الخاسر والرابح.. في الأزمة الخليجية!

عزت النمر:

 

أزمة مقاطعة الثلاثي الخليجي لدولة قطر تفرض سؤلاً مستحقاً حول الخاسر والرابح في الأزمة الراهنة؟!.

لا شك أن الكل خاسر في هذه الأزمة الحادة، وعلى الإجمال فإن مجلس التعاون الخليجي هو أكبر المضارين حتى عودة المياه الخليجية إلى مجاريها.

إذا سلمنا بتفاوت الخسائر ستظل أسئلة حائرة حول الخاسر الأكبر؟!. وتداعيات هذه الأزمة على المستقبل الخليجي؟!.. وهل ستترك ندوباً فقط أم ستغير وجه الخليج والمنطقة؟!.

ثمة حقيقة مفادها أن الخلاف الحالي ليس الأول رغم ضراوة الإجراء المتخذ، إذ أنه لم يأتي بخلاف جديد حقيقي؛ هو فقط كشف وأظهر حجم الغاطس في خلاف حاد قديم متجدد.

مفردات الخلاف هي السعودية والإمارات والبحرين كفاعلين من جانب، ودولة قطر من غير إرادة منها من جانب آخر.

الموقف البحريني يمكن تفهمه وتجاوزه باعتباره تابع لا إرادي لأي توجه سعودي، هذه التبعيه تبررها بوضوح الحماية التي وفرتها السعودية لنظام الحكم في البحرين خلال السنوات الست الماضية، مما يفرض على الأخيرة التماهي مع أي مسار سعودي وفاءً لجميل الماضي ونوعاً من التحسب لما قد يأتي به المستقبل.
الموقف الإماراتي بعد تغييب الشيخ خليفة بن زايد عن منصبه الرسمي كرئيس للدولة، وإحتلال أخيه محمد بن زايد واجهة الصورة وناصية القرار، اختار لنفسه أن يمارس كل أنواع العمالة للغرب، وقدم نفسه كمقاول حصري للمصالح الأمريكية والإسرائيلية في آن.

نظام محمد بن زايد – منذ ذلك التاريخ – حارب أي مظهر من مظاهر توحُد الأمة، وقاوم تبني دولها أي موقف هوياتي سواء عروبي أو إسلامي. (لاحظ أن تسريبات العتيبة جاءت كختم رسمي على شهادة سوء سلوك أبوظبي المعلن وغير الخفي).

على ذات النسق كان اصطفاف النظام الإماراتي في مواجهة خيارات الشعوب، وتحديه السافر للربيع العربي ودعمه الكامل للثورات المضادة، من ثَم التماهي المطلق مع الأجندة الاسرائيلية والإنفاق عليها، كل ذلك جعل من الطبيعي أن تقف الامارات ونظام حكمها في موقف العداوة لدولة قطر التي احتضنت رموز المقاومة الفلسطينية، ولموقفها المؤيد للربيع العربي والداعم لحركة الشعوب.

الأخطر في كل هذا؛ الكراهية الإماراتية لقناة الجزيرة القطرية باعتبارها أحد مركز التأثير في وعي الشعوب ودورها الحيوي في تبصير الشعوب بالمؤامرات والخيانات والدسائس التي تتربص بمشروعها وتتأمر على ربيعها المحزون.

بالإضافة إلى كل ماسبق لا يمكن أن نتجاهل الجذور التاريخية للخصومة التقليدية والخلاف الإماراتي القطري القديم.

الموقف السعودي هو ثالث الأثافي ورأس الحربة في الخلاف الآني ومربط الفرس، وهو بالمناسبة ليس بجديد؛ إذ أنه نفس الموقف الذي وقفته المملكة في 2014 ضد قطر، رغم الحدية الظاهرة في موقف اليوم ومنشؤها إختلاف الظرف بأكثر مما هو تغير مقصود في الموقف السعودي.

مفارقة لا يفوتنا رصدها أن الخلاف السعودي مع قطر دوماً مرتبط بمدى تغلغل الأصابع الإماراتية وتوجيهها للقرار السعودي.

في أزمة 2014 كانت أصابع محمد بن زايد تعبث في رأس الديوان الملكي السعودي وبعض مراكز التأثير الإعلامية المقربة، بينما في أزمتنا الحالية لا يخفى على أحد احتواء نظام الإمارات للأمير الشاب محمد بن سلمان وكثير من حوارييه.

في الحالتين استطاع محمد بن زايد اختراق رأس النظام في المملكة من خلال الحالمين بكرسي المُلْك، ووعود بترقيتهما عن طريق صلات إماراتية تزعم قدرتها على التأثير في قرار واشنطن.

أي أن الفارق في السلوك السعودي كما يبدو في الأزمتين هو في مستوى الاختراق الإماراتي من جانب والاحترافية السياسية بين نظامي أوباما وترامب من الجانب الآخر.

مفارقة أخرى ينبغي رصدها هي أن المملكة العربية السعودية بدءاً من نظامها السابق تخلت كثيراً عن دبلوماستها المحافظة، وتجاوزت الصورة الأخلاقية التي أنفقت عليها أنظمتها السابقة لتصبغ بها نظامها وسلوكها السياسي.

هذا الإنحدار بدأ منذ استقبال المملكة للرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي الذي رفضت مطارات العالم استقباله لمخازيه الفَجَّة، وتضامناً مع ثورة الشعب التونسي المستحقة. هذا الأمر نال كثيراً من سمعة المملكة وأسقط كثير من احترامها وتقدير الشعوب لها.

الدعم السعودي اللا محدود للإنقلاب العسكري في مصر زاد من هذا السقوط والتهاوي، وخصم الكثير من رصيد المملكة وأهان حاضرها وكسر كبريائها.

وقوف المملكة حالياً في الموقف الخطأ من الأزمة القطرية والتي بررتها الدبلوماسية السعودية بموقف قطر من حماس والإخوان المسلمين في مصر، سيُسقِط البقية الباقية من إحترام الشعوب للنظام السعودي في نسخته الحالية.

الخطورة أن البعض يعتبر الخلاف السعودي القطري الحالي مقدمة وتوطئة لإجراءات قاسية ضد المقاومة الفلسطينية وتطبيع مرتقب مع الكيان الصهيوني فيما يُعرف بصفقة القرن والتي يرعاها ترامب ونظامه الموتور.

هذا المسار الشائك الشائن الذي يتبناه النظام السعودي حالياً لا يمكن قبوله تحت أي مبرر ، حتى لو كانت ترتيبات لنقل السلطة والمُلْك داخل آل سعود.

الإندفاع المتهور خلف أبو ظبي والتماهي مع انقلاب في مصر لازال يبحث له عن شرعية و”سِنادة” حتى لو كانت اسرائيل، قد يدفع النظام السعودي ثمنه غالياً، خاصةً وأنه سيضع المملكة في موقف لاتُحسَد عليه في مواجهة الشعوب العربية والإسلامية.

أعتقد أن تجاهل المملكة لإرادة الشعوب والتفافها حول قضية فلسطين المركزية قد يفجر الأوضاع في المنطقة، وربما في المملكة نفسها، مما يُعيد موجة عنيفة من الربيع العربي تعيد صياغة الواقع برمته، وتُعيد كتابة تاريخ جديد للمنطقة لا ينجو منه جنرالات ولا ممالك.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...