حقوقيون للقضاة: لا تلوموا السيسي ولوموا أنفسكم!

في عصر الاحتلال البريطاني لمصر لم تكن العدالة أسوأ منها في زمن الانقلاب، وكانت عبارة “إنا لله وإنا إليه راجعون”تتردد على ألسنة الناس في كل مكان كما تتردد الآن على صفحات التواصل الاجتماعي، تحسُّرًا على فقدان العدالة وبشاعة الأحكام القضائية ؛ وانعدام الضمير لدى القضاة .. خصوصا عندما تكون القضية متعلقة بمسألة سياسية أو سيادية تمس حكام مصر الأجانب “الإنجليز” كما عرفنا فى قضية دنشواي التاريخية المشهورة.
يصف أحد الشعراء حال الشعب المصري إزاء العدالة المفقودة والقضاء الفاسد فى تلك الأيام .. قال:
ظُلماتٌ من المظالم أوْدتْ ** بضياء الحياة بعد الحياة
يشتكى الشعب والقضاة خصوم ** فلمن يشتكى خصام القُضاةِ..
وأبدع الشاعر حافظ إبراهيم فى بيت واحد لخّص فيه القضية كلها .. قال:
لقد كان فينا الظلم فوضى فهُذِّبتْ ** حواشيهِ حتى صار ظلمًا منظَّمًا.
وكان يقصد بتنظيم الظلم تلك القوانين التي أصدرها كرومر الحاكم العام البريطاني في مصر لتقييد الحريات وفرض عقوبات جائرة على الاحتجاج والتظاهر كما فعل انقلاب العسكر منذ 30 يونيو 2013 بقوانينه سيئة السمعة، ولقد وجد المحتل البريطاني قضاة فسدة لا وطنية لهم ولا دين يخدمون أطماعه ضد أبناء شعبهم، وحتى عندما يفتقدون قاضيا مطيعًا فى محمكة ما ينقلونه إلى مكان آخر أو وظيفة أخرى ويعينون مكانه قاضٍ أجنبي من صنع أيديهم ؛ ففى سنة ١٩٠٦ تم تعيين “مسيو مفسود الملْطي ” بعد منحه الجنسية الإنجليزية.. لاحظ أن الاسم حقيقى وليس نكتة ” مفسود” طبيعي..!.
ومُنح المفسود مرتب ٥٧ جنيهًا وكان أجدع قاض مصري لا يزيد مرتبه عن ٤٠ جنيهًا فقط، وكلُّه بالقانون وحياتك، ومع ذلك كان القضاة المصريون ينافسون الأجانب في إرضاء الحاكم الإنجليزي.
دنشواي 25 يناير!
ألا يشبه القضاة الأوغاد الذين ظلموا المصريين وشنقوهم في حادثة دنشواي الشهيرة وكلاء نيابة الانقلاب في خسّتهم وكذبهم ونذالتهم..؟!، وألا يشبه قضاة محكمة دنشواي قضاة اليوم الذين يصدرون أحكاما بالإعدام والسجن بالجملة في قضايا لا أدلة فيها ولا تهم حقيقية، وهم يعلمون أنها تلفيق وتزييف، وألسنا نعيش في زمن الاحتلال الانقلابي حياة أبشع وأكثر انحطاطا حتى من زمن الاحتلال الانجليزي؟
يقول الحقوقي نجاد البرعي، في تدوينة له على «فيس بوك»، أن مئات من القضاة تم فصلهم من الخدمة بعضهم بدرجه وكيل نيابة أو رئيس نيابة، مضيفا «أي أنهم فصلوا دون معاش أو مستقبل لأن نقابة المحامين ترفض قيدهم”.
وأشار البرعي إلى نماذج من هؤلاء القضاة الذين تم فصلهم مثل ابن المستشار جودت الملط الرئيس الأسبق للجهاز المركزي للمحاسات وآخرين، لكتابتهم آراء على صفحات فيسبوك وآراء محايدة تتعلق بالقضاء واستقلاله، مشيرا إلى وكيل نيابة شاب لم يسمه البرعي، وضع صورته على في بوك بجانب أحمد دومة في التحرير خلال الثورة.
