لا أحد بإمكانه أن يعرف إلى أين يتجه مؤشر التضخم في مصر أو متى سيتوقف عن الارتفاع، ففي كل درجة يخطها تزداد أسعار السلع الأساسية التهابا، ويزداد إحكام الخناق على رقاب عامة الناس، فالقدرة الشرائية أصبحت في أوهن درجاتها منذ الحرب العالمية الثانية، كما تُثبت ذلك بيانات الجهاز المركزي للإحصاء.
وإذا كان هدف الثورة المصرية، التي انطلقت قبل 6 سنوات، هو العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، فإن حال المصريين اليوم أسوأ مما كان عليه يومها بكثير، فمع بداية الثورة المصرية كان معدل التضخم عند 11%، وتراجع في نهاية حكم العسكر إلى حوالى 7%، وفي نهاية حكم الرئيس محمد مرسي كان التضخم فوق 10%، ومنذ ذلك التاريخ بدأ المؤشر في مسار تصاعدي، ليقفز في نهاية ديسمبر الماضي إلى أكثر من 20%، بعد أن قررت الحكومة المصرية تعويم سعر الجنيه، الذي فقد كثيرا من قيمته أمام الدولار.
قد لا يهتم المواطن بالأرقام كثيرا، ليس فقط لأنها لا تقول كل الحقيقة، وإنما لأن شغله الشاغل بات تلبية احتياجات أسرته الأساسية، والصراع اليومي للإفلات من دائرة الفقر التي ابتلعت نحو ثلاثين مليون مصري، حسب تقرير بثته قناة “الجزيرة”.
ويرى خبراء اقتصاديون أن إقدام الحكومة المصرية على فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، بعد تفجيري كنيستي طنطا والإسكندرية، يزيد من قتامة المشهد الاقتصادي؛ بسبب التداعيات السلبية الكثيرة التي تُحدثها حالة الطوارئ على اقتصاد البلاد، والتي تظهر بشكل مباشر وسريع على الاستثمارات الأجنبية وعلى قطاع السياحة وحركة التجارة وغيرها.
إن دوامة تهاوي الاقتصاد المصري لم تفلح معها حتى اليوم كل أموال الدعم والقروض الأجنبية، ولم تخفف من وطأتها “الإصلاحات الاقتصادية”، من رفع للدعم وتحرير للعملة، فالمشكلة الأساسية في الاقتصاد المصري، كما يبدو، ليست بنيوية أو مالية بحتة، وإنما هي نتيجة لمشكلة سياسية أكبر تفرعت عنها أعراض كثيرة وخطيرة.