صدمة الشعوب

مجدي مغيرة :

كنا نقرأ دائما عن عبقرية حكامنا ، وغيرتهم على بلادهم وشعوبهم ، وحكمتهم في معالجة الأمور ، وطموحهم العالي في النهوض بأمتهم ، وانشغالهم ليل نهار بما يجلب لشعوبهم الأمن والأمان !

وكنا في نفس الوقت نتساءل : طالما أن قادتنا بهذه المواصفات العالمية العالية الراقية ،

فلماذا مازلنا في ذيل الأمم ؟ !

لماذا نحتاج من الخارج إلى من يحمل مدفعا ليدافع عنا ؟

ولماذا مازالت أرضنا محتلة ؟

لماذا مازالت فلسطين بأيدي اليهود ؟

ولماذا نحتاج من الخارج إلى من يبني مصنعا لينتج لنا ما نحتاجه من دواء ، وما نحتاجه من أجهزة مختلفة ، وما نحتاجه من أسلحة ، وما نحتاجه من الألبسة والأحذية  ، وما نحتاجه من مفارش وسجاجيد الصلاة ؟

ولماذا نحتاج من الخارج إلى من يقترح لنا نظما إدارية لندير بها شؤون حياتنا ؟  ،

حتى برامجنا التلفازية إنما هي تقليد طبق الأصل لبرامجهم دون مراعاة لعقائدنا وعاداتنا وتقاليدنا ومشاعرنا !

حتى زبالتنا نحتاج إلى من يأتينا ليخلصنا منها !

من أكبر أسباب مشاكلنا هو حسن الظن باللصوص .

كنا نحسن الظن بالبعض لأنه يرتدي مثل ما نرتدي ، ويدخل المسجد كما ندخل ، ويحمل اسما عربيا إسلاميا كما نحمل ، وينتمي إلى نسبٍ نعرفه ، ولسان نفهمه ، وينفق الأموال الطائلة في تقديم المعونات الإنسانية ، وفي طباعة المصاحف ، وفي بناء المساجد ، لكن لم نكن ندري أنه وراء الكثير من الكوارث والمصائب التي تنهال على رؤوس أمتنا ليل نهار .

لم نكن ندري أنه ينفذ ما يريده منه أعداء أمته ، فهو في الظاهر واحد منا ، وفي الباطن متآمر علينا ، يبدو لنا في الظاهر كأنه قديس ، لكنه في واقع الأمر جندي من جنود إبليس .

لم نكن ندري أنه في سبيل البقاء على الكرسي قد داس على كل مقدساتنا ، وقد خان أمانة الله فينا .

لقد أنفق هؤلاء على قمع شعوبهم وتخدير وعيها ما لو أنفقوا ربعه فقط في التنمية الشاملة لتلك الشعوب ، وإطلاق حريتها ؛  لكانوا هم أعظم قادة في العالم ، ولكانوا هم الآمر الناهي في العالم ، ولكانوا هم من تلجأ إليهم الأمم لتحل مشاكلها ، لكنهم استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير .

لقد نسي هؤلاء حقائق واضحة وبسيطة :

نسوا أن أمر المُلك بيد الله وحده يهبه لمن يشاء وينزعه عمن يشاء : ” قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” ، وحينما يهب الله تعالى الملك لأحد من عبيده إنما هو اختبار له وابتلاء ، وليس تشريفا له ، أو تعظيما ، وإذا أراد نزعه منه فلن يمنع ذلك الرشاوى التي يدفعها ، ولا الدماء التي يسفكها ، ولا الترهيب الذي يدبره ، ولا التضليل الذي يمارسه.
ونسوا أن الله تعالى يمهل المفسدين ليفعلوا ما يريدون ، لكنه يبطل أعمالهم ويجعلها عليهم حسراتٍ :” وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ” .
ونسوا أن لو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم : ” وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ” .
ونسوا أن الدول لها أعمار مثل الأفراد: ” لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ” .
نسي هؤلاء كل هذا ؛ فبطروا النعمة وجحدوا بها ، وخانوا الأمانة ، ومالوا إلى أعداء الله ظنا منهم أن بيدهم مفاتيح المنع والعطاء ، ناسين قول الله تعالى : ” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) ” .
ونسوا قول الله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون : “يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا” .

للأسف نرى كثيرا من حكام الشعوب يسعون لرفعتها ، أما عندنا نحن فنراهم يسعون لإبقائنا ذيولا لغيرنا من الأمم .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...