الإسلام الأمريكاني وثورات الربيع العربي

د. عز الدين الكومي:

رئيــس وكالــة المخابــرات الأمريكيــة CIA “جيمس وولسي” سئل في عام 2006 في أحد المؤتمرات لشبكة “سي إن إن” الإخبارية حول ما إذا كانت هناك مناطق في أوروبا يحكمها المسلمون يتولد فيها العداء للسامية ؟ فأجاب:

إذا استطعنا إقناع المسلمين فى العالم أنهم قابعون تحت العبودية كما هو ظاهر، وأن نصنع لهم إسلاماً يناسبنا ونجعلهم يقومون بثورة، ونقنعهم بأننا إلى جانبهم، فإننا ذاهبون إلى النصر، إنّ ذلك سيصيب حكامهم بالتوتر والخوف، ويجعلهم يلجئون إلينا وهم متوترون، وبذلك سنضمن الفوز كما حدث فى الحرب العالمية والحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، علينا أن نجعل المسلمين يقومون بثورة ونصنع لهم إسلاماً يناسبنا لنكسب الحرب معهم، على أميركا أن تقنع شعوب الشرق الأوسط بأننا نقف إلى جانبها، بالضبط كما أقنعنا ليخ فاليسا، وفاكلاف هافل، وأندريه ساخاروف بأننا كنا إلى جانبهم، ولا شك أن هذا سيتطلب وقتاً، وسيكون صعباً وبالطبع، ندرك أننا نثير توتر أعصاب الإرهابيين والديكتاتوريين المستبدين، ونحن نريدهم أن يكونوا كذلك، ونريد منهم أن يدركوا الآن، أن أميركا تغُذّ السير، وأننا نقف إلى جانب أولئك الذين يشعرون تجاههم بخشية كبيرة، أي إلى جانب شعوبهم!!

وإذا أخذنا فى الاعتبار بأن جيمس وولسي لم يكن مفكراً مثل فوكوياما وأضرابه، ولا صحفيا مثل ناعوم تشومسكي؛ بل كان رئيسا لوكالة المخابرات الأميركية، فإن كل ما قاله سيوضع أمام الساسة وصناع القرار ورجال الأمن!!

بدوره يرى الكاتب الفرنسي تيري ميسان أن الربيع العربي ليس إلا نسخة جديدة من الثورة العربية الكبرى التي خطط لها البريطانيون ضد العثمانيين من عام 1916- 1918، وأن الغرب عاد هذه المرة ليسيطر من جديد على الأوضاع، لكي يطيح بجيل من الحكام، وتنصيب الإسلاميين مكانهم !!

وبالتالي يمكن القول بأن ثورات الربيع العربي لم تكن إلا جزء من مؤامرة كبيرة تقودها المخابرات الأميركية لإحداث تغيير في المنطقة برمتها، بما يتناسب مع المصالح الأميركية، التي لم تعد الأنظمة المستبدة الحاكمة في المنطقة قادرة على تحقيقها!!

كما أن أمريكا وعدت عبر وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس بفوضى خلاقة تجتاح المنطقة بأسرها، إضافة إلى أن ريتشارد هاس مدير مجلس العلاقات الخارجية الأميركية أشار إلى ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بدعم الديمقراطية بشكل متواصل لبناء مجتمعات منفتحة تحترم حقوق الإنسان، وحكم القانون بعيدا عن التطرف والإرهاب، من خلال تطوير مؤسسات وممارسات ديمقراطية على المدى الطويل ـ على حد زعمه ـ !!