واستطرد البرعي، أن هناك العشرات من نواب رئيس محكمة النقض فصلوا بعضهم للاشتباه بانتمائهم للإخوان، بالإضافة إلى القاضيين الآخرين الذين تم إحالتهم للتأديب والصلاحية تمهيدا لفصلهم؛ لمشاركتهما في إعداد قانون لمكافحة التعذيب وهم المستشارين عاصم عبد الجبار، نائب رئيس محكمة النقض، وهشام رؤوف، الرئيس بمحكمة الاستئناف.
وأوضح البرعي أن القضاة أنفسهم من قاموا بذلك وليس الرئيس أو البرلمان، مضيفا «ببساطة لو حاسبنا القضاة الذين فصلهم القضاء بمعايير غير منضبطة تتعلق فقط بالصلاحية للبقاء في سلك القضاء – وهي عبارة فضفاضه – سنجد أنهم قد يتجاوزوا من فصلهم عبد الناصر بكثير».
مذابح السيسي
وختم البرعي تدوينته بأن السيسي والبرلمان لم يفعلا ذلك بالقضاة بل فعلوه بأنفسهم ولم يكن في النهاية خدمة للعدالة بل تصفية لحسابات داخلية وضيقة، ومضيفا «ببساطة الذين صمتوا عن المذابح الحقيقية التي جرت للقضاة من ٢٠١٣ لا يجب عليهم اليوم أن يظهروا شجاعة مصطنعة ضد الرئيس والبرلمان الذي كل ما فعلوه أنهما أعطوا للرئيس الحق في اختيار رؤساء الهيئات من بين ٣ ترشحهم هذه الهيئات.. اعدلوا هو أقرب للتقوى».
وكان برلمان العسكر وافق في جلسته العامة، على تعديلات قانون السلطة القضائية، والتي اعتبرها بعض القضاة تعديًا على مبدأ استقلال القضاء والفصل بين السلطات، بينما صدق عليه السيسي، قبل موعد الجمعية العمومية الطارئة للقضاة والتي تمت الدعوة إليها للاعتراض على القانون.
يابهية وخبريني
“الظلم أساس الحكم” والمتهم يدان وان ثبتت براءته شعارات  قضاء الانقلاب المقلوبة فضيحة القضاء المصري المسيس أصبحت عالمية، قاضي في الجنة وقاضيان في النار وقضاة مصر من أهل النار وعند الله تجتمع الخصوم، ولقد انعكس ظلم القضاء في الماضي والحاضر على فن الغناء، فقد حُكٍيَ عن سيد درويش أنه كان يبكي وهو يغنى أغنيته الشهيرة:
يابهية وخبريني عاللى قتل ياسين
وبهية في المحاكم شدّت واحد وكيل
أحكم بالعدل يا قاضى قُدّامك مظاليم
عوج الطربوش على شقة وحكم بأربع سنين
سنتين في السجن العالي وسنتين في الزنازين
وفي وقت سابق رفض المستشار مصطفي دويدار، المتحدث السابق باسم النيابة العامة، الأحكام التي صدرت بحق الأبرياء من رافضي حكم العسكر، مشيرًا إلى أن القضاء أداة من أدوات ما أسماه “الانقلاب”.
وقال عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: “اللهم أنى أبرأ مما يقضى به هؤلاء الظلمة.. اللهم لا تؤاخذني بما يفعله هؤلاء الذين ماتت ضمائرهم ومسخت نفوسهم، ولا يظن أي قاضى أنه سينجو من حساب الله إن هو سكت على تلك المظالم “.
وأضاف دويدار:” أشهد الله أني لا أرضى عن هذا الظلم، وعن استخدام القضاة كأداة للانقلاب والبطش بالأبرياء، كما أشهد الله أنى لن أسكت على هذا الظلم وسوف أدفعه بما استطعت، ولن أخشى لومة لائم وليعينني الله على نصرة الحق و تحمل الأذى في سبيله”.

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السيسي يُطعم المصريين الخبز المصاب بـ”الإرجوت” السام لإرضاء الروس!

رصد تقرير استقصائي لموقع “أريج” كيف يُطعم السيسي المصريين الخبز المصاب بفطر قمح “الإرجوت” لإرضاء ...