عيد الفطر … معاني وقيم

العيد مشتق من العود , سمي به يوم الفطر والأضحى لعود السرور بعودهما، أو لكثرة عوائد الله فيهما على عباده، ومنها مغفرة الذنوب، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس: 58) فهذا يوم الجائزة, هذا يوم الفضل, هذا يوم إكرام الله لأهل طاعته، لقد غدوتم في صبيحة هذا اليوم الأغر ، إلى رب كريم ، يمن بالخير ثم يثيب عليه الجزيل ، لقد أمرتم بصيام النهار فصمتم , وأمرتم بقيام الليل فقمتم ، وأطعتم ربكم , فاليوم توفون أجوركم , وتقبضون جوائزكم ، من رب غفور رحيم ،عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه) رواه الترمذي ، وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد ) رواه مسلم .

يوم العيد تأكيد لهوية الأمة الإسلامية :

عن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, ولهم يومان يلعبون فيهما. فقال: “قد أبدلكم الله بهما خيرا : يوم الأضحى, ويوم الفطر – أخرجه أبو داود, والنسائي بإسناد صحيح.

أيها المسلمون : إن الله تعالى قد اختار الإسلام لكم دينا {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: 19) فاثبتوا على عقيدته, وقوموا بعبادته, وتخلقوا بأخلاقه, وتعاملوا بأحكامه, واستمسكوا بهديه, فالإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة، فهو ليس طقوسًا تؤدى، بعيدًا عن أخلاقه ومعاملاته, واعتزوا أيها المسلمون بهويتكم الإسلامية، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: 110). فكبروا الله واشكروه على ما هداكم: قال تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 185) أي : ليكبروا الله على هذه الهداية، وليشكروه على هذه النعمة. ولتفيء قلوبهم إليه بهذه الطاعة.

كما قال لهم في مطلع الحديث عن الصيام: {لعلكم تتقون} وفي هذا إظهار وتعظيم لشعائر الإسلام, حتى يتربى أجيالنا على هذه القيمة . {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج: 32) ولا تنقضوا عهدكم مع الله: قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} (النحل: 92)

قال عبد الله بن كثير : هذه امرأة خرقاء كانت بمكة، كلما غزلت شيئا نقضته بعد إبرامه، وقال مجاهد: هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده. فلا يصح في عيدنا ولا أفراحنا ما يحدث من مخالفات ومنكرات, كسماع الحرام, وإطلاق النظر, والتبرج والسفور, وتناول المسكرات, والسباب واللعان والفسوق، إلى غير ذلك مما نراه في واقعنا, فأين أثر صيامنا إذن؟ وأين تقوانا من الله؟ ألا وليعلم الجميع أن بالذنوب والمعاصي يهلك الأفراد, وتزول الأمم، وصدق الله {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (العنكبوت: 40) واستقيموا على طاعته: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} (فصلت: 30 – 322)

ومعنى الاستقامة كما جاء عن السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم عن أبي بكر الصديق قال: آمنوا بالله واستقاموا على ذلك حتى ماتوا. وقال عمر رضي الله تعالى عنه : آمنوا بالله ثم استقاموا ولم يروغوا روغان الثعالب عن أبي عمرو – وقيل أبي عمرة – سفيان ابن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسال عنه أحدا غيرك قال قل آمنت بالله ثم استقم ] رواه مسلم. والاستقامة هي الحل والمخرج لما نعانيه من مشكلات وأزمات: فأهل الاستقامة لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، ولهم السعادة في الدنيا والآخرة، فالله سبحانه هو وليهم في الدنيا والآخرة.

والله تعالى يقول: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} (الجن: 16) أي: وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها، {لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} أي: كثيرًا. والمراد بذلك سَعَة الرزق (تفسير ابن كثير) واحرصوا على رابطتكم: فإنها سر قوتنا، وعماد نجاحنا، وبها يتحقق الأمن والرخاء لوطننا {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103) ، { وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ } ( الحج : 78), وعلى مستوى الأمة يجب أن تتوحد لتكون صفًا واحدًا أمام أعدائها , وتهب جميعها إذا اعتدي على قطر من أقطارها , وتفديه بأروحها وأموالها ، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) (الصف:4) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى ) رواه البخاري .

ولتحذر الأمة من الفرقة حتى لا تسقط مهابتها بين الأمم، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: 46). ثم علينا جميعًا أن نطهر أنفسنا من حب الدنيا , ومن التكالب عليها , فإن ذلك الداء هو الذي أودى بالأمة إلى دائرة الهوان بين الأمم ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ (سنن أبي داود) فيا أمة الإسلام : اتصفوا بما وصف الله به نبيكم – صلى الله عليه وسلم – وصحبه الكرام : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا } (الفتح: 299 )

ويا شعبنا المصري الكريم : أوصيكم بما وصى به الحبيب – صلى الله عليه وسلم : (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم ويا صانعة الرجال , ومربية الأجيال , فأنت على ثغر عظيم من ثغور الإسلام , فاحرصي على أداء دورك , وصوني عرضك , ولا تتخلي عن حجابك , فإن عرضك أعز وأغلى ما في الحياة . وأما أنتم شباب الأمة ، فأنتم أملها ، ودرعها الواقي , فاعتزوا بإيمانكم , وتمسكوا بدينكم , وتخلقوا بأخلاق نبيكم , واحرصوا كل الحرص على وطنكم , فهو أمانة في رقابكم .

أيها المسلمون : تقبل الله منا ومنكم , وأعاد الله تعالى هذه الأيام علينا ، وعلى مصرنا الحبيبة , وأمتنا الإسلامية ، بالخير واليمن والبركات ،

ونختم بهذا الحديث النبوي الذي رواه الإمام الترمذي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ).

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ

خمسة توكل!قال الإمام القشيري:“لما صدَق منهم الالتجاء تداركهم بالشِّفاء، وأسقط عنهم البلاء، وكذلك الحقُّ يكوّر ...