محمد ناصر يكتب: في انتظار الفارس

كل دعوات الأنبياء والمصلحين في التاريخ كانت موجهة أساساً لطبقات الشعب العادية، الطبقات الكادحة من الشعب، تأتي رسالات الأنبياء لخطف الشعب العادي من براثن الفقر والظلم إلى عتبات العدالة الاجتماعية في الدنيا، ونيل رضاء رب العالمين في الآخرة، ولكن التاريخ يؤكد لنا أن طبقات الشعب العادية أو الطبقات الفقيرة في التاريخ كانت تحارب دائماً دعوات الأنبياء والمصلحين، أحداث التاريخ تقول إن هذه الطبقة من الشعب كانت خليطاً مختلفاً يجمعها دائماً عدم اهتمامهم بالسياسة، كما أن هذه الطبقة من الشعب تحلم دائماً بالمخلص، ولكن لهذا المخلص في مفهوم هذه الطبقة شرط مهم، فهو يجب أن يكون فارساً مغواراً عسكرياً، فإذا أتاهم نبي يمشي في الأسواق وتأكل أمه القديد، فإنهم يحاربونه ويتقولون عليه، بل ويسخرون منه ومن هيئته. هكذا فعلوا مع السيد المسيح ومع سيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومع جميع الأنبياء والصالحين والمصلحين، أما النخب العليا في المجتمعات فهي لا ترغب أساساً في الإصلاح، وتحاول الحفاظ على الحكم الموجود، لأن في ذلك حفاظاً على مكاسبها ومكانتها الاجتماعية والمالية. أما الطبقة الوسطى من الشعب فهي الطبقة التي تحاول تعزيز وضعها الاجتماعي عن طريق التعليم أو التجارة، وهذه الطبقة تحاول طرح قضايا ومحاولة رفع المجتمعات من بؤس الظلم والفقر والجهل والعيش في غيابات الخرافة إلى مصاف المجتمعات الرفيعة.
هذه المعادلة السابقة تظل تسير في ركاب البشرية لا تغيرها مجريات الأمور ولا التطور التقني، فلا تزال حتى الآن كل الدعوات الإصلاحية والدعوات الثورية موجهة للفقراء من أبناء الشعوب، وما زال أيضاً أبناء الفقراء يحاربون هذه الدعوات، ويقفون في وجهها، ويستخدمهم الأغنياء والنخب الاجتماعية كمخلب يسقطون به الثورات، وهذا ما حدث في مصر مؤخراً، فقد استطاعت النخب الاجتماعية التي تربت في نظام العسكر أن تستخدم الفقراء من أبناء الشعب لإسقاط أول ثورة حقيقية في تاريخ مصر، وإسقاط أول رئيس مدني منتخب، واستخدمت النخب الصورة الموروثة لدى الفكر البشري عن الفارس المغوار، الجنرال العسكري القائد المخلص، وداعبت بهذه الصورة خيالات الفقراء وأبناء الشعب العادي، للوصول إلى تحقيق مأربها في إعادة الوضع كما كان أيام دولة العسكر.. لا شيء جديد تحت الشمس.
بعضه معاد ومكرر، يأتي الثوار لنشل الفقراء من براثن الظلم والجور، فتكون نهايتهم على أيدي الفقراء، يشعل الأنقياء ثورة لأجل إنقاذ المطحونين فتكون نهاية هؤلاء الأنقياء على أيدي المطحونين أنفسهم وتضحك النخب مرة ومرات، ويبقى السؤال لقد مرت آلاف السنين على بني الإنسان على هذه الأرض وتطور كل شيء، فهل بقي العقل البشري كما هو؟
x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...