دول الخليج على صفيح ساخن أكثر من أي وقت مضى

محمد مصطفى حابس : جنيف / سويسرا

عُرفت إمارة قطر الصغيرة والمجهرية التي لا تكاد ترى على خارطة دول الخليج بل و حتى على وجه المعمورة، إذ لم تعرف إلا أخيرا في العالم أجمع عبر قناة الجزيرة الفضائية، بل الكل يجزم أن قناة ” الجزيرة ” معروفة أكثر من قطر.. و العبد لله تعرف على اسم دولة قطر قبل ميلاد قناة ” الجزيرة” صدفة و قدرا منذ عقود.. أولا كنت وأنا طالب أسكن في بيت جدي التي من شرفتها أنظر يوميا مقر سكن السفير القطري في قلب العاصمة وهو عبارة عن فيلا فخمة  بحراسة وبستان كبير وفناء واسع، و أستغرب كيف لبدوي من جزيرة العرب مهما كان مستواه يسكن في هذا المكان الاستراتيجي وعائلات جزائرية تسكن في شقق ضيقة أمامه و بجواره؟؟

” اخونا في الجزائر اخونا في قطر… أخونا في الجزائر وطننا في خطر”

إذ كنت أيامها أستيقظ كل صباح على صوت دخول و خروج سيارات فخمة في شارع ضيق “شارع حسين بالعجل، إيديت كفال سابقا”..  في ذلك الوقت كانت قطر لا تعني لي أي شيء بل إمارة صغيرة في صحراء الخليج كأي ولاية من ولايات صحرائنا الواسعة  !!..

كما  حفظت ايضا اسم دولة ” قطر” من أنشودة فلسطينية في نفس الفترة، أذكر أني كنت أمر أمام مكتب “صامد”، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في شارع ديدوش مراد بالعاصمة الجزائرية، كما كنت أجلس أحيانا أرتشف قهوتي في مقهى “مصطفى” أمام وزارة الثقافة حينها، وكنت أسمع برنامج يدوم ساعة تقريبا من “صوت فلسطين.. صوت الثورة الفلسطينية” الذي تبثه الاذاعة الجزائرية كل يوم  على السادسة مساء، ومن الاناشيد التي تبث تقريبا كل مساء، نشيد أحفظ مطلعه لحد اليوم، الذي يقول منشدوه ” اخونا في الجزائر اخونا في قطر… أخونا في الجزائر وطننا في خطر” أي فلسطين في خطر.. وبعد عقود مرت فهل آن الاوان لتغيير المقطع الثاني من البيت، وإنشاده بطريقة أكثر واقعية أي” خليجنا في خطر، بدل وطننا  في خطر” أي فلسطين و الخليج معا، اليوم الكل في خطر !

” خليجنا في خطر.. المعمورة في خطر”

فاليوم فعلا “خليجنا في خطر”  إذ تشير القرارات التي صدرت في الآونة الأخيرة في منطقة الخليج إلى اقتراب وقوع أحداث ضخمة في المنطقة لا قدر الله.. فاتخاذ قرار السعودية و بعض الدول العربية مقاطعة دولة قطر، أمر خطير للغاية، ويبدو أن السيل قد بلغ الزبى من طرف قطر الدولة الصغيرة الحجم والعظيمة الشأن في نظر بعض الساسة، وكلنا نعلم أن هذه الاهتزازات ليست تحت سيطرة دولة واحدة من دول الخليج كما يزعم بعض سذج ساسة العرب، بل خيوطها محبوكة في مخابر غربية مغرضة متفرعة و تقتات من جهات ماكرة، تكون ضحيتها الأولى السعودية قبلة المسلمين و أرض الحرمين الشريفين تحديدا، كما أنه معروف أن الطرف الوحيد الذي سيتضرر من هذه الاهتزازات هم المسلمون أولا وآخرا، و المنتفعون كثر ، بدأ بالجار العدو إسرائيل، و نظم الانقلابات والاستبداد كمصر السيسي و ليبيا حفتر ويمن الحوثي وسوريا الأسد، الذين تخلو لهم الساحة وتغيب عنهم أنظار الناس و لو لوقت وجيز، إذ لا شك أنه هناك فرق بارز بين التغيير السياسي والتغيير الفيزيائي وهو أن التغيير السياسي والاجتماعي قد يحمل معطيات تفوق حسابات التغيير الفيزيائي الضيق ، اخشى أن يتجدد سيناريو سقوط العراق باحتلال الكويت، لكن هذه المرة الكل سيدفع الثمن غاليا و”الفتنة نائمة لعنة الله على من أيقظها”، كما جاء في الأثر.

