معركة القضاء الخاسرة

بقلم: د. عز الدين الكومي

عندما أصدر الرئيس المنتخب، الدكتور محمد مرسي الإعلان الدستوري، وقام بعزل النائب العام عبدالمجيد محمود، اعتبرت السلطة القضائية آنذاك، أن هذا يعد تعديًا على اختصاصاتها وتهديدًا لاستقلاليتها!!.

وعلى الفور، اجتمع ما يقرب من ألف ومائتى قاض، داخل مقر نادي قضاة مصر،، للتنديد بـالتدخل في شؤون القضاة، وكانت تهديدات القضاة بالتصعيد، والتى وصلت، إلى حد الإستقواء بأمريكا، للتدخل لإنقاذ القضاء من تدخلات مؤسسة الرئاسة في شؤونه الداخلية، وأعلن الزند يومها، أن القاضي جيرارد رايسنر، رئيس الاتحاد الدولي للقضاة، غادر القاهرة حاملاً معه ملفًا كاملاً باعتداءات النظام بسلطتيه التنفيذية والتشريعية على السلطة القضائية، وسيجري تشكيل لجنة لبحثه، استعدادًا لإرسال محقق خاص من الاتحاد للوقوف على حقيقة الانتهاكات التي يتعرض لها القضاء، كما هدد الزند بتدويل القضية وذلك حين خاطب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما،مطالبًا إياه بالتدخل لإنقاذ القضاة من تغول سلطة الإخوان، ويومها القضاة ضد هذا التغول، وسط غضب شديد رافقه حملة إعلامية غير مسبوقة من أجل الدفاع عن استقلال القضاء ورفض أي محاولات للمساس به أو التدخل في شؤونه من قريب أو من بعيد، وأن أي محاولة لفرض إملاءات السلطة التنفيذية على القضاء ستفضي إلى سقوط الدولة وتفكك أركانها!! وأين هى الإستقلالية المزعومة، وأين غضبة القضاء الشامخ، مما فعله النظام الانقلابى، اليوم بتمرير قانون السلطة القضائية، وتصديق قائد الانقلاب عليه مباشرة!!.

بالتأكيد لن نرى أى ردة فعل من قضاة باعوا ضمائرهم للعسكر، مقابل مكافآت مجزية، لتزييف إرادة الشعب، من خلال الانتخابات المزورة التى نشأت عنها برلمانات مزيفة، على مدار عقود،وبعد ذلك نسمع من قضاة العار من يقول : أن هذا القانون مخالف للدستور!.

وإذا كان هذا القانون مخالف للدستور،فهل كان الإنقلاب على الرئيس المنتخب متفقاً مع الدستور ومتسقاً مع نصوصه؟ وقد شارك القضاء فى هذه الجريمة، بأن ترأس أحدهم المرحلة الانتقالية ، ليمهد لحكم العسكر،فكيف تتشدقون اليوم بمخالفة الدستور؟

لقد كان القضاء ولازال، أحد أركان الدولة العميقة وأنه من أكثر المستفيدين من الانقلاب العسكرى، فى ظل ما حصل عليه من امتيازات مادية لم يحصل عليها طيلة تاريخه، ومن ثم فإن الحديث عن صدام مرتقب وتصعيد من قبل السلطات القضائية ضد الدولة هو من قبيل الخيال ليس أكثر والجعجعة التى لايصاحبها طحناً، وإلا كيف يتصادم قضاء يحكم بعد المكالمة، كما ثبت من تسريبات عباس ترامادول، مع ممدوح شاهين!!.

فقد توقع البعض انتفاضة من القضاة، تنديدًا بتمرير قانون تعديل السلطة القضائية، و تجاهل رأي الجهات القضائية، والتي رفضت مناقشة القانون معتبرة إياه شأن قضائي داخلي، لا يحق لأي سلطة التدخل فيه، ومع ذلك لم يأخذ البرلمان بهذا الموقف وتم الموافقة على القانون!لكن هذا الكلام كان ينفع أيام الرئيس محمد مرسى، أما فى ظل النظام الانقلابى، فليس هناك إلا ملفات إخراج الفساد، وسيديهات مرتضى منصور!!.

رئيس نادى القضاة، قال على إحدى الفضائيات الانقلابية، قال: إنه وبالرغم من أن المشروع مخالف للدستور ويهدد استقلالية القضاء ويتناقض مع مبدأ الفصل بين السلطات، ويسلب حق القضاة في إبداء رأيهم في القوانين التي تنظم شئونهم، إلا أن القضاة لا يريدون الصدام مع مجلس النواب، و قال : نهنئ مجلس النواب الموقر على هذا القانون سيء السمعة، ومجلس النواب يملك سلطة التشريع، واستقوى بها لمخالفة الدستور، ونحن القضاة نملك سلطة الحكم، ونملك إرادتنا وسنفرض إرادتنا بالقانون، لتحقيق استقلال القضاء، أن ما حدث من سرعة في التصديق على القانون أمر غير مقبول، وأنه طلب على وجه رسمي من مؤسسة الرئاسة بتحديد موعد لمقابلة قائد الانقلاب، و أنه أرسل مذكره بالاعتراضات إلا أنه لم يتلق ردًا ولو بالاعتذار من قائد الانقلاب!!.

ومن ثم تراجعت نبرة التهديد والتصعيد عقب تمرير المشروع ببرلمان العسكر، وطالبوا بضرورة تطبيق القانون والالتزام به، حتى يتسنى لهم الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية، لكن أيام الرئيس المنتخب كان التغول !!
لأن النظام الانقلابى يسعى إلى إحكام قبضته على منظومة القضاء،خاصة خلال الفترة القادمة والتي تشهد بعض الاستحقاقات الانتخابية خاصة الانتخابات الرئاسية!!.

وقال المستشار أحمد مكي وزير العدل الأسبق إن تمرير قانون الهيئات القضائية بالبرلمان ليس له وصف إلا أنه نوع من الاستخفاف بالقضاة!!.

وإن لم يغضب القضاة اليوم لوقف هذه المهزلة فلا يلوموا إلا أنفسهم!!

وحتى يطمئن معالى المستشار الذى استقال من الوزارة احتجاجاً على اصدار الإعلان الدستورى زمن الرئيس مرسى، من باع نفسه للنظام الانقلابى، مقابل حفنة من الامتيازات لن يثورولن يغضب!.

والطريف أن قائد الانقلاب، كان كلما سئل عن الأحكام الجائرة التى تصدر بحكم المعارضين للنظام الانقلابى يقول : القضاء في مصر مستقل ولا أتدخل في شئونه، فماذا سيقول الآن ؟، وقد ثبت للقاصى والدانى، أن القضاء لم يعد مستقلا، ولم يكن كذلك فى ظل حكم العسكر!!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...