لمن تتهيأ المنطقة؟!

بقلم: عامر شماخ

الناظر فى أحداث منطقتنا العربية يشاهد تطورات على مدار الساعة، بل يرى أمورًا غير منطقية؛ فلم يدر بخلد الناس أبدًا ما يجرى على الساحة الآن؛ من انهيار دول، وتهاوى عروش، وانحطاط جيوش؛ لكأن ما نعيشه كابوسًا طالت مدته، وكثرت حياته وعقاربه.

كان الأمل أن يعم الربيع العربى كل دول المنطقة، التى باض الفساد فيها وفرّخ، والتى لن تجد دولا أخرى مثلها تمتلك ما تمتلك ثم هى فى ذيل الأمم، والتى طغى حكامها واستبدوا حتى لا تجد لهم مثيلا فى سفاهتهم وتفاهتهم وغبائهم.. كما لم نر أمة فى الدنيا باع حكامها ضمائرهم مثل حكام هذه الأمة.

وإذا كنا قد رأينا الخير والعظمة عقب هذه الثورات المباركة فى عدد من الدول، فما الحال إذا نجحت فلم تحارب وطالت باقى العرب؛ رأينا استقامة المعوج، وصلاح الفاسد، وتواضع المتبطر، وخضوع المتكبر، ورأينا ديمقراطية، وعدالة، ووطنية، وقد خنس اللص، وتوارى الراشى والمرتشى، وانزوى الفاسق والفاسقة، ولو لم تنتصر الثورات المضادة -المدعومة دوليًا- لكان لأمتنا شأن؛ وأى شأن.

لم يكتف الحلف العالمى بإجهاض الثورات العربية، بل شرعوا فى الإجهاز على الأمة والقضاء عليها، وإماتة أى صوت يتحدث العربية أو يدافع عن تاريخ المسلمين وميراثهم، ويفسح المجال -في المقابل- للصهاينة والشيعة؛ إذ لا يقضى أمر العرب الآن إلا بهم، ولا يقام اجتماع على أرض عربية أو ينفض إلا بحضورهم، وقد صار أعداء الأمس أحباب اليوم، ورافضة الإسلام مشرعيه.

تتهيأ المنطقة الآن لتمدد صهيونى تاريخى، على كل المستويات، وأن تكون دولة اليهود قاطرة المنطقة، وباقى الدول خدمها وحشمها، وأن تصير الأرض العربية أرضًا يهودية، وأن يتحول الناس فى صلاتهم إلى الأقصى. كما تتهيأ المنطقة كى يكون للرافضة الغلبة على أهل السنة، وأن يقهروهم، ويذلوهم، ويفتنوهم عن دينهم إلى ذلك الدين الخليط الذى يعتقد فى المتعة، وسب الصحابة، ووجود مصحف غير مصحف المسلمين.

والجهود خارقة لأجل تهويد المنطقة وتشييعها، بأيدى حكام العرب، وبأوامر من أسيادهم فى واشنطن أو تل أبيب، ولا يعصى أحدهم للأمريكان والصهاينة أمرًا، بل تراهم مخلصين فى هذا أشد الإخلاص، كأن أحدهم واحد من الأعداء، وتعجب أنهم يوصفون ممن حولهم بالوطنية والكياسة، والحكمة وبُعد النظر!!

حتى أمس قريب كنا نظن بعض الدول العربية غير خاضعة لأوامر اليهود والأمريكان، فإذا هى ساقطة فى الوحل منذ زمن، فكأنها الذراع اليمنى للدولة اللقيطة، وما الجزيرتان إلا مثال لما نقول، فقد اشترتهما إسرائيل من دولة خاضعة، ووسطت أخرى كنا نظنها شريفة، فإذا هى أكثر خضوعًا وابتذالا من الأولى، وما خفى كان أعظم، ومن انكشفت منه خطيئة واحدة فقد سُترت منه عشرات.

ونحن من أصحاب «ويمكرون ويمكر الله» فإن التاريخ حافل بمعارك جرت بين الحق والباطل، ولكم أعد الأخير من عدد، وكم رمى، وكم مكر، وكم أنفق، وكم كاد، وكم جاء مختالا مزهوًا بقوته، بطرًا بخيله ورجله لكنه انتكس، فما قامت له قائمة، لا لشعوذة ينافح بها الحق عن نفسه كما يردد المبطلون، بل لأن إلهًا حكيمًا عادلا يدير الكون، وقد جعل الحق ذا قوة وحجة، وجعل الباطل متهالكًا زهوقًا، أما ما رُكِّب فيه من إمكانات لمواجهة الحق، فإنما هو تزيين الله وإغواؤه لكلا الفريقين؛ حتى يغتر المبطل فيندفع فتكون هلكته؛ وحتى يعد المؤمن نفسه بما يليق بتلك المواجهة وبتلك الأعداد التى زينها الله لهم كبيرة عظيمة.

كما أنا نستند إلى الشعوب، ونتكئ عليها، ونأوى إليها، فهى بعد الله ركن ركين، وقوة لا تعدلها قوة، وهى التى تأذن أو لا تأذن، وشعوبنا مؤمنة مسلمة؛ إن أذنت فهى تأذن لأهل الحق أن يجوزوا ويدخلوها آمنين، وأما غيرهم فلا تسمح لهم بالمرور… وهذا دليل على أن أمتنا لن تموت، بل حق لها أن تسود، وأن تكون فى مقدمة الأمم، بارزة على غيرها. ألم تعلم بأنها خير أمة أخرجت للناس؟

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...