لكن ما يؤكد دحض هذا الزعم أن السياسات الأمريكية والتي ترمي لرعاية المصالح الأمريكية وعلى رأسها حماية الكيان الصهيوني، لا تُبنى على إرادات الشعوب المتطلعة للتحرر من السلطات الاستبداديه التي زرعها المستعمر قبل رحيله عن بلادنا، بل تبنى على عمالة السلطات التي تتطوع بتقديم كل ما يلزم لضمان هذه المصالح، وفي بعض الأحيان تكون ملكية أكثر من الملك، ودليل ذلك عدم تقديم أمريكا يد العون للعديد من القوى الديمقراطية، التي تعمل لصالح الشعوب الثائرة، وتركها في دوامة من الصراع مع الدول العميقة لضمان ديمومة الاستبداد، وقد سئل مسؤول أمريكي كبير ذات يوم: ألستم منزعجين من الدعاية المعادية جداً لأمريكا في الإعلام السوري؟ فأجاب: نحن لا يهمنا ما يقوله الإعلام السوري، بل ما يفعله النظام لأجلنا، فعندما نطلب منه أن ينفذ لنا أمراً ما بنسبة أربعين بالمائة، يفاجئنا في اليوم التالي وقد نفذ الأمر مائة بالمائة أي أنه دائماً يعطينا أكثر بكثير مما نطلب !!

لكن السؤال الذي نطرحه هنا: أيّ إسلام يريده لنا الأمريكان ؟ هل يريد لنا إسلاما علمانياً، يقوم على فصل الدين عن الدولة والحياة، ويحصر الإسلام فى الزوايا والتكايا ؟ أم يريد لنا إسلاماً تبريرياً، والذي يبرر لفساد الحكام الظالمين، الغارقين في الملاهي والملذات، ويطالبنا بالطاعة والصبر على الظلم والفقر والمرض في انتظار نعيم الجنة، حتى ولو ألهب ظهورنا بالسياط، وسلب أموالنا، ونهب ثرواتنا؟ أم هو إسلام أصحاب العمائم واللحى والجلابيب، الذين يحرقون البخور بين أيدي الطغاة ويبرروا لهم فسادهم، ويُفصّلوا فتاوى على مقاسهم؟ أم إسلام محاربة الإرهاب والكباب، وتجديد الخطاب الديني، حتى يبقى الطغاة وزبانيتهم فى سدة الحكم، ووصف كل من يطالب بالعدالة الاجتماعية والحرية بأنه من الخوارج الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلهم، وطوبى لمن قتلهم وقتلوه ؟

وإذا أسقطنا كل ذلك على التجربة المصرية، حيث خُدِعنا بشعارات الحرية وحقوق الإنسان والوقوف بجوار الشعوب المظلومة، وهو ما تحقق بالفعل ففي الخامس والعشرين من يناير، كما كتب وزير الدفاع الأمريكي آنذاك روبرت غيتس في مذكراته أن البيت الأبيض كان منقسماً حول طريقة التعامل مع الأحداث في مصر، فنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن وكلينتون وغيتس ومستشار الأمن القومي توماس دونيلون كانوا قلقين للغاية من أن الرئيس والبيت الأبيض وأعضاء فريق الأمن القومي يميلون بشدة إلى ضرورة تغيير النظام في مصر، وخلال اجتماع حضره دونيلون وبايدن وكلينتون ورئيس هيئة الأركان المشتركة الأدميرال مايك مولن وفريق الأمن القومي، عرض غيتس على أوباما وجهة نظره التي ترى أن على الولايات المتحدة، أن تدع مبارك يرحل عن السلطة وهو يحتفظ بكرامته، ما سيمهد الطريق لانتقال السلطة إلى المدنيين بطريقة منظمة، وهو الأمر الذي سيرسل إلى حلفاء واشنطن في المنطقة رسالة مفادها أنها لن تلقي بهم للذئاب، وبالفعل أجريت انتخابات حرة نزيهة، وجاءت بأول رئيس منتخب بإرادة شعبية، أعلن أنه سيعمل لمصلحة الشعب، ولكن سرعان ما جهزوا لحفلة 30 يونية، ليعود العسكر على ظهور الدبابات، ويستمر مسلسل دعم الحكام المتسلطين، لتحقيق مصالحهم، ولو كان على حساب شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان !!

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...