أمريكا تحرّض دول ضد دول و مجموعة إرهابية ضد مجموعة أخرى

يوجد اليوم في الشرق الأوسط عدد لا نهائي من الجهات الفعالة، ولكل جهة لديها مخطط يخصها، لكن عدم استقرار مخططات تلك الجهات لا يسمح لأي أحد بإجراء تغييرات في سياسات الشرق الأوسط، وقد نشهد تعرض تنظيم ما في مرحلته الأخيرة إلى مواقف مدمرة من قبل غيره، حيث أن أمريكا التي تحرّض مجموعة إرهابية ضد مجموعة إرهابية أخرى..

مع العلم أن هناك استحالة لإمكانية وضع أمريكا لخطة استراتيجية ثابتة تجاه الشرق الأوسط، فمواقف ترامب الاستثنائية القاسية تُفشّل يومًا بعد يوم من قبل الهيئات واللوبيات والقوات الأمريكية، مثال ذلك ما قامت به الخارجية الأمريكية بمعارضة تغريدات ترامب في مسألة قطر التي وضّح من خلالها أنه كان وراء هذه القرارات وأنه هو من أعطى بنفسه صلاحية تنفيذ هذه القرارات أثناء زيارته للسعودية..

مبررات عزل قطر قرارات عشوائية

وحينما نلقي نظرة إلى مبررات قرارات عزل دولة قطر نجد أن هذه المبررات ستصيب أولًا أصحاب هذه القرارات العشوائية، لأنهم أخطأوا بحق حركة حماس التي هي حركة انتفاضة ومقاومة شعبية ضد المحتل، حتمًا ستحاسب حماس من قبل شعبها وتاريخها يوما ما، أضيفت لها تنظيمات سلمية  و جمعيات خيرية وشخصيات دينية وسطية صنفت كلها بمجموعات إرهابية مدعومة من قبل دول قطر؟؟

قانون القوة تفرضه دول مغرضة لم تحسب عواقبه الوخيمة

والمطلوب  عاجلا من نخب الدول الإسلامية، حفاظا  على ماء الوجه، في الأساس هو إخراج الدول الأخرى من  صمتها والسعي لحل أزمتنا داخليا، وأزمة قطر هي أزمة تخص الدول الإسلامية  تحديدا وعليهم حلها فيما بينهم، وهو الامر الذي يجب على العلماء و العقلاء إدراكه قبل فوات الأوان، وعدم الانصياع لقانون القوة الذي تفرضه دول مغرضة، بل أصبح للجميع ملزما العمل بقوة القانون والاخوة بين افراد العائلة الواحدة، الامر الذي خول لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين الدعوة لتحكيم الضمير و فظ النزاع أخويا و إلا ستضطر مكرهة قطر للإرتماء في أحضان الدول الأعداء و السماسرة من الشرق كما من الغرب، و القائمة طويلة، بدءا بطهران و ختاما بأمريكان !

