أشواك من الداخل

مجدي مغيرة

من البديهي أن نعرف مَن العدو ومَن الصديق ، ومَن الخائن ومَن الأمين ، إذ حينما نجهل ذلك فقد نقتل الصديق ظنا منا أنه عدو ، ونعاقب الأمين ظنا منا أنه خائن ، لكن مالا يقل خطرا عن هذا هو الصديق الجاهل ، أو الصديق الحاقد ، أو الصديق الحاسد ، أو الصديق المُثَبِط ، أو الصديق المندفع ، أو الصديق المنتفع .

ولذا وجدنا بعضهم قديما يردد عبارة :”اللهم اكفني شر أصدقائي ، أما أعدائي ، فأنا كفيل بهم” ،

ووجدنا الإمام علياً رضي الله عنه يقول وقد اشتد به الضيق من اتباعه الذين خذلوه وثبطوه ، فخطب فيهم ، ومما قاله لهم :” والله لقد أفسدتم عليّ رأيي بالعِصيان ، ولقد ملأتم جوفي غيظاً ، حتى قالت قُريشٌ : ابن أبي طالب رجلٌ شُجاع ، ولكن لا رأيَ له في الحرب ، لله درّهم ، ومن ذا يكون أعلمُ بها منّي أو أشدّ لها مراساً ! فوالله لقد نَهَضْتُ فيها وما بلغتُ العشرين ، ولقد نيّفتُ اليومَ على السّتين ، ولكن لا رأيَ لمن لا يُطاع ” .

وقصة الإمام علي رضي الله عنه مع أتباعه نموذج فريد لخذلان الأتباع ، بل وخروج بعضهم عليه ، وهم الخوارج الذين تآمر بعضهم على قتله ظنا منهم أنَّ في قتله خلاصاً وراحة للإسلام والمسلمين .

ولعل هذا ما حدا بابنه الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما أن يتنازل عن الخلافة لصالح معاوية رضي الله عنه ، لأنه يرى أن أتباعه سيخذلونه كما خذلوا أباه من قبل ، ورأى أن الصواب هو اختصار الطريق وحقن الدماء ، وهذا عكس ما فعله أخوه الأصغر الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما ، إذ خرج بدعوة من أصحابه ، وقد حذَّره الكثيرون ومنهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، لكنه أصر على الخروج ، ولما وصل إلى أرض المعركة رأي بعينه ما حذره منه الناصحون ، وفي هذه المعركة المشؤومة قُتل الإمامُ الحسين رضي الله عنه قِتلة مازلْنا نتجرَّع مرارتها ، وندفع ثمنها حتى اليوم .

ومن قبل ذلك وجدنا موسى عليه السلام أراد أن يثبت قومه في مواجهة محنتهم ، إذ ” قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” ، لكنهم ردُّوا عليه و” قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا” ، فهم قد نظروا للمهمة من ناحية الأذى والعناء الذي يصيبهم ،لا من زاوية الشرف الذي نالوه باتباعهم لها .

وعندما تتأمل في الحديث الشريف الذي رواه أنس رضي الله عنه : ” المؤمنُ بين خمسِ شدائدَ : مؤمنٌ يحسدُه , ومنافقٌ يبغضُه , وكافرٌ يُقاتلُه , وشيطانٌ يُضلُّهُ , ونفسٌ تُنازعُه” تجد الحديث وإن كان ضعيف السند ، إلا أن معناه عميق ، ويعبر عن نوع من المؤمنين يعجزون عن التحكم في مشاعر الحقد والحسد التي يجدونها في نفوسهم تجاه إخوانهم .

وخير مثال على ذلك ما حدث عندما حاصر العثمانيون أسوار فيينا ، وبدأ الهجوم في رمضان 1094هـ ، الموافق 12 سبتمبر 1683م ، وكان “قرة مصطفى” ( الصدر الأعظم ،أو بتعبيرنا المعاصر رئيس الوزراء للخليفة العثماني محمد الرابع ) قد وضع قوة عثمانية كبيرة يقودها أميرُ القرم “مراد كراي” حاكم القرم عند جسر الدونة، وهو الطريق الوحيد المُؤَدِّي إلى فيينا من ناحية الغرب؛ ليمنع تقدُّم الأوربيين، وأمر الصدر الأعظم “قرة مصطفى” “مراد كراي” بنسف الجسر إذا اقتضت الضرورة ، وهنا حدث ما لم يكن في حسبان أحد، لا من العثمانيين ولا من الأوربيين، إذ قام “مراد كراي” بخيانة عظمى للإسلام والمسلمين؛ وذلك بأنه سمح للأوربيين بالعبور من الجسر دون قتال؛ وذلك بسبب كراهيته وعداوته لقرة مصطفى ، كما حدثت خيانة أخرى من جانب “أوغلو إبراهيم” قائد ميمنة الجيش ، وانهزم الجيش العثماني بسبب الحقد ، إضافة إلى أن هناك وزراء وبكوات في الجيش العثماني كانوا لا يرغبون في أن يكون “قرة مصطفى” باشا هو فاتح فيينا، التي فشل أمامها السلطان سليمان القانوني قبل قرن ونصف من الزمان !!!

وكان شهداء العثمانيين في هذه المعركة حوالي 15 ألف شهيد ، فضلا عن الهزيمة التي كانت بداية انحدار العثمانيين وضعفهم .

واليوم تجد كثيرا من الناس يعارضون الظلم ، ويقفون ضد الباطل ، لكنهم لا يرحمون إخوانهم من لسانهم ، إذ يسلقونهم بألسنة حداد كلما أخذوا قرارا لايوافق رأيهم ، أو خطوا خطوة لا تتفق مع خطواتهم ، وبدلا من التنافس في ميدان العمل ، وجدنا التنازع والشقاق ، والتخوين والتهوين، ووجدنا التجريح بالتصريح والتلميح . ونسي هؤلاء قول الله تعالى :” وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” .

علينا أن نوجه جهودنا لإنهاء الظلم ، وأن نتعاون فيما اتفقنا عليه ، وأن يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه بدلا من التنازع والاختلاف والشقاق الذي لا نجني منه سوى حصاد الهشيم .

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هزيمة مؤقتة

محمد عبدالقدوس الأوضاع في بلادي بعد تسع سنوات من ثورتنا المجيدة تدخل في دنيا العجائب.. ...