ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين).
ب. مع اشتداد الأزمة والشدة يكون الفرج القريب.
قال تعالى:
(حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجى من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين).
وقوله تعالى:
(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير).
ج. إن النصر لا يتنزل إلا على من يستحقه قال تعالى:
( وإن جندنا لهم الغالبون).
د. أن النصر الحقيقى حينما تنتصر الفكرة التى يحملها المسلم وإن تعرض فى سبيلها للأذى والاضطهاد ، فلقد وقع بعض المسلمين شهداء فى مكة مثل ياسر أبو عمار وسمية بنت خياط ،دون أن يرو للإسلام دولة وكتب الله لهم الشهادة، وانتصر الإسلام، وقامت له دولة باقية إلى قيام الساعة إن شاء الله -عز وجل- فالمؤمن بين نصر وتمكين، إن كتب الله له الحياة، وبين دخول الجنة إن نال الشهادة فى سبيل الله.
قال تعالى:
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) .
نسأل الله أن ينزل علينا نصراً قريبا من عنده.