قد نختلف مع قطر، لكن الحصارَ الظالم غير شرعي  و حرام قطعا

الامر الذي دفع بعض العلماء و الهيئات هذه الأيام للإسراع للدعوة للتبصر قبل اشتعال النيران، لا قدر الله، حيث جاء في بيان بعضهم أنهم يتابعون “الحصارَ الظالمَ الذي فرضتْهُ بعضُ الدولِ العربيةِ على دولةِ قطر، دونَ بيِّنةٍ واضحةٍ، ودونَ ذريعةٍ مستساغةٍ شرعًا ولا عقلاً، ويتعجبونَ من الدُّولِ التي سارعتْ في تأييدِ هذا الإجراءِ الذي يُعَدُّ في الأعرافِ الدوليةِ «إعلانَ حربٍ»، كما يأسفونَ أشدَّ الأسفِ للبياناتِ التي صدرتْ عن هيئاتٍ ومؤسساتٍ دينيةٍ تؤيِّدُ هذا الحصارَ الظالم، ورأتْ فيه تحقيقَ المصلحة”

وإذ يرفضُ العلماءُ هذا الحصارَ ويرَونَهُ حرامًا قطعًا، ويستنكرونَ البياناتِ التي أيدتْ الحصار والقطيعةَ الصادرةُ عن الأزهرِ، ورابطةِ العالمِ الإسلامي، ومنتدى تعزيز السلم، وغيرِهما!

مؤكدين أن الحصار الذي قامتْ به بعضُ الدولِ العربيةِ، هو حصارٌ محرَّمٌ شرعًا، يَزيدُ إثْمُهُ في شهرِ الرَّحماتِ والبَرَكاتِ، في نصوصِ الشرع المتواترةِ تحريمًا قطعيًا، كقوله تعالى(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ). وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظلمُه ولا يُسْلمُه»، ويرى العلماءُ أنَّ هذا الحصارَ وتأييدَه هو من بابِ موالاةِ أعداءِ المِلَّةِ والأُمّةِ، ومعاداةِ اللهِ ورسولِه والمؤمنين!

الحصار يؤثر بشكل جوهري على المواطنين في دول الخليج فضلاً عن قطر

أما المنظمات الحقوقية فقد لاحظت أن هذا الحصار يؤثر بشكل جوهري على المواطنين المدنيين في الدول الخليجية فضلاً عن قطر، حيث يؤدي إلى تشتيت مئات العائلات ويضرب في صميم العديد من الحقوق العمالية والتعليمية وحقوق الملكية والحق في التعبير لعدد كبير من المواطنين القطريين المقيمين في الدول الثلاث فضلاً عن مواطني الدول الثلاث المقيمين في قطر

و أوضحت في بياناتها أن قيام السعودية والإمارات والبحرين بإعطاء القطريين المقيمين فيها مهلة قصيرة لمغادرتها، مسّ العديد من الحقوق الخاصة بآلاف المواطنين من الدول المذكورة

الأمم المتحدة تصفع دول الخليج: “لسنا معنيين بأي قوائم جديدة للإرهاب”

في أول تعليق لها على قوائم الإرهاب التي أصدرتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر، اعتبرت الأمم المتحدة أنها غير معنية بتلك القائمة ولا بأي قائمة أخرى باستثناء تلك التي يصدرها مجلس الأمن، وأكدت أنها تلتزم بقوائم التصنيفات الإرهابية التي تصدرها مؤسساتها وليس أي جهة أخرى

وفي هذا السياق أيضا نددت منظمات حقوقية أخرى بقائمة الإرهاب بقولها  أن “القائمة واضح أنها صدرت بشكل جزافي وتعسفي لتحقيق أجندات سياسية دون الاعتماد على أدلة قانونية، فجرم الإرهاب يحتاج لتحديد من قبل سلطة قضائية محايدة لا تتوافر في الدول المذكورة”

واستهجنت صدور القائمة من “دول سجلها حافل بالجرائم وممارسة الإرهاب المحلي والدولي، من قمع للمواطنين بالاختفاء القسري والتعذيب والمحاكمات التعسفية إلى تسعير حروب لا طائل منها في ليبيا واليمن، إضافة إلى ما يقوم به النظام المصري .”

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...